آراء

شهر آذار مأساة وحياة (محمد شيخو سيرة مناضل)

إدريس شيخة

(في كلّ آذار أيقظوني) بإحساس الفنّان الصادق عَلِمَ محمد شيخو أنّ مسيرة حياته ستنتهي في الشهر الكُردي بامتيازٍ شهر آذار، لكن ما لم يكن يعلمه أنه سيسكن كلّ قلبٍ في كُردستان.

ولِد محمد شيخو في قرية (خجوكي)، إحدى قرى ريف القامشلي(9/3/1948) ، هو محمد صالح شيخموس أحمد (بالكُردية: Muhemed şêxo)، مغنّي ومؤلّف وملحّن كُردي من كُردستان سوريا ، يُعتبر من روّاد الأغنية القومية الكُردية، تتلمذ على أيدي الفنانين (حسن توفو وخليل اليزيدي) وفي عام 1970 ذهب إلى بيروت لدراسة الموسيقى، كانت انطلاقته الحقيقية مع “لجنة الفن الكُردي في لبنان” قدّم العديد من الأغاني القومية والثورية ، تأثّر بكبار الشعراء الكُرد ، وغنّى لهم أمثال: (ملاي جزيري وجكر خوين).

كذلك غنّى بعض الأغاني باللغة العربية أثناء تواجده في لبنان.

درس المرحلة الابتدائية في قرية خجوكي، والاعدادية في القامشلي، بالإضافة إلى تلقّيه العلوم الدينية في القرية، كذلك درس آداب اللغة الكُردية خلال الحلقات السرية التي كانت تقيمها الأحزاب الكُردية، في عام 1965 تعرّض لمرض في عينه واصيبت عيناه بالنقص مما أدّى إلى إعفائه من خدمة العلم في سوريا، وبسبب صعوبة الحياة وسوء أوضاع عائلته المالية ، بالإضافة إلى مرضه، ترك الدراسة (أكمل دراسته لاحقاً) وعاد إلى القرية للعمل بالفلاحة مع اهله، ولعمله في الزراعة وفلاحة الأراضي تجوّل في قرى عديدة بمحيط القامشلي، تعرّف في قرية “xirbê kurma ” على الفنانين( خليل يزيدي وحسين طوفي وحليم حسو )حيث رافقهم محمد شيخو إلى العديد من الحفلات والأمسيات آنذاك، وتتلمذ على أيديهم، تلك المرحلة صقلت تجربته الغنائية، وحوّلته من هاوٍ للغناء إلى مغنٍّ رصين.

في عام 1970 ذهب إلى بيروت لدراسة الموسيقى، وفي ذلك العام كانت كُردستان العراق تعيش مرحلة جديدة، حيثُ كانت الثورة الكُردية على أشدها، ولأجل دعم ثورة كُردستان العراق قامت لجنة الفن الكُردي في لبنان بالتعاون مع فنانين أمثال ( محمد شيخو، سعيد يوسف، رفعت داري، عزالدين تمو، شيرين برور ورمضان نجم أومري ) باحياء العديد من الحفلات والأمسيات الغنائية, وفي حفلة صالة سينما (ريفولي) عام 1972 بحضور رئيس الوزراء اللبناني الأسبق صائب سلام ، قدّم محمد شيخو ولأول مرة بعض أغانيه على مسرحٍ كبير، وأصبح عضواً في اتحاد فنّاني لبنان، وتعرّف على العديد من الفنانين اللبنانيين الكبار أمثال( نصري شمس الدين، فيروز، وديع الصافي، عاصي الرحباني ، سميرة توفيق).

ومع نشوب الحرب الأهلية في لبنان غادرها عائداً إلى سوريا، في عام 1972 سافر إلى بغداد بغرض إحياء حفلة فنية، وقام بتسجيل بعض أغانيه في القسم الكُردي في إذاعة بغداد، ثم زارها مجدداً في عام 1973 وكان القسم الكُردي في إذاعة بغداد وتلفزيزن كركوك يبثّان أغانيه على الدوام ، وذلك ما ساهم في نيله شهرة واسعة بين الكُرد في كُردستان العراق, وفي تلك الفترة عقد صداقات مع العديد من الفنّانين في كُردستان العراق أمثال( شمال صائب، كولبهار، تحسين طه، محمد عارف جزيري، عيسى برواري) وكذلك العديد من الشعراء والشخصيات المثقفة، وغنى من قصائد الشاعر (بدرخان سندي، سكفان عبد الحكيم، خلف زيباري ومصطفى الاتروشي ).

وفي نفس العام التقى مع الزعيم الملا مصطفى البارزاني و كرّمه وقدم له علم كُردستان تقديراً لفنه ووطنيته . في عام 1974 عاد إلى سوريا وسجّل أول ألبوماته في دمشق باسم “ Gewrê ” والذي تضمّن ثمان أغاني قومية وعاطفية، وبسبب مضمون أغانيه القومية تعرّض للملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية السورية ، فاضطرّ إلى الهرب ومغادرة سوريا إلى كُردستان العراق والالتحاق بصفوف البيشمركة في جبال كَردستان العراق.

بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 وخسارة الثورة الكُردية في الدفاع عن كُردستان ذهب مع فيالق من البيشمركة إلى كُردستان ايران ، وأقام في معسكر ربت، وأصبح لاجئاً وشكّل فرقة فنية من جرحى المعسكر، وزار مدينة مهاباد وسجّل فيها ألبومه الثاني وأحد أهم أعماله ( Ey Felek ) وألبوماً أخر باسم ( من مهاباد منبع دماء الشهداء ji mihabad kanya xwîna pekrewana ) وبسبب مضمون أغانيه السياسية والقومية، تدخّل السافاك الايراني و طالبه بالكفّ عن الغناء، وتمّ نفيه إلى مدينة كُردية بالقرب من بحر قزوين على حدود اذربيجان، وهناك تعلّم اللغة الفارسية، وهناك قام بتدريس اللغة العربية في إحدى المدارس الثانوية.

أثناء تدريسه في المدرسة أغرم محمد شيخو بطالبته نسرين حسين ملك إلى حد العشق ، وغنى لها أغنيته المشهورة ( نسرين Nisrîn) وهي ابنة أحد زعماء بشمركة جمهورية مهاباد، وتزوّجها رغم المعوقات القانونية ومضايقات الأمن الإيراني لهم، وأنجبا أربعة أولاد، فلك، إبراهيم، بروسك وآخر توفّى اسمه بيكس . بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، وبتهمة الشيوعية أحيل محمد شيخو إلى محاكم الحرس الثوري، وتمّت تبرئته لاحقاً، وبعد صدور عفوٍ عنه في سوريا تنقّل بين السفارة السورية في طهران والدوائر الإيرانية حتى عاد برفقة عائلته إلى مدينته القامشلي.

في عام 1983 عاد إلى سوريا وأقام في مدينة قامشلو، أسّس فرقة موسيقية وقام بتدريس دورات موسيقية وسجّل آخر أعماله عام 1986، وفي عام 1987 فتح محل وإستديو تسجيلات باسم فلك ومن جديد تدخلت السلطات السورية وأغلقت محله بالشمع الأحمر نظراً لما تحمل أ غانيه ومحتويات محله ذي الطابع القومي، وفجأة أصيب بمرض أدخل على اثره المستشفى الوطني بالقامشلي، وتوفّي في التاسع من آذار عام 1989 وشيّعت جنازته بمشاركةٍ شعبية واسعة لا نظير لها في مدينة قامشلي وعلى صدى آخر أغانيه ( عندما أموت، لا تدفنوني مثل الجميع، في كلّ آذار، أيقظوني )و دفن في مقبرة الهلالية، وفي كلّ آذار يتجمّع الشعب الكردي على قبره ليعيدوه حياً تنفيذاً لوصيته وتقديراً لفنه الرفيع ولوطنيته اللامتناهية.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد 296

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى