
دور روسيا في رسم الخرائط وإبادة الشعوب
عبدالحميد جمو
لطالما لعبت روسيا دورًا محوريًا في إعادة تشكيل الخرائط السياسية وإشعال الصراعات بين الشعوب. فمنذ أن كان لها يد في اتفاقية سايكس بيكو عبر وزير خارجيتها سازونوف، استمرت في استخدام أساليبها التقليدية لهدم ما يمكن إعادة بنائه، وإشعال الفتن التي تضمن استمرارية الفوضى. بعد أن تحيك مخططاتها بدقة، تتنصل من تبعاتها وتزحف نحو جحر آخر لتنصب شباكها لجريمة جديدة، في سجل طويل من الجرائم التي غالبًا ما تُقيد ضد مجهول.
روسيا.. الوجه الحقيقي للاستعمار
هذه الأفعى الروسية، التي تكشر عن أنيابها المسمومة كلما سنحت الفرصة، لم تتوانَ يومًا عن كشف وجهها الحقيقي ومدى حقدها على القضية الكردية. تختبئ خلف شعارات رنانة ونظريات برّاقة، بينما في الحقيقة ترتكب أفظع الجرائم ضد الإنسانية منذ فجر ولادتها. جرائمها تشمل إبادة الشعوب، احتلال البلدان، قتل الأفراد، ابتكار أشد أساليب التعذيب وحماية مؤسسات تعليمها وتصديرها لحلفائها، عدا عن السلب والنهب والاستيلاء على مقدرات الشعوب.
ورغم كل هذا، نادرًا ما نجد الشعب الروسي قد ثار على هذه الفظائع، باستثناء أحداث تاريخية قليلة مثل سقوط يوليوس قيصر قديمًا، وفي العصر الحديث تفكك الاتحاد السوفياتي في 25/12/1991 بقيادة غورباتشوف، الذي ساهم في انهيار إمبراطورية بنيت على الجماجم. ومع ذلك، ما زال البعض يبرر جرائمها ويمتدح منجزات الحركة البلشفية، متناسيًا أو متجاهلًا آثارها الكارثية.
روسيا وكردستان.. من الاحتلال إلى المحو
منذ اتفاقية سايكس بيكو، التي لم تكن لتتم دون الإشراف والمباركة الروسية، لعبت روسيا دورًا أساسيًا في تقسيم كردستان. بموجب الاتفاقية التي وُقعت في بطرسبرغ، حصلت روسيا على أغنى المناطق، وضمت جزءًا من كردستان إلى اتحادها السوفياتي المزعوم، فطمست هويته ومنعت حتى مجرد ذكره في المناهج أو المحافل الدولية. وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، عملت على محو أثر “كردستان الحمراء”، حيث وزعت أراضيها بين الدول التي انسلخت عن الاتحاد، ولا تزال تلك الدول تنفذ الأجندة الروسية، محتفظة بجمر التوترات التي زرعتها موسكو لتبقى قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار، كما حدث في حرب أرمينيا وأذربيجان.
اليد الروسية في خراب العالم
أينما حلّ الخراب، كان لروسيا يد، بل غالبًا ما تكون هي من تثيره. من أفغانستان إلى العراق، ومن ليبيا إلى سوريا، ومن أوكرانيا إلى مناطق أخرى، نجد بصماتها في إشعال الحروب وسرقة الثروات وإبادة الشعوب. كانت أيضًا من أبرز المساهمين في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ووضعت اللبنة الأساسية لاتفاقية سايكس بيكو، ما أدى إلى تفتيت المنطقة وإضعافها، بينما أمنّت تحالفات تخدم مصالحها عبر حلف وارسو ودول عدم الانحياز.
سياسة إشعال الفتن والاستغلال
أكثر ما تتقنه هذه الدولة هو تأجيج النعرات الطائفية والإثنية والمذهبية، لضمان صراعات طويلة الأمد لا حلول لها. توهم من يلتجئ إليها بأنها حامية له، لكنها في الواقع تستنزف قواه وتستخدمه لتحقيق أهدافها، ثم تتركه لمصيره.
روسيا اليوم.. العدو المتجدد
واليوم، بعد أكثر من مئة عام على الاتفاقية المشؤومة، تعود روسيا لتبث سمومها ضد الكرد، محذرة من أي محاولة لنيل حقوقهم بحجة “تقسيم سوريا”. وزير خارجيتها، بوجهه المقيت، يوجه رسائل مبطنة يعرض فيها خدمات بلاده، وكأنها تسعى لفتح سبل جديدة لنهب سوريا كما فعلت طوال ثلاثة عشر عامًا. لكن الحقيقة أن روسيا لم ولن تكون يومًا صديقة للشعوب المقهورة، بل هي رأس الحربة في استمرار معاناتهم، وتاريخها الإجرامي شاهد على ذلك.
المقالة تعبر عن رأي الكاتب و لا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا