دعوة حميميم .. تدوير للأزمة أم إنتاج لها ؟!
وليد حاج عبدالقادر / دبي
اتجهت الأزمة السورية منذ منتصف هذا العام نحو منحى تفكيكي واضح ، وأخذت الحسومات المفصلية تتبلور من خلال بحث، لابل، وفرض كل جهة أو محور ما ستقتطعه من جسد الدولة السورية المتأشكلة وفق اتفاق سايكس بيكو، نعم، لقد أصبحت سوريا المفيدة، أو ما يمكن أن تكون المفيدة لكل من القوى التي تفاعلت بشكل أو بآخر في الأزمة السورية.
وهنا، وبالرغم من التداخل والتشابك في المسألتين العراقية والسورية، وكارتدادات اهتزازية لهشاشة وعجز سايكس بيكو في بلورة سياقية لإمكانية التعايش ضمن الخرائط التي وضعت وتمظهرت حينها وأيضا بمفصلين:
أولها كانت مصالح الدول التي أنتجتها.
والثانية إبقاء جينة المشكلة في داخلها.
وبعيداً من جديد عن التنظير، وكما أسلفنا في تشابك المسألتين العراقية والسورية ومن خلالهما وبالترابط مع إيران وتركيا وبالتقاطع مع كوردستان بأجزائها الأربعة باتت أية خطوة هنا ترتج لها دوائر هذه الدول الأربعة لتتلاقى وتخطط بالضد لها حتى ولو كانت علاقاتها البينية في اشد حالاتها العدائية، لان أي منجز كوردي يعد تهديداً ومساً بالأمن القومي والوجودي لتلك الدول، وطبيعي أن تتمحور المسألة برمتها في دولتين كانتا سابقا أيضا في عين العاصفة في هذه المنطقة، واعني بهما تركيا وإيران اللتين غاصتا في وحل المسألتين العراقية والسورية.
وهنا، وكما حدث في العراق منذ حرب الخليج الأولى وما تلاها من انتفاضة كوردية في كوردستان العراق، وكنتاج لخبرة الحركة الكوردستانية وحاضنتها الجماهيرية التي التمت من حولها والطبيعة الجغرافية لها، ناهيك عن وجود قوة عسكرية / البيشمركة / مجربة وجاهزة، بقيت في حرب الخليج الثانية البقاء متمترسة في مناطقها، ومع سقوط العراق بمنظومتها العسكرية والحكومية، كانت ال / بيشمركة / هي القوة الوحيدة المنظمة والمنضبطة وساهمت بالفعل في الحفاظ على الأمن والمقرات الحكومية في مدن عدة، وتحت ظلها أعادت قوى كثيرة، لا بل بما فيه الجيش في إعادة تأشكلها.
وباختصار ، فقد ظهرت الحركة الكوردستانية في العراق كمرتكز أساس، استقطبت من حولها المعارضات العراقية المختلفة، ولعب القادة الكورد دورا بارزاً أيضاً في بلورة علاقات عامة وأسس لتحالفات مع قوى لا تزال تشهد مدا وجزرا وان لم نكن بصدد الدخول في تفاصيلها الآن.
ومع ظاهرة ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي وملمحها بالامتداد صوب سوريا بعد حادثة أطفال درعا، ركز النظام وبتوصية مشددة من حليفتها الأساس إيران بالانفتاح المبرمج مع أكرادها والسعي وبكل الإمكانات إلى تحييدها وعزلها لئلا يتخذ منها منصة أو قاعدة رئيسة للمعارضة السورية ككل، فبدأت حملة الانفتاح المفرغة من أية إقرارات جوهرية تمس القضية القومية الكوردية، وان لامست الإقرار بعيد نوروز و تجنيس / لا إعادة الجنسية / لبعض من الذين / سحبت منهم / ، وكان لتصعيد الحراك والمظاهرات السلمية وبالتالي تجاوب الشارع الكوردي المعبأ تاريخياً ضد ممارسات الأنظمة المتعاقبة والتي وصلت إلى العسف في مرحلة الأب والابن، كرس النظام كل إمكاناته، وتنشطت الأحزاب الموالية له والمبرمجة من قبله، في سعي لوأد الحراك الجماهيري السلمي بالوعظ حينا والوعيد حينا آخر، لا بل والصدام المباشر كما حدث تاليا، كما تم توجيه بعضها في السعي لإستيلاد معارضات رديفة لها، وباختصار شديد ، فقد انكشف سريعا سعي النظام، و مدفوعا من جديد بنصائح حلفائه بأن هدفه الوحيد هو السعي الممنهج في ضبط الشارع الكوردي، والاستحواذ عليه وبخيارات مشروطة أن لا تتجاوز حقوق المواطنة ومؤطرة حتى هذه الحقوق بخطوط حمر قوية لئلا تتقاطع وتصطدم بخيارات الأمن الإستراتيجي !! لحلفائها.
وكلنا يدرك مآلات الصراع المسلح لاحقا في سوريا وفقدان سيطرة النظام على مناطق عديدة وما تلتها من تطورات في كوردستان سوريا.
وفي العودة إلى أساس الموضوع في سعي النظام وبكل إمكاناته لا فقط تحييد الشعب الكوردي بل تطويعه ووضعه في خدمة توجهاته، ومن هنا كان دعوة رأس النظام للأحزاب الكوردية في الشهور الأولى إلى لقاء معه في دمشق، وجاء الرد حينها كصفعة قوية له في رفض الطلب وبعدها تتالت الإنكشافات داخل جسد الحركة الكوردية وتلتها دوامة حلقات التتبع والتايفونات المتلاحقة متمظهرة في كل دورة بحقائق غريبة وتصورات تعمل بتوجهات صريحة عجزت اعقد الكيميائيات عن إخفائها، إن تابعية خامدة كانت ، أو ميلان تم استقطابه محوريا كقوة اقليمية جهدت منذ الثمانينيات بالتمدد غميقا وبمسميات ووسائل عديدة وانخرطت بشكل مكشوف في الأزمة السورية لديمومة الصراع من جهة والبقاء على النظام كواجهة تدير هذا الصراع / ولربما كنتاج لتحويل النظام ذاته ملفات عديدة إلى تلك الجهة / ، اخذ يبرز الشرخ وبحدية قوية في بنية الحركة السياسية الكوردية ولتفشل اتفاقات بينية عديدة.
هيأت هذه الظروف ومدت بإمكانيات ظهور قوة استفردت بالوضع وحاولت ولا تزال في فرض هيمنتها على كل الحركة السياسية وتطويعها، ومعها ازدادت حدة التوتر والشرخ المجتمعي ووصلت إلى مراحل خطيرة، ومع انخراط تركيا عسكريا وبشكل مباشر لتفعيل سوريتها المفيدة وإيران التي باتت حشودها تتماس مع الحدود السورية، وروسيا القابضة على جمر البركان جوا وبحرا وغدت كل سوريا كقطع الشطرنج يعبث بها كيفما شاء، خاصة وأن الحسم العسكري قد فرضت أو تكاد، ومع تضارب مصالح هذه القوى بينيا من جهة وموضوعة حلب الكارثية والسعي التركي / الممنهج وبموافقة روسية وسكوت إيراني تدعم قبولها / لدق جرس الإنذار في موضوعة السكان المدنيين ونقلهم من حلب و ..
الثمن المقترح لتركيا ثانية ومدى إمكانية عدم التصادم الفراتي بين غضبه ودرعه، ولتتحول العملية بمجملها بمسمى القضاء على الإرهاب وكمسألة إنسانية عامة إلا أنها بالمحصلة وفي البعد القومي والعودة إلى خروج / وحدات الحماية الشعبية / من حاضنتها الأساس وبعد أن أفرغت كل شعاراتها من العمق القوموي لا بل وقمعت كل توجه سياسي حقيقي يتماس مع جوهر النضال القومي الكوردي لئلا / كما أسلفنا سابقا / تتضارب مع أبعاد إستراتيجية للأمن القومي لدول فاعلة ومؤثرة، ومع وصول الحسم العسكري في مناطق رئيسية إلى مراحل متقدمة، وفي سعي واضح من روسيا التي تحاول بشدة التمظهر من خلال قوتها الضاربة وكأنها صاحبة القرار الحاسم سياسيا أيضا متخذة من قيادتها العسكرية في حميميم مركزا لإدارة مفاوضات لا ترتقي بالمطلق عن منهجية المصالحات المحلية وأيضا في جذب القوى إلى مربع توجهاتها، وفيها تمت لقاءات عديدة، ومن جملتها دعوات متتالية كانت لأطراف سياسية كوردية بدأتها بحزب الاتحاد الديمقراطي والمجموعات المنضوية تحت مظلتها وتلاها دعوة للأستاذ عبد الحميد حاج درويش، ومن ثم وسعت في دعواتها فكانت التي شملت أحزاب المجلس الوطني الكوردي وبأسلوب كان فيه استرخاص من جهة وتقزيم حقيقي للقضية القومية الكوردية ولعموم المسألة السورية بجرجرتها إلى دهاليز الحلول الأمنية وسلخها من آفاقها السياسية بامتياز، وعلى الرغم مما تملكه روسيا من مفاتيح مؤثرة في الأزمة السورية ككل، ولكنها أيضا منغمسة بالدم والقتل والدمار من جهة ومن جهة أخرى فأن هذه الدعوة هو اختزال لمجمل القضية الكوردية والكوردستانية باعتبارها قضايا أمنية ليست إلا !! .
والأدهى من ذلك أنها لم تأت بجديد سوى استبدال دمشق العاصمة بقاعدة حميميم العسكرية والجنرال السوري الذي بات شكلا حل محله الجنرال الروسي ولكن !! من جديد هي ليست سوى محاولة لتعويم النظام السوري، كما بدايات الأزمة ومن البوابة الكوردية وبانكشاف واضح وصريح ممنهج للعودة بالأزمة السورية القهقرى إلى بداياتها وتفتيت المعارضة السياسية بعد حسمها العسكري الدامي.
والمؤسف حقا، هي تلك الإصطفافات الباهتة وغير الصادمة أمام تجليات عديدة أخذت تتعرى، سيما بعد الكم الفظيع من التضحيات والمقابر التي ثقلت بأجساد الشهداء، أن نعود بالقضية القومية الكوردية وفي هذا الظرف المفصلي، لابل ومعها كل سوريا سايكس بيكو الى دهاليز المشاكل الأمنية وفي اسقاط ذرائعي مقيت تم الشغل عليها لسنين طويلة وبجهد فظيع بإسقاط البعدين السياسي والديمقراطي عنها.
نعم !! أن الغاية للدعوة إلى لقاء حميميم هو سعي صريح لتعويم النظام والعودة كما اسلفنا لا إلى جذور الأزمة والخلافات البينية كورديا وبإبعادها التنظيمية فقط ، بقدر ما هو إجهاض حقيقي وإفراغ كامل للقضية الكوردية من جهة ، وستكون مصيرها الفشل مثل كل الاتفاقات واللقاءات السابقة لفقدانها الضمان الديمقراطي على اقل تقدير، ويبدو أنها المعارك لها أوجه متعددة ، وأن المجلس الوطني الكوردي قد ربح هذه المعركة في رفضها الذهاب إلى قاعدة عسكرية واللقاء مع ضابط عسكري هو بمثابة مندوب سامي روسي في سوريا ، مرحبة / م و ك / بأية مفاوضات أو لقاءات تتم مع وعبر وزارة الخارجية الروسية، والأيام القادمة كفيلة بكشف الستار عن قضايا جدا حيوية في التفاهمات الروسية / التركية / الإيرانية، تلك التفاهمات التي واكبت لقاء اردوغان – بوتين في موسكو وسلسلة اللقاءات التي تبعتها وبالتالي فأن الثمن الذي قبضه إردوغان لإسقاط حلب ستكون فاتورتها كبيرة جدا خاصة في شمالي حلب حيث ترافقت هذه الأيام وبعيد إسقاط حلب أصوات لإنقاذ المدنيين وبالتالي نقلهم إلى منطقة آمنة حلم تركيا منذ البداية و إطلاق يدها بموافقة مسبقة ومنذ شهور للتعامل مع الأوضاع المستجدة على حدودها وباختصار : أن رفض لقاء حميميم حمل في طياته أكثر من رسالة وأقوى من رد على مجمل ما حدث وسيحدث في كوردستان سوريا، كما وتصد لوأد القضية القومية الكوردية في سوريا كشعب يعيش على أرضه التاريخية وتعويمها / القضية / ببعض من الحقوق اللغوية وما شابه …