رؤية على مآلات مصير سوريا المستقبل… سوريا بين الأمس واليوم
صباح حمدو
أصبحت المجتمعات داخل سوريا متفكّكة أكثر ممّا كانت عليه زمن قيام الدولة السورية مطلع العقد الثالث من القرن المنصرم وفقد الكثير من السوريين الثقة ببعضهم البعض حصيلة ثقافة الإلغاء المكتسبة من قبل فئاتٍ كثيرة من السوريين نتيجة التحريض الإعلامي و المعارك الطائفية و الممارسات العنصرية التي تمّ القيام بها بحقّ المواطنين على أساس الانتماء العرقي والديني لحدّ القتل على الهوية .
نظرة تاريخية …
اتفقت قوتا الاستعمار الأوربي بريطانيا و فرنسا على تقاسم النفوذ بعد هزيمة الاحتلال العثماني لأراضٍ واسعة من الشرق الأوسط، وتمّ رسم حدود اعتباطية لا تمتّ للمنطق بأيّ صلةٍ، وتأسّست إثر ذلك دول جديدة منها سوريا، الدولة الناشئة ،فوجد السكان المحليون أنفسهم في ظلّ دولةٍ مسبَقة التفكّك ،لا يجمهعم مع شركائهم في “الوطن ” الوليد أيّ رابطةٍ حقيقية متينة.
فبالله عليكم كيف تمّ وضع حدودٍ بين بلدة عين ديوار و جزيرة بوطان ؟
و كيف تمّ فصل أهل الجزيرة السفلى و مناطق دير الزور عن محيطهم البدوي والقبلي وربطهم بالمدن السورية الساحلية والداخلية ؟
إنه لأمرٌ عجيب حقاً، أن نرى استهتاراً بمصير الشعوب من خلال جرّة قلمٍ و اتفاقٍ مجحِف بحقّ أهل المنطقة برمّتهم.
ما زاد الطين بلّةً..
هناك جوانب عديدة أدّت إلى تزايد سوء الوضع السوري المعقّد سكانياً و سياسياً بعد قيام الثورة عام 2011؛ ثورة سرعان ما تحوّلت إلى حربٍ أهلية وصراع طائفي بين أبناء البلد الواحد.
أحد أهم تلك الجوانب هو أنّ الكثير من السياسيين السوريين و العديد من السوريين يمجّدون سوريا، ويقدّسون حدودها المصطنَعة! هؤلاء هم نفسهم الذين كلّما أضحوا وأمسوا؛ يلعنون الاستعمار ونتائج قيامه بوضع نفس تلك الحدود الوضعية .
جانبٌ آخر هو غياب الانتماء لسوريا ؛ من قِبل الكثير من حاملي الجنسية السورية أو الذين ترعرعوا أباً عن جدٍّ في تلك البقعة الجغرافية المسمّاة سوريا، كأمثلةٍ على ذلك ،سياسات التهميش المطبّقة ضدّ الكُرد لعقودٍ من الزمن من قبل حكوماتٍ تعاقبت على السلطة، كزمن جمال عبد الناصر أيام الوحدة بين سوريا ومصر، وتفنّنَ البعثيون من بعده في الظلم وشتى الممارسات العنصرية المقيتة، منها عدم القيام بأيّ حلٍّ لقضية المجرّدين من الجنسية ومكتومي القيد ،الذين توجد أسماؤهم مسبقاً أصلاً في سجلات القيود المدنية.
زد على ذلك قام نظام البعث بإصدار القوانين التي حاربت وجود الشعب الكُردي في عيشه ولقمته ،كالمرسوم التشريعي 49 لعام 2008 الذي حرم سكان مناطق حدودية عن سواها من حقوق التمليك والتي تُعتبر خطوة سافرة لأبسط حقوق شعبٍ كامل في الحصول على أدنى مقوّمات العيش الكريم؛ إنّ هذا المثال لدليلٌ واضح على ثقافة التهميش المستقصَدة وسياسة الحقد العنصرية ضد فئةٍ دون سواها.
سيقول قائل: إنّ جميع السوريين كانوا يعانون من الظلم والقهر، ولم يكن بوسع أحدٍ أن يدافع عن حقوق الكُرد كتبريرٍ لعدم وقوف السوريين مع الكُرد وقضيتهم؛ إنّ الردّ على هؤلاء بسيط جدا وهو: حسناً، أين كنتم بعد عام 2011؟
و لماذا لم نسمع أصواتكم؟ بقي الكثير من السوريين صامتين في الأيام الأولى من اندلاع الثورة، والتي كانت منحصرة في درعا، مدينة حمص وعامودا؛ تلك المدينة الكُردية التي عبّر شبابها عن معاني عميقة من التمرد على الظالم والوقوف مع المظلومين أخوة “التراب السوري” بغضّ النظر عن ملّتهم وعرقهم، في ظلّ تردّد الكثيرين بدايةً للتضامن .
الجانب الثالث هو تدخل القوى الإقليمية و الدولية في ساحة الصراع السوري مما زاد الطين بلّةً، وبدا أفق الحلّ يضيق ويجعل أيّ مسعىً لإيجاد حلٍّ جذريٍ و ناحج للملفّ السوري الشائك أمراً في غاية الصعوبة.
يعاني السوريون بمختلف انتماءاتهم الدينية والعرقية أزمة ثقةٍ فيما بينهم، فلابدَّ من العمل الجدّي على منع أيّ ممارساتٍ طائفية مستقبلية للأعمال الإرهابية، ومدّ جسور التعايش المشترك وفتح الباب أمام الحوار المتمدّن القائم على أساس المصالح المتبادلة في ظلّ جو آمن خالي من مخاوف القلق من الآخر، ونحو دولةٍ مدنية تعددية ديمقراطية تنهي حقبة القمع والاستبداد، والتأسيس لسوريا المستقبل والتي تكون حقوق جميع المكونات السورية مصانة بدون تمييزٍ وإقصاء .