صعود نجم الكورد و قلق ايراني..
نجح الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني في اختباره الجماهيري والرد على التهديدات والاجراءات الامنية المتشددة التي فرضها الحرس الثوري الإيراني في الذكرى السابعة والعشرين لاغتيال عبدالرحمن قاسملو زعيم الحزب الذي اغتالته المخابرات الإيرانية. حيث استجابت الجماهير في المحافظات الاربع الكردية في كردستان – ايران لنداء الحزب للتنديد بالاغتيال وبالسياسة التي ينتهجها نظام ولاية الفقيه تجاه الكورد فقامت باغلاق المحلات وخرجت في تظاهرات سلمية متحدية الحرس الثوري وقد سبق أن اعلن الحزب عن مرحلة جديدة بعد أن اوقف نشاطه المسلح لاكثر من عشرين عاما ليعود من جديد بعمليات ضد الحرس الثوري الإيراني في المناطق الجبلية وكذلك نقلها إلى المدن وقد حدثت عمليات في الشهر الماضي حيث قتل عدد من القوات الايرانية جراء ذلك.وقد توعدت قيادة الحزب باستمرار عملياتها بكافة الاشكال النضالية و قد فعلتها قبل يومين عندما قام راس النظام حسن روحاني بزيارة كردستان ( مدينة كرمنشاه) في محاولة منه وضع اللوم على الإدارة المحلية نتيجة سوء الأحوال ولكن الجماهير وبالعدد القليل احتجاجا هتفت ضده تنديداً بما يحصل لتكون صفعة جديدة لنظام ولاية الفقيه خاصة وان هناك اضطرابات شعبية في اكثر من منطقة في الاحواز و بلوشستان رغم السياسة القمعية التي يمارسها النظام الايراني والتجويع و سوء الأحوال المعيشية في اغلب إيران في حين أن النظام منصرف في مشروعه الشيعي التوسعي في اكثر من منطقة.
في ظل هذا الصعود الكردي العام سواء في اقليم كردستان او سوريا و زيادة الاهتمام الدولي بالقضية الكردية بعد النجاحات التي حققتها البشمركة والقوات الكردية في هزيمة داعش كان من الطبيعي تحريك الملف الإيراني المؤجل من قبل الغرب ولهذا فإن الاعلان كرديا لمرحلة جديدة في إيران احدث قلقاً وردود افعال تهديدية من قبل اكثر من مسؤول إيراني ضد اقليم كردستان حيث اقامة ومعسكرات بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني – إيران في المناطق الحدودية للإقليم مع كردستان – ايران، حيث هدد محسن رضائي امين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران حكومة اقليم كردستان بعمليات تدميرية ضدهم اذا لم تتوقف عن دعم الاحزاب الكوردية الإيرانية وانها تحمل الرئيس مسعود بارزاني مسؤولية ذلك. وهذا بطبيعة الحال ليست المرة الأولى تقوم إيران بتهديد اقليم كردستان فقد سبق ذلك وبعد عمليات عسكرية من قبل بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الكوملة الكردستاني ضد الحرس الثوري الإيراني داخل ايران فقد هدد حسين سلامي مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني بشن هجمات عسكرية وتدمير المناطق التي تحتضن تلك الاحزاب الكوردية المعارضة واجتياح اراضي الاقليم وكذلك لمح إلى تهديد بعض الدول الاقليمية ووصفها بانها تلعب بالنار.
هذه التهديدات الغيرانية الاخيرة تأتي في سياق الضغط على اقليم كردستان وتحديداً البارزاني الذي يسعى إلى اجراء استفتاء حول استقلال كردستان واقامة الدولة الكوردية المستقلة وهذا ما يزعج نظام ولاية الفقيه لانهم يتخوفون حسب زعمهم من انتقال العدوى ألى الداخل الإيراني لاسيما وان اغلب المكونات العرقية تعاني من سياسة القمع التي يتنهجها نظام الولاية وكافة الشعوب هناك تسعى إلى اقامة نظام فيدرالي على الأقل او نيل حريتها واستقلالها مثل الكورد، الاحوازيين، البلوش، الازريين والتركمان في حين لايتوقف النظام عن اعتقال وقتل العشرات من النشطاء واعدامهم تحت حجة وتهمة ” محاربة الله “.
لعل التعامل الوحشي والقمعي للنظام الايراني مع المعارضة والحراك الجماهيري في إيران في ظل تغاضي غربي نتيجة مصالح وملفات عدة قد سمح لهذا النظام بالتمادي والايغال في نهجه وكذلك تنفيذ مشاريعه واجندته خارج إيران من خلال اجنحته العسكرية المذهبية – السياسية التي تحتل اكتر من بلد مثل سوريا ولبنان واليمن وغيرها من مناطق التدخل الإيراني تحت مسميات احزاب الهية على غرار ( حزب الله) رغم بعدها المطلق عن جوهر الاسم.
صحيح أن الحزب الديمقراطي الكردستاني – ايران قد اعلن عن مرحلة نوعية جديدة لمواجهة ارهاب الدولة المنظم من قبل الحرس الثوري فقد صادقت الأحزاب الكوردية الستة الاخرى وعبرت عن استعدادها لمواجهة ميليشيات ولاية الفقيه في المناطق الكردية خاصة بعد عمليات القصف التي تعرضت لها مواقع ومخيمات اللاجئين في الجانب الآخر من الحدود في منطقة كويسنجق و أخرى قريبة من الحدود الإيرانية، حيث تملك كافة تلك الأحزاب اجنحة مسلحة وبيشمركة مدربة. يذكر أن تلك الاحزاب وهي: الحزب الديمقراطي الكردستاني بشقيه، حزب الحرية الكردستاني، حزب الكوملة الكردستاني، حزب الحياة الحرة الكردستاني، حزب كومنيست الإيراني ومنظمة النضال الكردستاني.
نظام ولاية الفقيه الذي يمتلك اوراق خارجية من خلال مشروعه التوسعي في اكثر من منطقة ويستطيع المساومة في البازار السياسي كما فعلها في اطار اتفاقه النووي مع الغرب لكن ذلك لن تسعفه كما يحدثنا التاريخ وان ما يجري في المنطقة من تطورات بعد الربيع العربي وإعلان داعش الخلافة والكثير من المتغيرات والتموضعات السياسية والتي ستغير خريطة المنطقة وحتما ستكون إيران جزء منها ولعل الصعود الكوردي العام في المنطقة وقرب اعلان الدولة المستقلة له الأثر الفعال في تحريك ملف إيران الراكد المؤجل وهذا ما حركته العمليات الأخيرة في كردستان إيران لتكون بداية حقبة جديدة هي مهيئة اصلاً في اغلب مناطق إيران ليكون نظام ولاية الفقيه في مواجهة مباشرة ومن الداخل على عكس ما كان يفعله عبر استراتيجيته العابرة للحدود. وهنا نلاحظ مدى التوتر الإيراني وتهديداته المتكررة لرئاسة اقليم كردستان بعد الخطوات الأخيرة لأحزاب المعارضة الإيرانية الكردية لانها تدرك جيداً هشاشة الوضع الداخلي لديها وان بداية الغيث الكردي بعمليات عسكرية ناجحة وردة الفعل الجماهيرية الايجابية جعل من نظام الولاية يتحرك بكل السبل ومحاولة افشال مشروع البارزاني في اقامة الدولة الكوردية والتدخل في قضايا الاقليم وكذلك محاولات عرقلة اي نجاح يحققه الكرد في تركيا او سوريا ايضاً لانه يعلم حقيقة نجاح ذلك ومدى تأثيره في إيران. وفي هذا السياق ايضاً يحاول النظام الإيراني القيام بخطوات استباقية كما فعل بتهديد اقليم كردستان ثم التلميح بتهديد دول خليجية التي ترحب باعلان البارزاني للدولة الكوردية وكذلك محاولات التأثير والتهديد بورقة حزب العمال الكردستاني واستغلالها لصالح اجندته الخاصة، طبعاً كل هذا يدخل في سياق الابقاء على الوضع في إيران كما هو متناسيا حركة التاريخ وحقيقة التغيير القادمة كما يفعل سذاجة في محاولة يائسة التحكم حتى بلغة العصر العابرة للقارات أي التكنولوجيا عندما يقوم بقطع الانتريت والسيطرة على مواقع التواصل الإجتماعي وذلك للسيطرة ومنع نقل الصور والاحداث للعالم الخارجي، وهنا قد فشل عندما دعا الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى احياء ذكرى اغتيال عبدالرحمن قاسملو.
لا يمكن حجب الشمس بالغربال وحركة الشعوب والنضال من اجل قضايا عادلة في عموم إيران والتي ستخرج قريبا على السطح لتكون بركان وتسونامي في وجه النظام الايراني والظلم الذي يمارسه بحق الجميع.
بقي أن نقول انها البداية ولابد من خطوات أخرى وتعاون وتنسيق بين جميع اطياف المعارضة الإيرانية ليكتمل النجاح في مواجهة ادوات القمع والاستخبارات والحرس الثوري الإيراني والوصول لصيغة توافقية تناسب الجميع من خلال نظام فيدرالي او شكل أخر تقرره تلك المكونات. وفي هذا السياق وعربيا فان دعم مشروع الرئيس بارزاني في اقامة الدولة المستقلة خطورة مهمة وصحيحة لمواجهة المشروع الإيراني وتدخلاته في المنطقة العربية لان ذلك بتقديري أي اقامة الدولة الكوردية مصلحة عربية ايضاً لانه يدخل في خانة كل من يعاني تبعات استراتيجية نظام ولاية الفقيه.
مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث
د. زارا صالح – كاتب كردي