سوريا: الوجه الحقيقي للاستدعاءات الأمنية
بهية مارديني
فيما الحديث يدور عن قضية محاكمة الضابط السوري السابق أنور رسلان في ألمانيا أَجِد من الضروري أن نظل نوثق ونكتب حتى تبقى الذاكرة حاضرة وناضجة بالتزامن مع ضوء الأمل في طريق العدالة الطويل ، فقد تعرضت لسنوات في سوريا لاستدعاءات أمنية عديدة و احتجاز طويل من عدة فروع أمنية نتيجة عملي الصحافي والحقوقي.
وكانت أسوأ لحظات الاستدعاء أربع مرات أتذكرها جيدا. احداها من قِبل ضابطين مارسا علي دور الضابط الشرير والضابط الطيب.
كانا أثناء الاستجواب يكتبان لبعضهما البعض أو يخرج أحدهما ثم يدخل ويجلب معه ورقة و يْطلع عليها الضابط الآخر، أو يوشوشان بعضهما البعض مما يزيد في ترهيبي .
تعودت خلال الاستدعاءات السابقة أن أصعد الأدراج الى المكاتب في الفروع الامنية، ولكن في هذا الاستدعاء تحديدا قادني الضابطين الى مكتب في القبو، وكنت بينما أمشي أسمع صوت أشخاص يتأوهون ويصرخون.
فترتها كانت الفروع الأمنية تستدعيني كثيرا ، وعرفت أن خلفيات الاستدعاءات مساعدتي لسوزان أفشر وهي صحافية وكاتبة ألمانية معروفة في تدريب صحافيين في دمشق، و علمت خلال الاستجوابات أن هناك تدريبا آخر تم تنظيمه في بيروت، ولا أدري حقا ما الذي يقلق فروع الأمن من تدريب صحافيين في بيروت؟
أذكر أن الفروع الأمنية انقلبت رأسا على عقب وقتها ، لم يبق فرعا الا استجوبني ولم تكن لدي معلومات عن هذا التدريب وكانت كل الاستدعاءات أسئلة عن علاقتي بهذه الصحافية الألمانية وسفري الى لبنان رغم أني لم أسافر و رغم عدم حضوري التدريب أو مشاركتي به .
وتزامنت الاستدعاءات الأمنية فترتها مع ترجمة لقاء لي مع كريستين هيليبرغ وهي صحافية ألمانية معروفة في سوريا وكانت مراسلة نشيطة، و تحدثتُ في اللقاء بصراحة عن التخويف الأمني للصحافيين.
وقد أجرت الصحافية لقاء في ذات التقرير مع مازن درويش وهو رئيس مركز يهتم بالحريات الصحافية في سوريا ، فكانت الأسئلة أيضا حول طبيعة علاقتي بمازن ، وماذا أعرف عنه ولماذا تحدثت لكريستين وكيف؟
كان الضابط في شعبة الأمن السياسي في منطقة الجبة في الميسات بدمشق يعاملني خلال الاستجوابات باحترام، ولكن كان استدعاء رؤسائه في فرع المزة قاسيا وخاصة عندما كتبت عن الفساد في محافظة حمص وصوّر الناس الخبر وتناقلوه في كل مكان ، فاستدعاني اللواء محمد منصورة وهددني بشكل صريح ومباشر وبأسلوب فظ وكانت هذه المرة الثانية في فترة بسيطة.
و كان بالمجمل من أسوأ الفروع الأمنية في التعامل بالنسبة لي فرعي المعلومات وفرع فلسطين.
التهديد بقطع يدي لن أنساه كلما كتبت، والاتصالات والاستدعاءات المتلاحقة حفرت في ذاكرتي خوفا و رعبا متكرراً ولم أهرب من سوريا الا مضطرة بعد أن أصبحتُ أقضي الوقت في الفروع الأمنية أكثر مما أقضي مع عائلتي، وتأثرتْ نفسيتي وأعصابي وعملي .
والْيَوْم وفيما تفصلنا أياما قليلة جدا عن الْيَوْم العالمي لحرية الصحافة أطلق قضيتي دعوة الى دول العالم لتشجيع الصحافيين على العمل و الكتابة والاستمرار واظهار الحقيقة، ولنصنع لهم فضاء مناسبا من التقدير لجهودهم ، فهذه السلطة هي السلطة الرابعة، ولا حرية الا من خلال الصحافة ولا صحافة الا من خلال الحرية.
إيلاف
