روسيا تنفي ولكن الشواهد تؤكد أن قاعدة عسكرية جديدة في قامشلو أمر تم حسمه
Yekiti-Media
تمتلك روسيا بالفعل قاعدتين عسكريتين في سوريا، لكن يبدو أن ذلك ليس كافياً، حيث تجري الآن على قدم وساق إجراءات إنشاء قاعدة ثالثة، فأين تقع تلك القاعدة، ولماذا، وما المؤشرات على جدية الأمر، وكيف ترد روسيا على تلك التقارير؟
موقع المونيتور الأمريكي نشر تقريراً حول القصة بعنوان: «روسيا على ما يبدو تستعد لإقامة قاعدة عسكرية جديدة شمال شرقي سوريا»، أعدَّه ماكسيم سوخوف، محرر شؤون روسيا والشرق الأوسط في الموقع.
أين تقع القاعدة المفترضة؟
ربما تتطلع روسيا في الوقت الراهن لاستئجارٍ طويل الأجل لمطارٍ في مدينة القامشلي السورية، الأمر الذي يثير التكهنات بشأن اعتزامها إقامة قاعدة عسكرية ثالثة في البلاد.
يشير هذا التطور المحتمل، الذي كان المرصد السوري لحقوق الإنسان هو أول مَن أفاد بوجوده، إلى أنَّ القوات الروسية أقامت مقراً قرب مطار القامشلي شمال شرقي سوريا، قرب الحدود التركية، كجزءٍ من مساعٍ مستمرة لتحويلها إلى قاعدة جوية دائمة، وعندما طُلِب من المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف التعليق على هذه الأخبار، ردَّ باقتضاب قائلاً إنَّه لا «يعرف مَن يُروِّج لتلك الشائعة».
وقال مصدر بصناعة الدفاع الروسية لصحيفة Nezavisimaya Gazeta الروسية: «هذه قصة اختلقها صحفيون ووكالات استخبارات غربية»، وتنظر موسكو إلى المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره مدينة كوفنتري الإنجليزية باعتباره قناعاً لأنشطة تجسسية ودعائية غربية.
أين تقع القواعد الروسية في سوريا؟
تملك روسيا في سوريا بالفعل قاعدة حميميم الجوية، ومنشأة بحرية في مدينة طرطوس، واستأجرت روسيا هذا الموقع الأخير لمدة 49 عاماً، وبدأت الآن في تحويلها إلى قاعدة بحرية متطورة.
وفي الـ14 من نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أفادت قناة Zvezda التلفزيونية، التي تديرها وزارة الدفاع الروسية، بأنَّ روسيا نقلت عدة مروحيات من حميميم إلى مطار القامشلي.
وقال تيمور خودزاييف، مدير مكتب قائد الطيران، إنَّ مروحية نقل من طراز Mi-8 ومروحيتين متعددتا المهام من طراز Mi-35 وصلت بالفعل إلى المطار، وصرَّح خودزاييف لقناة Zvezda بأنَّ القوات الروسية لديها بالفعل 10 مركبات على الأرض، بغرض «ضمان استمرارية الرحلات، وسلامة المروحيات، والدفاع عن هذه المنطقة»، وأضاف: «الهدف الرئيسي هو ضمان الهدوء».
حماية صاروخية وبرية للقاعدة المحتملة
وتخضع ما يمكن أن تصبح القاعدة الروسية الثالثة في سوريا كذلك للحماية بمنظومة Pantsir الصاروخية، فيما تحمي الشرطة العسكرية منطقة الهبوط.
ظلَّت المروحيات الروسية على مدى أسبوع تُجري مهام دوريات يومية بطول مسارات محددة شمال شرقي سوريا. ويُقال إنَّ الدوريات الجوية بصدد توسيع مناطقها بصورة مستمرة، وإنَّ محافظة الحسكة، المتاخمة للحدود التركية والعراقية، دخلت ضمن نطاقها.
يقطن القامشلي ذات الغالبية الكردية عرب وأقليات إثنية عديدة، بمن في ذلك الآشوريون والأرمن واليهود، الذين فرّوا من الدولة العثمانية قبل قرابة مائة عام، وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل أن تشن تركيا «عملية نبع السلام»، جرى نشر فرقة كبيرة من الجيش الروسي في المنطقة، فيما بات يبدو الآن محاولة مبكرة لمساعدة الجيش السوري والميليشيات الكردية على ردع هجوم تركي واسع النطاق.
وكانت بعض القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة في نفس الوقت تتعاون مع القوات الكردية، قبل أن يقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحبها. وبعد بضعة أيام، حين عادت الولايات المتحدة عن قرارها، كان الروس قد أخضعوا بعض المنشآت بالفعل لسيطرتهم.
ما علاقة النفط السوري بالقصة؟
واستثنت مذكرة التفاهم التي وُقِّع عليها في منتجع سوتشي بروسيا من جانب الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، القامشلي -وربما لم يكن ذلك عبثاً- من قائمة المناطق المشمولة بالدوريات الروسية-التركية.
قرَّرت روسيا انتهاز الفرصة لضمان السيطرة على المنطقة الاستراتيجية، بمجرد اتضاح أنَّ الولايات المتحدة جادة بشأن إبقاء قبضتها على احتياطيات النفط السورية.
كان الخياران اللذان نُوقشا في موسكو منذ بعض الوقت هما إما إبرام اتفاق محتمل مع الأمريكيين للسيطرة على احتياطيات النفط، أو تموضع عسكري على الأرض يمكن أن يُعقِّد هامش المناورة الأمريكي.
وقال مسؤول روسي كبير مطّلع على الوضع لموقع Al-Monitor الأمريكي، وطلب عدم الكشف عن هُويته: «بصرف النظر عن حديث ترامب عن الانسحاب من سوريا، فإنَّنا نعمل وفق افتراضية أنّ الأمريكيين يهدفون للبقاء هناك، وأنَّ المناطق المحيطة بحقول النفط هي أهدافهم الرئيسية».
وأضاف مُوضِحاً: «هذا منطقي، فهذا هو أسلوبهم في تعقيد الأمور علينا في كل ما يتعلق باستعادة سوريا إلى ما كانت عليه؛ بأن يضعوا عبئاً على الأسد، الذي بالتالي لن يكون قادراً على الحصول على عائدات، وسيستمر في مواجهة ضغوط في الميزانية، وأن يضمنوا (الأمريكيون) مكانتهم وأهميتهم في أي قرار مستقبلي بشأن مستقبل سوريا. ما فعله الأمريكيون لم يكن مفاجئاً إذاً، الفكرة كانت في كيفية الرد على ذلك».
ووفقاً لمصدر مجهول لوكالة الأنباء الفرنسية، أفادت تقارير بأنَّ الجيش الأمريكي التقى في وقتٍ سابق من هذا الشهر نوفمبر/تشرين الثاني، مسؤولين أكراداً خارج القامشلي، لمناقشة إعادة القوات الأمريكية للمنطقة.
هل توجد قواعد أمريكية هناك؟
وفي الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت وكالة الأناضول التركية بأنَّ الولايات المتحدة بدأت بناء قاعدتين عسكريتين جديدتين في محافظة دير الزور السورية الغنية بالنفط. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنَّ الولايات المتحدة تنوي إقامة موقع عسكري في القامشلي كذلك.
وصرَّح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، لوكالة إنترفاكس الروسية، يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني: «ما يفعله الأمريكيون غير مقبول ومخالف للقانون الدولي. روسيا لن تتعاون مع الولايات المتحدة بشأن سلامة النفط السوري».
وصرَّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوكالة أنباء RBC الروسية، يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني، قائلاً: «في شرق الفرات تقوم الولايات المتحدة بكل ما في وسعها لإقامة شبه دولة، وتطلب من مَلَكيات الخليج القيام باستثمارات ضخمة لإقامتها».
وأضاف أنَّ «واشنطن تسعى لإقامة إدارة محلية»، باستخدام اثنتين من الميليشيات الكردية: قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية.
وبمجرد نفي فكرة التعاون مع الأمريكيين بشأن النفط، بات واضحاً أنَّ روسيا كانت بصدد القيام ببعض التحركات على الأرض، وبما أنَّ شن هجوم مباشر على القوات الأمريكية ليس مطروحاً، فإنَّ الخيار الوحيد الجيد المتبقي ينبغي أن يتمثل في القيام بنوعٍ من «الانتشار الاستراتيجي».
لماذا مطار القامشلي؟
يوجد بمطار القامشلي -الواقع على بُعد نحو 500 كيلومتر شمال شرقي قاعدة حميميم الجوية الروسية- مدرج كبير مزدوج الاستخدام، ذو أهمية استراتيجية، في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا. وقد ظلَّت المدينة نفسها تحت سيطرة الحكومة السورية، حتى أثناء أصعب سنوات الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، واستخدمته المقاتلات وطائرات الشحن الروسية بالفعل في عددٍ من المناسبات.
ومن شأن إقامة قاعدة عسكرية في القامشلي أن تساعد موسكو على التعامل مع تحديين آنيين: مساعدة الجيش السوري على استعادة السيطرة على المنطقة، وحرمان كلٍّ من الولايات المتحدة وتركيا من الوصول إلى القامشلي.
وكما أفاد موقع Al-Monitor سابقاً، آثار الكثير في الجيش الروسي بعد الاتفاق الروسي التركي في سوتشي المخاوف من أنَّ مهمة تسيير دوريات على الحدود التركية السورية يكتنفها العديد من المخاطر الأمنية، يتمثل إحداها في طول طرق الإمداد بالنسبة للشرطة العسكرية الروسية، لكنَّ وجود قاعدة في القامشلي يمكن كذلك أن يحل هذه المشكلة.
علاوة على ذلك، يمكن لقاعدة عسكرية جديدة أن توفر فرصةً لتحقيق الهدف طويل الأمد، المتمثل في السيطرة على أجواء سوريا وتركيا والعراق، وكذلك تتبّع تحركات الولايات المتحدة والقوات الأخرى في المناطق المجاورة. وبما أنَّ صانعي السياسة الروس يُفسِّرون التحركات الأمريكية الأخيرة بأنَّها «خلق لحقائق جديدة على الأرض»، تحرَّكت موسكو لتخلق حقائقها الخاصة. قد تُوصَف الحرب في سوريا بأي شيء، لكنَّها لم تنتهِ، وكذلك الحال بالنسبة لصراع شدِّ الحبل الجيوسياسي بخصوص النفوذ الإقليمي.
هافينغتون بوست