آراء

سوريا، أوكرانيا، إزدواجية المعايير الأخلاقية تجاه البشر

فرحان مرعي

مقاربة متناقضة، في موضوع المهاجرين والنازحين من البلدين، نتيجة الحرب المدمرة التي طالتهما، موضوع يثير أسئلة كثيرة، واستهجان في نفس الوقت.

أوكرانيا، سوريا، جغرافياً، وحضارياً، منطقتان مختلفتان في كلّ شيء، في الثقافة والديانة والتطور، تشتركان، في الآدمية والإنسانية، وهذا يعني من المفروض أن يتساووا في الحقوق الإنسانية.

أولاً: سوريا بلد، عربي، آسيوي، إسلامي، في محيط إسلامي مطلق، تعرّض شعبها لأسوأ أنواع الحرب، والتهجير والنزوح، لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن كيف تعامل العالم مع هذه الأزمة، وخاصة المحيط، العربي الإسلامي؟ كلّ التقديرات أكّدت أنه هاجر ونزح أكثر من نصف سكان سوريا إلى الدول المجاورة، إلى الأردن، ولبنان، والعراق وتركيا، وإلى القارة الأوربية، كيف استقبل المحيط العربي الإسلامي اخوتهم المهاجرين السوريين- اخوتهم في الدين والعروبة والجغرافيا والمصير والتاريخ؟ لقد كان احتضان الغرب المسيحي للمهاجرين السوريين أكثر رحمةً وإنسانية، مقارنةً مع اخوتهم العرب المسلمين، الذين يدّعون ليل نهار، أن دينهم هو دين الرحمة والتعاضد والتآلف، ولكنّ العالم رأى كيف استقبلت الدول المجاورة لسوريا المهاجرين السوريين الهاربين من ويلات الحرب-رغم أنهم رأوا، بأمّ أعينهم كيف لاقى الآلاف منهم حتفهم في البحار والغابات والحدود – لقد استُقبلوا في مخيمات أشبه بالمعسكرات والمعتقلات، لقد كانت صور معاناة السوريين وسوء أحوالهم في هذه المخيمات، وتعرّضهم للعنف والقمع أحياناً، خاصةً في لبنان وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة، حتى ماتوا من الجوع والبرد – مناظر ندت لها جبين البشرية ووصمة عار عليها، لقد أصبحت التغريبة السورية رمزاً للمأساة البشرية في هذا العصر،!!! اما الصورة الثانية، هي من أوكرانيا المسيحية، في محيطها المسيحي، صورة مختلفة تماماً، متميزة، أكثر إنسانيةً ورحمة، وتعاطفاً، لقد احتضن الأوربيون، المهاجرين الأوكرانيين الهاربين من الحرب، على صدورهم، استقبلوهم بالورود والبسمات، والدموع، لقد فتحوا بيوتهم لهم ولقططهم وكلابهم، أيضاً!!!!، وبمجرد دخولهم إلى البلدان الأوربية، المجاورة، مُنحوا حقوق المواطنة الأوربية، بدون قيد أو شرط، فتحوا لهم كلّ مؤسسات الصحة والتعليم والعمل مباشرةً !! المقاربة مؤلمة، رغم وحدة الوجود البشري، كيف تعامل الأوربيون المسيحيون مع بني جلدتهم من الأوكرانيين المسيحيين، وكيف استقبل العرب المسلمون اخوتهم السوريين العرب، المسلمين؟؟؟ صحيح أنّ الأوربيين يتعاملون بازدواجية مع البشر خارج قارتهم، فهم ينظرون إلى الشعوب الإسلامية والشرق أوسطية نظرة دونية، وكشعوب متخلفة، تعيش على هامش الحياة وفائضة عن الحاجة البشرية، ولكنهم ينظرون إلى شركائهم في العرق والدين نظرة إنسانية، نظرة احترام وتقدير وتعاطف، ولكن لماذا المسلمون، وهم أصحاب الديانة السماوية الخالدة، والرحمة العالمية- كما يدّعون – يتعاطون بهذه النظرة الخالية من قيم التعاطف والتعاضد والرحمة واللامبالاة واللامسؤولية تجاه شعوبهم؟

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد 296

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى