آراء

سوريا نفوذ الدم والحل

هيئة التحرير لجريدة يكيتي بقلم: فرحان مرعي

انتظر السوريون أربعين عاماً لإنهاء الاستبداد، منذ ١٩٧٠، وانتظروا عشر سنواتٍ لإنهاء حروب الاستبداد، وما زالوا ينتظرون، وما بدّلوا تبديلاً ، ثم يتفاجؤون بأنّ قضيتهم تحوّلت إلى قضية إغاثة، وفتح معابر إنسانية، لإيصال الطعام لبعض المناطق الجائعة أو التي تموت من الجوع ، حتى أنّ الدول الأساسية في الصراع على سوريا، روسيا وأمريكا، في قمتهم الأخيرة، لم يتفقوا على هذه الجزئية، رغم أهميتها، فأمريكا لا تريد فتح المعابر ضمن مناطق سيطرة النظام، وروسيا ، بحجة السيادة الوطنية، لا تقبل فتح المعابر إلا ضمن مناطق سيطرة الدولة باعتبارها شرعية وعضو في الأمم المتحدة.

المفارقة المؤلمة، أنّ الشعب السوري ينتظر من الذين دمّروا بلادهم أن يجدوا حلولاً سياسية لأزمتهم وإنهاء الاستبداد، كونه فقدَ قراره، ووصل به الإحباط إلى أدنى مراحله، كمَن يغرق ويغرق فيتمسّك بالقشة!!!!

بات واضحاً أنّ الكثير من القوى ذات النفوذ في سوريا ، ليس من أولوياتها حلّ المسألة السورية، بل تنحصر حساباتها في قضايا دولية أخرى، سياسية واقتصادية، لذلك على الشعب السوري أن يعي أنّ قضيته هي مسؤوليته، وعليه أن ينهض مرةً أخرى، حتى يدير نفسه بنفسه ، وهذا ليس مستحيلاً، استناداً إلى التجربة التاريخية للشعوب.

صحيحٌ أنّ الثورة السورية التي بدأت في آذار ٢٠١١، لم تنجح في تحقيق أهدافها ، ولكنها لم تنتهِ بعد، فالثورات هي عملية تراكم الفشل والهزيمة والنهوض، إلى أن تصل إلى نتائجها المرجوة، هكذا كانت ثورات بعض الشعوب، كما الثورات الروسية التي بدأت من عام ١٩٠٥ حتى نجاح الثورة البلشفية ١٩١٧، وكذلك الثورة الفرنسية ١٧٨٩ إلى ١٧٩٩ والتي توّجت بالنجاح لصالح شعوب العالم أجمع، بما قدّمته للبشرية من قيم الديمقراطية والمساواة، فتاريخ معظم ثورات الشعوب هي عمليات فشلٍ وتصحيحٍ إلى أن يتمّ النصر، الذي لا يأتي بين ليلةٍ وضحاها.

هناك قضية عامة في سوريا، تهمّ كلّ السوريين وهي إنهاء الاستبداد، وبناء الدولة الوطنية، ولكن لكلّ شعبٍ تجربته الخاصة أيضاً، كالشعب الكُردي الذي هو جزء من القضية السورية العامة، ويتفاعل معها بتجربته الخاصة، فالكُرد لهم تجربة متميّزة في صيرورة الثورات، صيرورة في الصعود والهبوط، الانتصار والهزيمة، فخلال مائة سنة من الثورات والانتفاضات في كُردستان العراق، مائة سنة من الانتصارات والهزائم، إلى أن تحقّقت الفيدرالية، وما زالت الثورة والتصحيح مستمرّين، التجربة الكُردية في سوريا رغم بساطتها وتواضعها، لكنها قابلة أن تتحوّل إلى تجربة مركزية في مقارعة الاستبداد، على أن تعترف بالهزيمة، وتتجاوزها ببطء وانتظام وثبات، وبالاعتماد على القوى الذاتية ،

إنّ الأطفال الذين كانت أعمارهم عشر سنوات في عام ٢٠١١، أصبحوا الآن شباباً، لا بدّ من استنهاض الهمم لدى الجيل الجديد، ورفع المعنويات والاستعداد لمرحلةٍ نضالية جديدة لتحقيق آمال شعبنا في الديمقراطية والحرية.

اليوم هناك تحطيم ممنهج في المعنويات، وتدني في مستويات الثقة، يُعمل من أجلها ليل نهار من قبل دوائر مختلفة إلى درجة جلد الذات وتحقيرها واجترار الكلام عن المعاناة، وتمجيد تفوق الآخر المتسلط ، عملية القهر مستمرة، ما حدث منذ عشر سنوات يشير إلى فشلنا وهزيمتنا، مجتمعاً ونخباً ومثقفين، ولكن الفشل والهزيمة ليسا قدراً محتوماً كما يروّج له الأعداء، ممّن باعوا الوهم ويمارسون التضليل، المهم أن لا يتحوّل الفشل إلى عقدةٍ ثابتة، والإنتظار إلى اتّكال، لا بدّ من الثقة بالنفس والناس، لأنه لا أحد ينوب عنك ويحقّق لك الإنتصارات، ويبني لك الأوطان. يبدو أنّ الشعب السوري عموماً، أمام ” فيلم ” طويل، لذلك لا بدّ من تفكيرٍ استراتيجي طويل، وقراءات واقعية للقوى المحلية و الإقليمية والدولية، والإمكانات المتوفّرة، بعد تزايد شعور الناس بالإحباط تجاه مختلف منصات المعارضة والدول القريبة والبعيدة.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 287

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى