ديريك عشقي الأبدي
ليلى قمر
في صباح كلّ يومٍ وعند إشراقة الخيوط الأولى للشمس , تنتفض هذه الحسناء المغنّجة , لتصحو من برد ليلها, فتهبُ الدفء والحياة لقلوب أبنائها, تلك المرأة الكاملة النضج تسكن وتعشعش بحوارح أبنائها أينما كانوا, لها من الجمال والحسن والطيبة ماهو أقوى من أيّ شيءٍ
في ديريك تختلط المعاجم بمعاني ورُقى العشق الذي يعيش وينبع كمياه جمها البيضاء الواهبة لها أبهى أنواع البساطة لها ومنها ديريك تعود جوارح مهاجريها فهي المسافرة أبداً معهم أينما حلّوا فمن استطعم مياهك سكرَ وعانقت طفولته البخجات المنتشرة اكتاف الجم العابث يقدميه.
وحلّ شوارعها الهادئة والمهرولة تحت مطرها من كاني كركى وبانى قسرى والذي أتعبه اللعب بقشلتها والمتهاوي فيها لسقلانى وتلال عين ديوار والمتأمّل تيهاً بالجودي كلّ صباحٍ من نافذةٍ أو سطحٍ أو شرفةٍ من الصعب أن يستلذَّ بآيِّ عيشٍ وهي تلك العاشقة المتربعة عرش قلوب محبّيها إنّها التائهة بدروب الغربة وهي تسكن مع أبنائها غربتهم إنّها ديريك ببيوتاتها البسيطة المستترة تحت دخان مدافئها كلّ كانون, إنّها دفء رونق العشق ,إنّها المعشوقة التي لا يملُّ منها عاشقها ,إنّها ديريك معشوقة أبنائها.
نعم إنّها الفاتنة المزدانة بآريج بوطان تزداد بهاءاً كلّما مرّت عليها الفصول والأيام لاتتعب من أثقال القدر ولا تشتكي قهرها لأحد كلّما اكتظت سماؤها بالغيوم الغاضبة جعلت من رعد السماء تراتيل تهطل بها الأمطار لتسقي حقولها وتينع كواحات من الحبق الديركي الذي يعطّر النفوس فتهدآ الدنيا كلّها وتقف في محراب عينيها وتصمت نعم أيّتها الغالية توردين ربيعاً ينبوعاً رقراقاً كلّما هزّت الأقدار بغدرها تقفين كالسنديانة الباقية أبداً بوجه الأعاصير انتِ يا مالكة قلبي ومفتاح فؤادي صليت لربي مرارا ودعوته في سجودي تكراراً أن لا آفارقكِ غاليتي ضمّيني بين ذراعيك الحنونتين اسدلي بنور وجهكِ اياماً سقيمة وأنت لست فيها سأرتمي بين احضانكِ وأرتوي من زلال مائك وأتعطّر بنسيم أريجك علّني أنسى أياماً جعل فيها البشر والقدر سياطهم عليّ ناراً أحرقتني ألهبتني المنايا بهاوية جنونها أابعدني القدر عن شهب عينيكِ لسنوات طويلة ماشعرت فيها للحظة إنّي بتلك المدينة الكبيرة فما أطربنني أغانيها ولا استلذيت بياسمينها وما صليت بصوت جوامعها ولم أعترف بلحظة المدفع فيها كي أكسر صومي وإنما كنت أتخيّل هدير جمكِ وألحان بخجاتكِ وطيورها وكان صوت المدفع يخترق سكوني ليقول لي هاهو المغرب فافطري أيّتها الشقية وصباحات الأعياد كانت عندي نواقص ممدودة لم تكن لتكتمل إلا وحديثي عنكِ ودموعي كانت تستبق حروفي ونفسي هذه التائهة لم تكن لتغفو إلا والشباك الخشبي القديم يطفىء أنواره والغرفة الطينية البسيطة تحتويني بين جدرانها المتشقّقة المطلية بالكلس النيلي الجميل وبرادي أمّي وتطريز يديها عليها خميلة لاأستطيعا ان أغمض العينين التعبتين وأستسلم لنومٍ تكون روحي فيه بأحضانكِ ضيفةً وعشيقةً وهأإنا أعود لأنعم بدفء أيامكِ ونور نهاركِ وإن غدر القدر بي مرة أخرى فروحي بين تراب العناق ستواريني أيّتها الحبيبة ديريك أعشقكِ .