دور الشباب في الحراك الكُردي.. مالهم وما عليهم
نزار موسى
وفقا لتجارب الأمم والكيانات في بناء نفسها, نجد بأن الفكر الجديد والعنفوان وعقلية التغيير الناشئة والمواكبة للعصر كانت الدافع في حدوث التغيير المطلوب والإنتقال من مرحلة ساكنة إلى مرحلة أكثر تطورا, وبما أن الجيل اليافع من كل مجتمع هو التواق أكثر من غيره من طبقات المجتمع العمرية في رفض الروتين والإتكالية وحتى الحكم غير الرشيد , ايمانا منه بأنهم هم من سيعايشون المستقبل , ولهم الحق في أن يضعوا لبنات التغيير في نمط وشكل لوحة حياتهم المستقبلية وأن يكون لهم دورا ورأيا على الأقل في ذلك, إلا أن ما يلاحظ بأنهم وللأسف في واقعنا لم يحالفهم الحظ سوى أن يحتجوا على الممانعة التي يجابهون بها , في أن يروا موطئ قدم لهم في ريادة العملية التحولية في الرقي مختلف تنظيماتنا المحلية سياسية منها كانت أم مدنية , وذلك في العشر سنوات التي مرت على منطقتنا الشرق أوسطية عموما وعلى مناطقنا الكردية على وجه الخصوص.
عملية التهجير الممنهجة للجيل الشاب والتشجيع عليه من فضائهم ومنطلق أحلامهم و فقدانهم لخططهم التي لطالما كبروا وهم يضعونها لبنة فوق أخرى , بالتالي خسارة شريحة فاعلة متسلحة بمتطلبات المهارات الرقمية والإعلامية وطموحة و متطلعة للتغيير, ليتم الإنتقال إلى فضاء مغاير , مجبرين على أن يواجهوا تحديات حياتية أساسية تستغرق مدة تقارب مدة الأزمة السورية نفسها منذ بدايتها وحتى الآن ، إلى أن يتمكنوا من إعادة بلورة تلك الخطط والأحلام من جديد ، وبالتالي ينطلقوا بنفس هجين وإمكانات أكثر ومن موقع آخر , ولكن ليروا ماذا حل بأحلامهم السابقة و بنيانهم ذاك.
ناهيك عن تضرر العملية التربوية والإستئثار بهذا الشكل الصبياني وعدم الدراية بتوجيهها، بل وتسييسها سلبا لتسلك طريقا غير سالك ولا يؤدي لأي ساقية، فحلت الكارثة في نهش جذور النبتة الفتية بوباء , أضعف من وظائفها الحيوية لننتظر قطف ثمار غير ناضجة ومعرضة مع الوقت , لتحورات مؤثرة في فئات مجتمعية مختلفة لاحقة لا حول لها ولا قوة، لابل لا تصلح إلا أن تقاد وليست لديها المهنية في قيادة أي مرحلة قادمة كمؤشر خطير على قضيتنا وقواها الفكرية.
إستغلال قدسية عبارة الشباب المناضل وذلك للتغطية على بعض الممارسات المسيئة بحق الرأي الآخر, تحت مسميات تشير للفئة التي تفترض أن تكون عامل إستقرار ورمزا لتقبل الآخر , وذلك من خلال حرق للمقرات والرموز الوطنية والإساءة للآخر وغيرها من الممارسات البعيدة كل البعد عن ثقافة جيل متطلع وواعي بل ورافض تماما لهكذا أساليب في التعامل , ووضع هذه الممارسات بالتالي في خانة الفئة اللامبالية وغير المنضبطة عند وضع أي مقاربة للحدث نقاشا وجيها تجنبا لتحمل الذنب , وإنما إلباسه لأجيالنا بلبس غير مناسب لمقاسات أجيالنا.
يقينا مني بأن بعض المحاولات كذلك في تأطير طلائع حاملي راية قضيتنا في أطر جوفاء , تحت مسميات إتحادات أو غيرها من التجمعات الدالة على الشباب الجامعي والمثقف مثالا ولا تحمل بالتالي في طياتها فردا واحدا من تلك الطلائع التي نعنيهم , نتيجة لذلك نرى بأن أي تجربة وليدة من جيلنا في تحقيق شيء ملموس في هذا الإطار ستواجه وبكل تأكيد من ممن ذكرتهم آنفا، وبالتالي نحصل على معادلة صعبة في الحل.
كثيرة هي الأمثلة في التعبيرعن مأساوية واقع الشباب وبعدهم عن الواقع على الأرض إن جاز التعبير , والتي ساهمت بشكل أو آخر في تعزيز فقدان الأمل من طاقاتنا الشابة , في إثبات نفسهم في الميدان تحت وطأة الدروب المغلقة في وجوههم ، فكانت مساهماتهم دون المطلوب في الحراك، بل ووصلت إلى درجة أنها أصبحت آداة بيد التنظيمات نفسها , فعممت التنظيمات تجاربها على تنسيقياتهم إبان الأزمة السورية التي باتت إنعكاس لأوجه حراكنا الكردي ، وبالتالي لم يتمكنوا أن يضيفوا بشيء على الحراك الكردي, ولكن لايعني ذلك بأن الشباب على الرغم من هذا كله على إستعداد بأن يرفعون أي راية بيضاء وإنما الطموح الذي يجري في عروقهم كان دافعهم دوما نحو الأمام.
وإنطلاقا من الإندفاع وروح المبادرة عند أجيالنا الشابة ، وعند البحث والنظر برؤية خاصة نرى بأن هناك مآلات عديدة يمكن لأي شابة أو شاب أن ينتهجها , مقاربة مع الواقع الذي نعيشه الآن ووصولا للسوية التي تعوض ما فاتهم , كل وفق ظروفه و تموقعه ، بل وقد تزيد من مبدأ الإبداع عندهم , مضاف إلى ذلك وبعد تهيئة ظروف تربوية حقيقية وخاصة لأجيالنا وتلقينهم لأساسيات القضايا العامة في الموضوع الذي نناقشه , كما تنتهجه معظم الدول المتقدمة على الأقل نظريا وتحت حماية القانون في مؤسساتها التربوية ، بالبدء في التركيز على قضية حماية البيئة مثالا , من كل ملوث ملموس وغير ملموس يهددهم , وكذلك صون حق الإنتخاب للفئة الشابة وتوعيتهم بضرورة أن صوتهم هو الذي يحمي منتوج أسلافهم في وطنهم , وشرح عواقب التفريط بها أو إساءة الإدلاء به , كقضيتين أساسيتين في ركيزة الجيل الشاب الوطنية لديهم, بالتالي الإستفادة من تجارب غيرنا الهادفة في هذا المجال الحيوي.
أما من جانب آخر فالإنطلاق في بناء الذات عند أجيالنا لها أهميتها الخاصة في هذا الصدد كون تنمية أي مجتمع يبدأ من الفرد نفسه, وما بالنا بهذا الفرد الشاب إن بدأ بتجميع قواه وقام بتحديد بعض الأولويات في تطوير ذاته مستفيدا من بعض الظروف كتواجده في القارة العجوز على سبيل المثال , والتي تهيئ تنمية فكرية ومهنية أفقية ومرنة خاصة للشباب بلغة وفكر جديدين , مركزين على بعض التخصصات التي لم تكن متوفرة يوما لأجيالنا ويرتقوا بها لتكتمل الصورة مع غيرهم من المثابرين في المجالات المتاحة أينما وجدوا.
وبعد أن يغتني الشاب بما أكتسبه معرفيا , يمكن لتجمع ما من شبابنا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم بوضع أسس مشروعهم الوطني المتناسب مع إهتماماتهم وطاقاتهم , فيبدعوا في ذلك ويوضع بالتالي كنتاج إبداعي فيما بعد في خدمة المصلحة العامة , ويكمل الجوانب الأخرى في طريق بناء مؤسسات تحضيرية تعزز من دورهم , مرتكزين على نتاجهم هذا دون أن يتم الالتفاف على ما أنتجوه.
أما الجانب الأهم أراه هو الانخراط دون كلل في الحراك الحالي من تنظيمات الواقع , بمختلف اهتماماتها والعمل على إزالة النخر إن وجد من الداخل , متأملين بنفس عميق بمسك جانب هام من زمام القيادة في هذه التنظيمات , والعمل على الرقي بها بشكل متكامل مع بقية الطبقات المجتمعية فيها , لننعم بالتالي كمجتمع بتحسين الآداء العام من ناحية، وبناء أوجه الثقة مجددا, وضمان عدم تكرار قضية ضعف ثقة مكونات الحراك لمجتمعاتنا بالفئة الشابة أو العكس كما نشهده الآن إلى حد ما.
في حين وإن اجتمع كل ما قيل آنفا في سلة واحدة في سلم رؤية فئتنا الشابة المستقبلية , فستكون وبدون شك واحدة من الوصفات الناجعة بتكاملها , في الوقوف على نواقص أي فرد شاب في مجتمعنا بالظروف القاسية التي مرت بنا , وذلك بدعم مجتمعي منا بعد مراجعة للذات وللوقائع , لنبدأ معا حقبة جديدة مفتاحها التركيز على أجيالنا وتهيئة ما أمكن للظروف لهم , وإستيعاب مستجدات واقعهم لتحقيق العظمة في المبتغى.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٣”