دونكيشوتية سرڤانتس كردياً
وليد حاج عبدالقادر / دبي
أن تستحوز أية جهةٍ – شخصٍ وبمطلقية على كلّ شيء ، وتوعز معها كلّ القيم بمعاييرها الإيجابية لذاتها ، أما الشرّ فترميها كسلاسل قيود تتحكّم بها في مخالفيها ! هذه النزعات التي تشكّلت كجينةٍ استولدت وكإرثٍ بدئي جينات تراكبت عليها نزعات نفسية متعدّدة إلى أن تفشّت كظاهرة سعت وبكلّ طاقاتها أن تمتدّ عميقاً في السلوك الفردي منه و الجمعي للبشرية ، بعضٌ من هكذا مسلكياتٍ وقفتُ عندها في عدة مقالاتٍ سابقة و تقصّدت من خلالها استهداف فئات / شرائح / عينات محدْدة نتلمّسهم في كلّ التجمّعات والأطر السياسية والثقافية بمختلف سوياتها وإنْ كانت تبدو بصورّ فاقعة أكثر ضمن تراتبيات بعضٍ من التوجّهات ، هذه الحالات التي – ربّما – يظهر في وسطها بعض من المجتهدين في الكار – المهنة / التخصص – عملياً ، وحينها ؟ وكحالةٍ يمكن الإقرار بها ، ولكن ؟ هل يجوز أن يعمّْم هذا التميّز فيمنح صاحبها أو يتباهى هو فيظنّ بأنه – ذو ال ٧ كارات – ؟.
هذا التصوّر الذي بُني في الأساس على قاعدة الخلط المتعمّد بين مفهومي المتعلّم – المتخصّص والثقافة كإطارٍ عامٍ والذي على قاعدته يتمّ البناء على أن ّكلّ متعلّمٍ هو مثقّف بالضرورة والعكس غير صحيح وإن ارتبط – جدلاً – بمسمْى – فهمان – كمرادفٍ هو في الأصل صحيح ولكن بالتأكيد كتعريفٍ وصفةٍ محد.ّدة وفي مجال اختصاص محدّد ، وفي واقعنا الكُردي و توصيفاته سنلاحظ وبوضوحّ نماذج كثيرة لهكذا فئات ، ولكن قبل الدخول في هذه التفاصيل لابدّ من التعرّض وبتكثيفٍ شديدٍ لبعضٍ من التعاريف والميّزات التي تحدّد السمات الرئيسة لنماذج تأطّرت وأصبحت عناوين صريحة تؤشّر إلى حالاتٍ كما فروقات تلك الفئات وكمثالّ سنلاحظ الفرق بين المثقّف الإنقلابي الذي تغيّره اللحظة مثلاً حسب ادوارد سعيد ، أو الذي يحوطه الانغلاق حسب الجابري ، والذي ينفكّ من التقوقع صوب الانفتاح كما يزعم طرابيشي وغرامشي الرائع الذي يمكن الاختزال هنا استناداً على مقولته / أنّ جميع الناس مفكّرون .. ولكن وظيفة المثقّف او المفكّر لا يقوم بها كلّ الناس / . هذا التلخيص المكثّف للظاهرة هي الوسيلة الوحيدة ، كما والركيزة الأساس لكشف الأسباب الكامنة في ظهور هكذا مواصفاتٍ وبالتالي انكشافها كحالةٍ نفسية اولاً قد تكون نتاج عقدة و كفايروس تراكمت عنده وأوصلته إلى حالة انفصامٍ شخصي انشطر بنيوياً – داخلياً او – ربّما – قد تكون أيضاً كحالة انفصال فعلي عن الواقع ، والذي يخفيه لا بل يزيحه كلياً عن المشهد ، فيؤشكل واقعاً خاصاً به وكما يتمنّاه ويريده ويتصوّره واقعاً حقيقياً لا مفترضاً ولكن ؟ فقط في مخياله . هذه الحالات لا تتواتر بعفويةٍ أو كنتاجٍ طبيعي لظواهر صحية ، بل تتكوّن في العادة كانعكاسٍ لمظاهر سايكولوجية عديدة تبدأ من القمع المستولد لرهابٍ ينمو ويتكتّل وتفرض ككماشةٍ تضغط بقمعٍ على كلّ مسارب التفكير وتشلّها تماماً من قدرة التحليل والتفسير المحرّرة ذاتياً إنْ للوسائل الضاغطة من جهةٍ أو التبعية الباطنية لسلسلة التخيّلات بمختلف تشكلاتها ومعها اندفاعات حالات التخيل كتجلٍّ عملي وظاهرة الإنفصام عن الواقع ، هذه الحالة تدفع بمتقمّصها إلى حالةٍ نفسية وفكرية مضّطربة وبتخيّلاتٍ متداخلة قد تتناقض في بعضٍ من التفصيلات الهامشية ولكنها تبقي – او يبقى حاملها هو عينه من يزهو نفسياً ولكن لا بحالتها الواقعية المفترضة ، بقدر ما هي كحالةٍ مرضية مفترَضة ، فيرى في نفسه كشخصٍ أو فئةٍ قوة مواجهة خارقة لا تُهزم ، او طاقةٍ فكرية و عقلية وحيدة مدركة لكلّ شيء ولديها حلولها السحرية لكلّ أمرٍ ، ومن الطبيعي أن تتراكم هذه الحالات إلى سويات أشدّ خطورةٍ فترتقي إلى مرتبة جنون العظمة التي تدفعه ليرى في نفسه تلك القوة الخارقة وكنتيجةٍ لا فعليةٍ فقط بل حتميةٍ والمثلى التي تؤهّله ليفرض وصايته وبالتالي أن يُدار كلّ شيءٍ حسب رؤيته ، ومن جديد ليتها الأمور تقف عند هذه الحالة ؟ ولكنها وبكلّ أسفٍ و كدمّلةٍ تصرّ ان تنمو وتتضخّم عند حاملها وذلك كنتاجٍ ذهني مثقل تؤدّي بالتأكيد الى مرحلة أخطر ، وبشكلٍ خاص حينما تترافق مع نزعاتٍ أخرى كظاهرة النرجسية الشخصية وتوأمتها بهلامٍ سياسي كبدعةٍ و لحظتها تبدأعملية التسوّس البنيوي ومثل ال – غرغرينا – ينتشر كداءٍ فظيعٍ ، وتطفو كهالةٍ مرعِبة ومن اهمّ سماتها التناقض الباطني المخفي الذي يظهر بوضوحٍ حالات الإزدواجية في المواقف والممارسة ، وطبيعي بأنها ستنمي في نزعة الرهاب النفسي الذي سيتحوّل بدوره إلى إرث استبدادي دائري ومطوّق بامتيازٍ ، ومن اهمّ مفاعيله المنتجة وكماركةٍ مسجّلةٍ حصرية و بامتياز ٍهو ذلك الرمد العيني الخاص بعدساتها المصمّمة فقط لتحويل الأبيض إلى أسود كالح والاستبداد إلى حرية كاملة ، كما وتسلّط مدافع رشاشة تقصف الجمل وهي ترغي وتزبد ، تخوّن وتهزم ، ومع كلّ خطوة لها تترك في ذات الوقت أسئلة بحجم المتناقضات التي خلّفتها ، فتجعله دائم الارتباك و تحوطه بقلقٍ و فوبيا رعبٍ كفردٍ ونمطٍ وتضعه وجهاً لوجهٍ أمام كمّ المتناقضات التي أوجدها ، كما وزيف فزاعة التهويل المزدوح ذاتياً أو توصيفاً للمختلف ، ويترافق مع كلّ هذا ! ذلك المسعى الفارغ في زعم نية التوجّه الموضوعي إلى مأسسةٍ للوعي ولكن بطريقته الخاصة و .. كالعادة يفرضها من جديدٍ بقطيعيته المعتادة ، و باختصارٍ وكمثالٍ : أن نعيش في دولة تركية التوصيف والقومية ، أو نسعى لجمهورية عربية محدثة ببصمات فكر عفلق !! او ننتظر بركات ولي الفقيه ومساعيه المبذولة لحفظ القطيع حتى ظهور الولي المنتظر ! .
أو ليست هذه المظاهر وبتوصيفاتها المطوبة أعلاه ، هي من أشدّ العوامل المرضية المستدامة فتطيح بكلّ السبل التي ستمهّد – ربّما – الأرضية للبحث عن آفاقّ قد تؤسّس مرحلياً لإيجاد ركيزة ثقافية تؤدّي إلى مراجعةٍ نقدية بنيوية ، وعلى قاعدتها وأمام المنعطفات المبدأية الكبرى تمارس تلك الأطر التنظيمية عملية النقد والنقد الذاتي وعلى ضوء معطياتها السلبية والإيجابية ستتمّ عملية المتغيّرات الجديدة ؟! أم ستبقى هي عينها تلك المركزية المفرطة وبلصقتها كماركةٍ وأعني بها الديمقراطية ؟! ومن الطبيعي أن تتغلّف و تُطرَز بألوانّ زاهية مع الإصرار على أن تكون الغاية الأساس في الواقع هي تلك المحورية ذاتها كما وفنّ التكويع الشاسع والمنفرج بين أمرين مركزيين كأساسٍ وكمثال – سرخبون – كهدفٍ وشعار استراتيجي فوق جدالي وملزم يواجه به كلّ مَنْ يسعى ليرتقي بتصوّراته وتوجّهاته وعليها يبني رؤيته لحلّ القضية الكُردية محلياً لا بل ويعمّم تلك الرؤية وكقرارٍ ليشمل كلّ اجزاء كُردستان الملحقة بالدول المحيطة ، وأغلبنا لاحظنا في الثمانينيات حجم الشحنات الدعائية التي مورست ومعها عمليات التخوين ، وجاءت الأيام فإذْ – بالخونة – وقد ارتقوا في مطاليبهم ، وتراجع المخوْنون عن هدفهم إلى مادون سقف الآخرين سابقاً ولكنهم أبقوا على صفة التخوين الشاملة لكلّ مَنْ خالفها !! هذه الظاهرة المرضية التي أجازت ومن خلالها تلك الفئة المهيمنة على سدة القرار وبهالةٍ ثورية أن ترتقي في غالبية مراحلها على نمطٍ بوليسي مقنع بينياً تطوّرت لاحقاً في بعضها إلى تصفيات دموية فظيعة ، وسبب ذلك هو أنّ الاسس الرئيسة التي بُني عليها هرم هكذا فئويات لم ترتقِ مطلقاً إلى سوية القبول بمبدأ النقد والنقد الذاتي استراتيجياً ، في الوقت الذي كان يُفترض بها أن تكون في صميم العوامل المؤدّية إلى متغيرات من جهة ، والمفترضة أن يكون هو قد تشبّع منها ذاتياً واقتنع من خلالها بثقافة الاعتذار من جهة أخرى ، وبالتأكيد دون المسّ بتهم التخوين التي بقيت كسلاحٍ وبدمغةٍ ستبرز مجدّداً حين اللزوم ، ومعها ممارسة كلّ سياسة الرهاب والقمع المقنع لفظياً بحقّ المخالف ، هذه السياسة التي تشي وتعبّر ببساطةٍ عن مأزق حقيقي تعيشه أية جهةٍ تمارسها ، وتراها الوسيلة الوحيدة التي سيمكّنها من الحفاظ وبأقسى لا بل وأقصى طاقةٍ حشودية من حولها لأنها – حسب تصوّراتها – هي أكثر مَنْ تستطيع قراءة المستقبل ووضع الخطط اللازمة لها ! والتي بكلّ أسفٍ أثبتت نتائج العديد من تجاربها التقهقر من فشلٍ إلى آخر ، رغم ذلك الجهد وبوقته الضائع الذي يصرّ مهرّجو الإنتصارات المزعومة على هدي بطولات أمير سرفانتس في معركته ضدّ طواحين الهواء ولكن فقط كروايةٍ شيّقةٍ ومشهورةٍ .