سورية وآفاق تاء تأنيثها
ليلى قمر / ديريك
في البداية وبتجاوز للمآلات التي دفعت بسوريا وما جرى فيها مؤخراً والأمور التي أدّت ببشار الأسد إلى الهروب ، وما سبّبه ذلك من تداخل في الخطوط كما وتشابك بدا كغيمة أو خيمة قاتمة تاهت فيها المشاهد فجأة وكنبع فج من القاع وبدا حال ٱطياف المجتمع السوري كله بين حالم وهو يقظ أو يقظ وهو نائم ، لابل أنّ الغالبية بدت وكانها بالفعل تعيش هالة ذهول مبهمة أو مشاهد غامضة من مسرح اللامعقول و .. فجأة طار الرئيس الذي أضيف إليه صفة السابق أو الهارب او… و.. من جديد كما سيناريوهات الأفلام أو المسلسلات ولربما تصوّرها البعض واحدة من فصول الدراما السورية، ولكن بجرعة _ اكشن _ مفرطة، و.. لتأخذ الأحداث تتتالى، و.. بأن بالفعل أنّ النظام وككتلة ثلج في قيظ آب اللهاب أخذ يذوب ..
نعم وهكذا وبكلّ بساطة ! تتالت الأحداث وأخذت تتقاذف بسرعة وطفح ( الاكشن ) فيها وازدادت سرعة الأحداث وتتالت المتغيرات وهي تنكشف مع كلّ خطوة على ذاتها أولاً والمحيط بات يستعدّ لسوادها القادم زيا ولحى كما النسوة وأيامات جدة الجدات وبدء التدريب على عبارات _ تغطي ياحرمة _ و _ احم احم ( طريق.. طريق ).. إلى درجة أنّ وزير عدل النظام الجديد دشن عهده القضائي بتنفيذ حكم الإعدام مباشرة وبمسدسه في الشارع العام ، ومع ذلك وبضبط ذاتي فظيع إلى درجة الوجع تهكماً ! نعم ولنكن واقعيين : فمنذ الساعات الأولى من هروب الأسد أخذت الأحداث تتسارع وبجنون وقتي والمشاهد تتتالى، وأخذت المصائر كما الحياة العامة كلها وكأني بها قد وضعت على بساط التموضع لإعادة إنتاج نمط مجتمعي قابل للتهجين لتتواءم مع قاع النمط الفكري القادم ، وفشلت كل تطمينات القادمين بمظاهرهم والذين لا يستذكر فيهم سوى أحداث كابول ويوميات قندهار ..
وهذا الأمر الذي بدا أكثر حرية في مطلق الأحوال ماكان مطلقاً انعكاس ذهولي للحظة ما عابرة، بقدر ما كان فيه حالة من التوهان مع المجهول ولكن من جديد كانت أيضاً إلى المجهول ! حتى وللحقيقة فقد جمدت كل التكهنات وعداد المراهنات توقفت لا بسبب تسارع وتيرة الأحداث وفرار الرئيس حتى قبل خلعه و.. هذا الأمر الذي أخذ السوريون فيه مع الساعات الأولى يجهدون لتلقي الصدمة وتجاوزها، ولكن ليستيقظوا على واقع زاد فيه غموض المشهد!.. نعم فقد تغيرت الألوان لابل غابت وباتت بالفعل وكنوع من المزاح الممض : لاداعي لتصدير الأسود إليهم إيران فنسوتنا بتن أحوج إليها منهم .
ومع الساعات الأولى ورغم الرسائل التي تتالت من منابر القادمين إلى السلطة، إلا أنّ أنفاس قندهار وتعاليم من اختطفوا قبلهم الثورة المصرية إلى حين مالبثت أن بدت ملامحها تطفح وتشتد في ضرباتها بيد من حديد وكانت رسالة من سموه وزيراً للعدل فإذ به وكأنه واحد من كبار رجال العصابات وبأسلوب مافيوي بكل ماتعنيه الكلمة حينما وضع مسدسه في رأس ضحية وأفرغ فيها كل رصاصاته…
هذا كان بالفعل ما بدا في المشهد سوريا وأخذت قوافل المتشددين كما رجالات قندهار و.. كمن فاق من كابوس تتالت وفود السفارات ومعها الإجتماعات وطاقم الحكم المنبهت أصلاً وهو بنشوته غير مصدق وبدأ الإرباك حقيقياً وظلّ مستمراً والعيون تراقب كل خطوة وحركة والجميع بعيون حازمة تراقب كل إشارة وبعضها تبدي استعدادها الكامل للمساعدة شرط كشف الاقنعة وبيان الوضوح في التوجه والغاية. ولكن وبكل أسف ورغم كل الإيحاءات السابقة يبدو أنّ القادمين الجدد لحكم سوريا يسمعون لكل شيء وعيونهم كما خزائنهم مفتوحة لكل شيء و.. فقط أعمالهم ستبقى تنفذ ماتمليه عليهم قلوبهم وافئدتهم و : إذن هاهي سوريا المتعددة ستعود إلى فكفكة بنيانها وإعادة صياغتها دينياً، ولن تجدي مطلقاً مع هكذا عقليات في البدء أية ضغوطات والتي إن استهدفت الدولة الشعب سيكون هو أول الخاسرين.
نعم إنّ سوريا باتت في فوهة بركان قاذف ومدمر ولكن مع كل ذلك نتذكّر جميعاً مامرّت به الدولة السورية منذ التأسيس لهكذا خطوات كارثية وكإمراة بتّ _ أنا _ حتى في أحلامي أعيش كوابيس القادم ورغم كل المآلات والمحاولات والتصميم للخروج بنتائج معينة، هذه الحالة وضعت غالبية السفارات بدولها وحكوماتها في حالة استنفار وهي تجهد بالتشاور البيني ومن خلال سلسلة اجتماعات مستمرة لضبط إيقاع الوضع أولاً ومنها فهم حقيقة من هم النزلاء الجدد في منظومة الحكم الجديد؟!
وهل من الممكن أن تستطيع فعلاً فكفكة عقدة الإستبداد والقمع الممنهج وكنتاج لعشرات السنين؟!..
وهل يمكن توفير الظروف والبيئة الآمنة للداخل السوري عامةً وتوفير الظروف المساعدة فتعيد الدول افتتاح سفاراتها وتساعد في إيجاد البيئة الآمنة للتحول من حالة الاستبداد إلى بيئة مريحة وآمنة.. نعم فنحن جميعاً مكونات الدولة السورية نسعى وبتركيز شديد على إيجاد البيئة الآمنة والمريحة والتي على أرضيتها يتمّ التأسيس للتحول من دولة الفرد والإستبداد، دولة القمع واضطهاد المختلف قومية او سياسية، دولة عدم المساواة ووجود كما وهيمنة الإستبداد.. نظام لامتساوٍ في الحقوق بين الجنسين.
و في مطلق الأحوال وبالرغم من كثرة الوعود والتطمينات إلا أن التباشير لاتخدم سوى للتهدئة حتى التمكن، وبالرغم من أن الأمور لا تبشر بكثير من التفاؤل، وكل الدلائل تشير بأنّ المرأة السورية مقبلة على فصول جديدة من البؤس ستمسّ حياتها اليومية، وقيود ستكبلها وتحدّ كثيراً من حريتها، ولكن! ما يبقى هناك بصيص من أمل وجذوة تنوير ستبقى متقدة، هذا الأمل وكأمر طبيعي يفترض لنجاعتها العمل الجماعي للقوى والشخصيات المتنورة وسعبها جماعياً للحفاظ على البسيط المتوفر والإرتقاء بها اماما والتمسك بلا هوادة بشعار التوازن بين العلمانية كخيار حر بما لا يتناقض وبذات السوية مع خيار الديني / المتدين.
نعم وبكل بساطة وكإمراة ومنذ أيامات النظام الجديد الأولى باتت حريتنا كنساء قضية تكبر وتنمو واقتربت لتوضع مع قضايا آخرى كثيرة على المحك، يقابلها وبشكل عملي في الشوارع والأماكن العامة مضايقات وتدخلات لابل وأحياناً تهديدات فعلية بحق النساء بسبب اللباس أوالمكياج وماشابه ذلك، وفي الواقع إن ما تحاول السلطة الجديدة من فرضها وممارستها لقوانين خاصة ومحددة تستهدف المرأة تحديدا بالترافق مع سلسلة من الإجراءات تعيد بواقع المرأة وحياتها وراءاً لابل إنه يريد أن يعيد بها قروناً عديدة إلى الخلف وعزلها تمام عن الإختلاط والعيش تحت رهاب اي تدليس او تهمة، وهنا وفي اختصار وتكثيف شديدين يلاحظ في النظم التي تدعي بأنها متدينة وتحت سيف التعاليم الدينية والتي تجتزأ في بعضها الكثير، نرى كيف يتم الحد من حرية المرأة لابل والتدخل في كل شؤونها وتعامل على أنها الضلع الناقص، هذه المصطلحات التي ازدادت وتيرة سماعنا لها وايضا حالات التحرش بالنساء واهانتهن بسبب اللباس او الشعر السائب ناهيك عن استخدامات أدوات التجميل ناهيك عن الإختلاط العفوي بين الزملاء..
إن مساعي الحكم الجديد بإعادة إحياء كما وفرض قوانين جديدة تخص الحياة والحرية الشخصية وتضيق الخناق عمليا من حق الإنسان وحرية الحياة والتصرف كلها ستكون من أهم المسببات التي ستعمل على ابقاء باب النزاع وعدم استتباب الأمن كما والضغط على الأفراد والتضييق على حق الأفراد وحريتهم الشخصية ستكون من أهم عوامل بقاء الدولة السورية في مخاض استنزاف بيني طويل هذا المخاض الذي سيزيد في تفاعله وتصاعده حين البدء في شرعنة كل هذه الأمور وتاطيرها قانونيا تحت بند الإحتكام إلى الشرع في تحد لابل ونسف الشعار الذي رفع في سورية منذ زمن طويل _ فصل الدين عن الدولة _ من جهة وكذلك نسويا مع كل التقدير للاديان وكتبها السماوية وتفاسير البعض مثلا للآية الكريمة ( الرجال قوامون على النساء)..
وفي المجمل وأمام هذه الإنعطافة التي حدثت في المسيرة السياسية والمجتمعية لدولة مثل سورية عرف عن مجتمعها الإنفتاح والتعايش بين الطوائف والجماعات خلافا لمواقف وممارسات النظم! إلا أنّ توجه النظام الجديد إلى السلفية من جهة وشرعنة كلّ شيء وضبطه بالقياس الموائم لطرائقها ستزيد كثيراً من القيود على المرأة في كل مناح الحياة بدءاً من الدراسة مروراً بسن الزواج وقضايا حقيقة مجرد التفكير بها تدفع بذاكرتنا إلى تلك الصور التي كنا نراها في الصحف والمجلات أو في قنوات الاخبار عن نساء كابول وقندهار لا من ناحية التعليم أو الزي والإختلاط بقدر ما مست حياة الكثيرات في الزيجة المبكرة لطفلة قد تكون في العاشرة من عمرها لكهل تجاوز الخمسين سنة وقد شاهدنا جميعاً وعلى مضض حالات بادت كتعريف لما يخوله المحتمي بسلاح ذلك الفكر أن يفعل كي يتم تطبيق السنن والفرائط التي تجعل الكلمة له في أي محفل لذا وبالفعل نحن أمام مفترق طرق، وكلّ طريق يؤدّي إلى الآخر ليراكم في حجم المآسي المحتملة حدوثها.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “328“