سقوط الامبراطور نابليون بونابرت
جان كورد
في مثل هذا اليوم (18/6/1815) خسر الامبراطور نابليون بونابرت الحرب ضد الحلفاء (بروسيا، روسيا، النمسا) في إحدى أهم المعارك التاريخية جنوب (واترلو)، وبذلك كانت نهاية أحلامه في القضاء على حكم العائلة البوربونية التي استلمت السلطة في باريس على أثر دخول قوات الحلفاء إلى العاصمة الفرنسية في 31 آذار 1814م، حيث تلقّى نابليون (45 عاماً) الخبر بقلبٍ حزين في فونتين بلاو، واللوحة (أنظر الصورة اليسرى) التي رسمها الرسام الكبير ديلاروش، وهي موجودة الآن في متحف الفنون في مدينة لايبزيغ الألمانية، تعكس إحباط الامبراطور وكآبته بشكل رائع، وقد كلّف تاجر ألماني (آدولف هاينريش) الرسام بعد (21) عاماً من موت الامبراطور في عام 1821 بتخليد تلك اللحظات التي عاشها الامبراطور لدى سماعه بسقوط باريس في أيدي الحلفاء والعائلة البوربونية، أعداء فرنسا وعملائهم.
كان الحلفاء المنتصرون قد عرضوا على نابليون بونابرت الاحتفاظ بلقبه كإمبراطور في حال قبوله النفي إلى جزيرة آلبا، ففكّر في الانتحار بتناوله السم الزعاف الذي كان يحمله دائماً في غزواته في روسيا في أيقونة معلّقة بعنقه، ولم يقبل عرض الحلفاء الذي يضمن حياته ولم يتنازل عن كونه امبراطور فرنسا الحرة المستقلة، إلاّ أنه لم يمت بالسم، وأضطر إلى السفر صوب منفاه مرغماً في 25 أبريل 1814، ومعه 1000 جندي فقط لتنحسر مملكته فتضم 222 متراً مربعاً، و1400 مواطناً، بعد أن كانت تمتد في وقتٍ ما حتى مصر جنوباً وموسكو شرقاً.
ارتفعت أصواتٌ في مؤتمر (فيينا) مطالبةً بانتزاع هذه (الميني – مملكة) أيضاً من أيدي الإمبراطور المخلوع ونفيه إلى سانتا هيلينا في جنوب المحيط الأطلسي أو إلى سانتا لوسيا في الآزور (الكاريبك)، إلا أن القيصر الروسي ألكسندر الأوّل رفض الموافقة على ذلك، فظلّ نابليون في جزيرة (آلبا) القريبة من الشواطىء الفرنسية والإيطالية ولا تبعد عن مسقط رأسه في كورسيكا سوى 50 كم، حيث كان يملك شبكة واسعة ومحكمة من ناقلي المعلومات له من مختلف أنحاء فرنسا، ما سهّل له معرفة الكثير عن نقاط ضعف ومشاكل الملك البوربوني لودفيغ الثامن عشر.
على الرغم من أن الامبراطور كتب في تلك الأثناء لمحبوبته جوزيفين أنه عازم على “تبديل السيف بالقلم” إلا أن خوفه من نفيه إلى الجزر البعيدة في المحيطات الواسعة دفعه إلى التفكير بمشروعٍ خطير ومثيرٍ للغاية، حيث كانت المعلومات ترد إليه عن كره الشعب الفرنسي للعائلة البوربونية الحاكمة وأسلوب إدارتها للبلاد، والملك ضعيف وتحت رحمة الحلفاء، أعداء حرية فرنسا، والارستقراطيون ينهبون الثروات الوطنية، والجيش قد تم تخفيض عدد قواته وتجهيزه وتمويله، وشملت حملة تطهيرٍ واسعة عدداً كبيراً من الضباط الذين لايزالون مؤيدين للإمبراطور أو تم خفض رواتبهم إلى النصف وإهانتهم، كما تم إخضاع وحدات كبيرة لشقيق الملك غير المهتم أصلاً بالدفاع عن فرنسا والذي يبدد الأموال ويصرفها بغير وجه حق على أتباعه المتخمين، ولذا فكّر نابليون بونابرت في “القيام بواجبه حال مطالبة الأمة بذلك!”، فقرر القضاء على حكم آل بوربون وتحرير فرنسا منهم، إلاّ أنّ قراره هذا كان قد وصل في 14 شباط 1815 إلى الدوائر الاستخباراتية للحلفاء في (فيينا) أيضاً على شكل خبر “الطائر لن يتوانى عن التحليق!.
في أواخر شهر شباط ترك الامبراطور منفاه على جزيرة (آلبا) ودخل الأراضي الفرنسية في الأوّل من آذار 1815 بالقرب من (آنتيبا)، وقد نشر نابليون الذي كان يجيد استخدام الدعاية الصحافية نداءً مكتوباً، مغامراً بحياته، وعلى رأس قوةٍ عسكرية صغير جداً، جاء في آخر البيان ما يلي: “وسط الأخطار من كل نوع، اجتزت البحار، وأصبحت الآن بينكم لأطالب بحقي الذي هو حقكم أيضاً” وقد قال لجنوده المخلصين بأن “النسر سيطير بألوانه الوطنية من برج كنيسةٍ إلى برج كنيسةٍ أخرى حتى يصل إلى كنيسة نوتردام في باريس.” وبذلك فقد قام بانقلابٍ على السلطة مخاطراً كلاعبٍ كبير بكل ما لديه، وتجنّب الأرياف لعلمه بأنها غير مكترثة بمغامراته، فاختار طريقه عبر جبال الألب، ووصل خبر هروبه من جزيرة (آلبا) وتوجهه صوب باريس إلى كل من مدينتي (ليون) و(باريس) عن طريق التلغراف الذي كان قد حقق الاتصال بين المدينتين أثناء حكم الامبراطور نفسه، فاضطربت الناس وما عاد المواطنون يعلمون كيف يتصرّفون مع هذا الحدث المثير، وإنّ بعض الإشاعات انتشرت حول عزم الامبراطور الزحف عبر إيطاليا وتجنيد القوات المتواجدة في (نيابل) للهجوم بها على دولة النمسا، وبالفعل فقد هرب قادة الوحدات الخمس للملك من (غرينوبل) والتحق الجنود الملكيون بقوات الإمبراطور. وكان في (ليون) قواد عسكريون من ملاك جيش نابليون انحازوا للملك لودفيغ الثامن عشر في فترةٍ سابقة، ومن أولئك القادة (ماكدونالد) و(نه ي)، وقد وعد (نه ي) الملك بأن يرسل له نابليون مقيداً في قفصٍ إلى باريس، إلاّ انه حارب إلى جانب سيده نابليون في معركة واترلو التي حسمت الأوضاع في فرنسا لصالح الحلفاء كلياً وللعائلة البوربونية التابعة لهم، وأدّت إلى الهزيمة الماحقة للإمبراطور.
هرب الملك لودفيغ الثامن عشر من باريس لدى سماعه بنبأ دخول الإمبراطور البر الفرنسي، حيث دخل نابليون في 20 آذار 1815 مدينة (توليرين)، وتمّ له الانتصار حتى ذلك الحين من دون إطلاق نار أو استخدام سلاحٍ أبيض، ووصل خبر انتصار وتقدّم وترحيب الشعب الفرنسي بالإمبراطور إلى (فيينا)، وسرعان ما تداعى الحلفاء وقرروا وضع حدٍ له، واستعدوا للحرب ضده، واكتشف نابليون أن شعبه الفرنسي في العاصمة (باريس) التي يسعى لتحريرها لم ييأس بعد من حكم الملك لودفيغ وغير مستعد لمساندة الإمبراطور في مغامرته هذه.
ثم ألحق الحلفاء الهزيمة الكبرى بالإمبراطور في مثل هذا اليوم (18/6/1815م) جنوب واترلو، حيث نفاه الحلفاء إلى سانت هيلينا ليعيش حياةً تعيسة بقية حياته.
المراجع:
-مائة يوم لنابليون – المؤرخ غونتر موشلر
-واترلو آخر معارك نابليون – يوهانس ويلمز
-الامبراطور يحارب من جديد – دراسة لتوماس كليمان، ص 4، جريدة جنرال أنتسايغر الألمانية 15/6/2015