آراء

شيفرة داعش ومشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي ….

فرحان مرعي

في هذه الحرب المهزلة الممسرحة، كل شيء متوقع، كل شيء غير واضح تماماً، الخطوط متشابكة ومتداخلة ومعقدة، ولا أحد يستطيع إن يتكهن بما يمكن أن تؤول إليها الأحداث، الأهداف والغايات غامضة أو رمادية اللون، أن تحليل الأوضاع لا تصل بالمشاهد والمتابع إلى نتيجة أو إلى نهاية مقنعة، فجميع التحاليل والتنظيرات السياسية والعسكرية تصل بنا إلى نقطة الاحتمالات والفرضيات، وفي هذه المعمعة والحرب والفوضى لا أحد يعلم تماماً من يقاتل من ، من هم الحلفاء ومن هم الأعداء، تحس في لحظة ما إن الجميع يحارب الجميع أو أن الجميع يضحك على الجميع، ولكن في النتيجة هناك ضحايا وقتلى وإبادات وفظائع من نصيب المدنيين والأبرياء لا أحد يحترم قوانين الحرب وقواعدها إنها فوضى لم تسبق لها مثيل في تاريخ الشعوب ولكنها فوضى خلاقة وممنهجة ومدروسة .

ليالي سقوط العواصم العربية تتوالى من بغداد إلى صنعاء، مدن تسقط في لحظة، الموصل والرقة مثالاً ، وأخرى على الطريق إن تسقط، أو لن تسقط إذا أرادها اللاعبون إن لا تسقط، كوباني نموذجاً في لعبة السقوط والقلق المنتشرة هذه الأيام.
رغم إن الغموض يكتنف جميع الأشياء ومجريات الأحداث إلا إن بعض الخطوط تظهر وتتبين من بين دخان الحرب .
الحروب الجارية في المنطقة هي حروب داخلية، أهلية، طائفية باسم الله الإسلامي وان شئتم فهي حرب دينية بين المسلمين وحدهم ، محركها عناصر خارجية أمريكية بالدرجة الأولى بالتنسيق مع قوى إقليمية وداخلية، فداعش إبداع أمريكي، تركيب وتصنيع إقليمي، سوري وإيراني، تروج لها إعلاميا بشكل فظيع، فهي بعبع إعلامي قبل أن تكون قوى حقيقية على الأرض، أو هي إذا أردنا الدقة أكثر حصان طروادة أمريكي لتنفيذ مشاريع ومخططات محددة ومعينة في منطقة الشرق الأوسط والعربي خصوصاً ما لهذا المكون البشري من خصائص داعشية يمكن استخدامه لأغراض غير سلمية .
ماذا تريد أمريكا وحلفائها من هذه الحروب؟؟ سؤال يقلق أبناء المنطقة كثيراً :
هل تريد أمريكا وضع يدها على منابع النفط والسيطرة عليها ؟؟ إن أمريكا موجودة بكل ثقلها في المنطقة منذ زمن بعيد وهي تتحكم بمنابع النفط ومشتقاتها إنتاجا وتسويقاً وتتحكم بأسعارها واعتقد أن العولمة والتطور الصناعي والتكنولوجي حولت العالم إلى سوق مشتركة في إطار التبادل الاقتصادي والمصالح المشتركة، أي لا تستطيع اليوم دولة ما إن تحتكر الثروة لديها ،فالدول بحاجة إلى تبادل الثروات والخبرات والعقول لمواجهة التطورات الحضارية الجارية في العالم وتأمين حاجات الإنسان المتجددة ……
هل تريد أمريكا نقل الديمقراطية أو تمكينها في والى المنطقة، ؟؟؟ حتى هذه اللحظة تدعم أمريكا الديكتاتوريات والاستبداد في المنطقة، وهي ليست مع طموحات الشعوب في الحرية والديمقراطية بالشكل الذي نحن نتصوره، فأمريكا ليست مستودع للديمقراطية والخيرات توزعها على العالم، فهي لا تعطي بقدر ما تأخذ، ومصلحة شعوبها واستقرارها وأمنها القومي هي الأولوية وغير ذلك هي أوهام ، هذا إذا أدركنا إن الديمقراطية ليست بضاعة تستورد وتنقل ميكانيكياً ، ولا يمكن زرعها في تربة غير مهيأة وغير صالحة لهذه النبتة وإنها- أي أمريكا- إن فكرت يوم ما بتحقيق شكل من أشكال الديمقراطية في المنطقة إلا أنها غيرت رأيها بعد دخول العراق وليبيا وافغانستان، واليوم الوقائع على الأرض في عموم المنطقة الإسلامية العربية تؤكد إن الديمقراطية غاية لن تحصل على المدى البعيد في المنطقة .
اذاً ماذا تبغي أمريكا والقوى العظمى من إشعال هذه الحروب في المنطقة ؟؟
في اعتقادي هناك برامج ومشاريع تنموية وبشرية وسكانية تتحكم بها وتديرها قوى عظمى وخفية في العالم إن الزيادة السكانية في مناطق من العالم ونقصها في أخرى تؤدي إلى خلخلة وعدم توازن سكاني كما هو حاصل بين أوربة وأمريكا من جهة وبين العالم العربي والإسلامي ومناطق أخرى مثل الهند وما يمكن إن يشكل هذا النمو السكاني العشوائي من خلق كوارث ومشاكل وأزمات إنسانية واجتماعية وبيئية وانتشار أمراض وأوبئة تخرج عن السيطرة البشرية،أي إن هذه الدول الحاكمة والقوى الضاغطة الخفية على المستوى العالمي ترى أن هناك مجموعات بشرية فائضة عن حاجة الإنسانية أو ما يسمى بالناس العبء، شرائح بأكملها ومناطق بأكملها تعتبر عبئاً على رفاه السلطات وراحة بالها، أنها تلك الكتلة البشرية المكررة والتي تولد صدفة والتي تضيق السلطات بوجودها وباحتياجاتها ناهيك عن حقوقها، أي هي مجموعات بشرية تصنف في درجة ما دون خط البشر وجودياً وكيانياً ومن اللزوم التخلص منها بوسائل متعددة مثل نشر فيروسات جرثومية معينة قاتلة قادرة على الفتك بإعداد كبيرة من البشر، كما لاحظنا ذلك في الآونة الأخيرة انتشار فيروسات مثل أنفلونزا الطيور والخنازير والسارس وايبولا وجنون البقر ووووو الخ وتأتي الحروب كإحدى الوسائل الناجعة لتحقيق هذا الهدف واعتقد أن ما يجري في المنطقة من ليبيا والصومال وقبلها رواندا غرباً وجنوباً إلى أقصى الشرق حيث أفغانستان وباكستان تأتي في هذا الإطار بالإضافة إلى أسباب أخرى مباشرة وغير مباشرة متعلقة بخصوصيات كل منطقة كما في العالم العربي اليوم حيث تدور رحى حرب ضروس تحرق الأخضر واليابس تحت مسمى مكافحة الإرهاب .
لذلك إننا نرى إن ما تجري في المنطقة من حروب هي ليست من اجل حماية منابع النفط ولا من اجل نشر الديمقراطية بل تتعدى هذه المانشيتات العريضة إلى إحداث تغييرات جذرية في الجغرافية والأفكار والسكان والديمغرافيا السكانية أنها- استطيع القول- حرب دينية داخلية وحرب حضارية عالمية، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ شعوب المنطقة، أدوات تنفيذ هذا المخطط قوى ظلامية دينية محلية تديرها قوى عالمية ،تلك القوى الظلامية وهمية أحيانا ، إعلامية أكثر مما هي واقعية، أي إن الحرب النفسية الإعلامية والممسرحة هي الغالبة والمسيطرة على الأذهان، ولكن ان المدنيين والأبرياء هم المتضررون الأكبر ، حرب لا تحترم فيها قواعد وأخلاقيات الحروب السابقة، حروب همجية بكل معنى الكلمة .
اعتقد إن الهدف غير المباشر وغير المعلن – بالإضافة إلى ما سبق -من الحروب الدائرة في المنطقة هو تغيير في البنى الفكرية الدينية الإسلامية حصراً وما يلزم هذا التغيير الفكري من حروب وتغييرات ديمغرافية ملائمة ،إذا كانت الأديان ظواهر تاريخية هذا يعني لزوم حدوث تغيرات جوهرية في بنية هذه الأديان في المعتقدات والأحكام أو تعديلها بما يتلاءم مع التطور التاريخي للبشرية، وكما حدث للدين المسيحي والكنيسة وغيرها من الأديان يمكن أن يحدث للدين الإسلامي بعد ألف وأربعمائة سنة، والمستهدف من هذا الصراع الديني بالدرجة الأولى هو الجانب السني من الإسلام السياسي المتشدد- وحاضنه الفكر القومي العروبي الشوفيني – الذي ألغى منذ نهاية العصر الراشدي الجانب الروحاني من الإسلام الذي كان يرفع لوائه المذهب الشيعي العلوي، والملفت في هذا الصراع الدموي هوغياب القوى التنويرية والعلمانية من ساحة التغيير وحيث تجري معالجة الداء بالداء نفسه، أي معالجة التطرف بالتطرف، فمثلاً داعش هي صورة مشوهة عن الإسلام ولكنه يستخدم لمكافحة المشوه، الذي هو الإسلام السياسي السني، وهذه العملية التغييرية طويلة الأمد لا تحدث بين ليلة وضحاها بل تحتاج إلى سنين طويلة لا تقل عن عقد أو عقدين من الزمن ،وهذا يعني أيضا وعلى المدى القريب البعيد إمكانية ظهور ونشوء مقدمات لدول قومية كالدولة الكردية نموذجاً، وللبنى الحضارية والديمقراطية في المنطقة ،من هذا كله يستنتج إن المنطقة العربية والإسلامية مقبلة على تغيرات جوهرية ستمس كل جوانب الحياة الاجتماعية والفكرية والجغرافية، خارطة جديدة تتشكل لحقبة مقبلة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى