آراء

خمسين أحمد الشرع في مجلس الشعب

شعبان عبود

مع صدور المرسوم الرئاسي الذي شكّل بموجبه الرئيس أحمد الشرع “اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب”، تدخل البلاد مرحلة جديدة من الحياة السياسية، في ظل دستور مؤقت يوزّع مقاعد المجلس التشريعي بشكل غير مسبوق: ثلثان بالانتخاب، وثلث يعينه الرئيس شخصياً. في نظام يتكوّن فيه المجلس من 150 عضواً، يُمنح الرئيس سلطة اختيار خمسين نائباً، ليصوغ عبرهم توازناً أو يمارس توجهاً، أو حتى يبعث رسائل سياسية واجتماعية إلى الداخل والخارج.

لكن من هم “خمسين أحمد الشرع”؟ السؤال لا نطرحه عبثاً. فالرئيس الشرع، الآتي من خلفية إسلامية ، أطلق منذ تسلّمه الحكم إشارات وتحدث بلغة طغى عليها النزعة الوطنية السورية، وهو ما سمح بإشاعة مناخ من التفاؤل. وهذا يجعل من مهمة استشراف هوية الخمسين المعينين أكثر إثارة للاهتمام.

من المعروف أنه في الأنظمة السياسية التي تتيح للرئيس تعيين جزء من البرلمان، غالباً ما تكون هذه المقاعد مخصّصة لضمان التوازن، أو تمثيل الأقليات، أو ضمان حضور المرأة، أو تمرير مشروع سياسي معين. لكن في الحالة السورية، حيث تمر البلاد بإعادة تشكيل اجتماعي وسياسي بعد سنوات من العنف والانقسام، تبدو هذه التعيينات أقرب إلى اختبار نوايا للرئيس الشرع: هل يسعى إلى توسيع قاعدته السياسية؟ أم إلى تحصينها؟

في حال اختار الشرع ملء الخمسين بمقرّبين من تياره وقاعدته ، وممثلين عن الفصائل والتيارات الإسلامية التي دعمته في صعوده، فإن ذلك سيكون إشارة واضحة إلى استمرار النهج الإقصائي كما يعتقد البعض . هذا الخيار، رغم كونه “آمناً” على المدى القريب، إلا أنه يهدد بتعميق الفجوة بين السلطة وشرائح واسعة من المجتمع السوري: العلمانيين، اليساريين، الأقليات الدينية، والنخب الثقافية التي طالما طالبت بدور سياسي أكبر.

لكن ماذا لو اتخذ الشرع خطوة جريئة وعيّن، على سبيل المثال، شخصيات علوية بارزة ضمن “خمسينه”؟ هل يغامر بذلك لإثبات انفتاحه؟ وهل يمكن أن يرى الشارع السوري في هذه الخطوة بداية لعقد اجتماعي جديد، يُعيد ترتيب العلاقة بين السلطة والطوائف؟

التوقعات هنا متعددة. فالبعض يرى في تعيين شخصيات علوية أو درزية أو مسيحية أو كردية، خطوة رمزية قد تكون ذات وقع إيجابي داخلياً وخارجياً، فيما سيرى آخرون أن مثل هذه المبادرة، إن لم تُستكمل بسياسات حقيقية، قد تُقرأ كحركة تجميلية فقط.

كذلك تبرز تساؤلات بشأن ما إذا كان الشرع سيفتح الباب أمام شخصيات يسارية أو قومية عروبية ضمن “الخمسين”. فكما هو معروف، الساحة السياسية السورية، رغم تآكل مؤسساتها السياسية التقليدية، ما تزال تضم نخباً ذات خلفية يسارية تحمل رؤى اقتصادية واجتماعية تتمايز بوضوح عن الطروحات الإسلامية. تعيين وجوه من هذا النوع قد يكون بمثابة رسالة طمأنة للطبقة الوسطى وللمثقفين، وربما للخارج الذي يراقب بقلق صعود التيارات المحافظة في البلاد.

من هنا، يبدو أن الرئيس الشرع يقف أمام خيارين: إمّا أن يجعل من خمسينه مرآة لقاعدته السياسية، أو أن يجعلهم مرآة لسورية بكل أطيافها. الخيار الأول مضمون لكنه محدود الأفق. أما الثاني، فينطوي على قدر من المغامرة، لكنه قد يُعيد الثقة المفقودة بين الدولة وشرائح ليست بالقليلة من المجتمع.

في النهاية، سيبقى السوريون يترقبون الأسماء الخمسين كما يُراقب المراقبون نص البيان قبل إعلانه. هل سيكون بين الأسماء شاعر، وامرأة علمانية، ومثقف ماركسي، وطبيب من السويداء، ومهندس من الحسكة، ومطران متقاعد من حلب على سبيل المثال؟ أم أن الخمسين سيكونون مجرّد امتداد لصوت واحد؟

ما هو أكيد أن “خمسين أحمد الشرع”، سيكونون ليس فقط جزءاً من البرلمان… بل مرآة لعقل وطريقة تفكير رئيس سورية الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى