آراء

ضرورات البحث عن إطارٍ جديد للمعارضة السورية

شاهين أحمد

في خطوةٍ غير مفاجئة علّقت المملكة العربية السعودية عمل العاملين في هيئة التفاوض السورية في الرياض بدءاً من نهاية شهر يناير / كانون الثاني 2021 ، وخاصةً أنّ الخطوة السعودية تأتي وسط خلافاتٍ حادة تعصف بهيئة التفاوض التي تؤطّر مجموعةً كبيرة ومتنوّعة من منصات المعارضة السورية بالإضافة إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وهيئة التنسيق وعددٍ من الشخصيات المستقلّة، وحسب الكتاب الذي وجّهته خارجية المملكة مؤخّراً إلى هيئة التفاوض، فإنّ القرار السعودي كان بسبب تعطيل عمل هيئة التفاوض السورية !.

ومن الأهمية بمكانٍ الإشارة إلى أنّ الخلافات بين مكوّنات الهيئة قديمة – جديدة، منها ما تعكس الخلافات الإقليمية بين الدول الداعمة للمعارضة نتيجة الولاءات وتوزّع المعارضة على هؤلاء الداعمين، ومنها ماتتعلّق أساساً بالتباين الكبير بين تصوّرات مكوّنات الهيئة نفسها حيال العملية السياسية برمّتها ، وما التصريحات المتناقضة التي صدرت من طرف أكثر من مسؤولٍ ومتصدّرٍ للمشهد المعارض مؤخراً إلا تأكيداً بأنّ الخلافات قد خرجت من داخل الغرف المغلَقة إلى الشارع، وبأنّ منصات المعارضة بشكلٍ عام ومنظومة الائتلاف بصورةٍ خاصة تعاني من مشاكل كثيرةٍ وترهّلٍ واضح وأنّ وضعها العام ليس بخيرٍ، وهناك حالةٌ من القلق والارتباك طاغية على القائمين عليها جرّاء التراجع الواضح في شعبيتها، وكذلك انحسار ٌفي عدد الدول الداعمة لها، حيث بدأت هذه المعارضات تفقد بريقها ومبرّرات وجودها يوماً بعد يومٍ لأسبابٍ ذاتية في غالبيتها ، تتعلّق ببنية هذه المعارضات وتركيبتها وعدم قدرتها على الخروج من المنظومة الفكرية للبعث الشوفيني، والموروث الثقافي للأسلمة السياسية التي أثبت الزمن والميدان عقمهما وفشلهما في إحداث أيّ تغييرٍ نحو الأفضل، وهنا يجد المرء نفسه أمام جملة نقاطٍ شكّلت بمجموعها سبباً في فقدان المعارضة لشعبيتها ودورها وربّما مبرّرات وجودها:

1 – فشل المعارضة في تقديم نموذج حكم رشيد و إدارة ناجحة من أهل الاختصاص ، حيث نجد أنّ الإدارة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وفصائلها المسلّحة هي الأسوأ مقارنةً مع الإدارة في مناطق حكم نظام البعث ومناطق قوات سوريا الديمقراطية سواءً لجهة الخدمات أو توفّر مستلزمات العيش و الأمن والأمان والتعامل الدولي معها . وكذلك غياب تام للحياة السياسية، وسيطرة واضحة لـ تنظيم القاعدة المصنّف على قائمة الإرهاب عليها .

2 -فشل المعارضة في صياغة مشروعٍ وطني سوري جامع ومعبّر عن وجود وحقوق مكوّنات الشعب السوري المختلفة ولو على المستوى النظري ، نتيجة سيطرة التحالف بين غالبية أجنحة الأسلمة السياسية والوافدين من مؤسسات الأجهزة الأمنية لنظام البعث على مفاصل القرار في مختلف مؤسسات الثورة والمعارضة . وفشلها في تمثيل كلّ مكوّنات الشعب السوري ، فمثلاً العلويون والمسيحيون والدروز ليس لهم أيّ ثمثيلٍ حقيقي داخل مؤسسات المعارضة الرسمية المتمثّلة بالائتلاف ، وكذلك الكُرد لا يشعرون بأنهم ممثَّلون بشكلٍ عادل في مؤسسات حكومة الائتلاف وخاصةً العسكرية والأمنية والإعلامية …إلخ.

ونرى أنّ غالبية المعارضين وخاصةً معارضي ” الصدفة ” الذين خدموا لعقودٍ في المؤسسات الأمنية لمنظومة البعث ، وركبوا موجة الاحتجاجات الثورية بعد عام 2011 ، وفي الوقت الذي يعترفون ويقرّون قسراً بـ ” حقيقة ” أنّ سوريا دولة متعدّدة ” القوميات ” لأنّ حدودها السياسية والإدارية التي رُسِمت بموجب اتفاقيات سايكس – بيكو لعام 1916 ولوزان لعام 1923 كانت رغماً عن إرادة شعوبها، وتضمّ الشعب العربي والشعب الكُردي والشعب السرياني – الآشوري وأقليات قومية مثل التركمان والشركس والأرمن …إلخ . وكذلك حقيقة أنّ سوريا دولة متعدّدة الأديان لأنها تضمّ المسلمين والمسيحيين واليهود والإيزيديين، ومتعدّدة المذاهب لأنها تضمّ السنّة والشيعة والعلويين والدروز والإسماعيليين والكاثوليك والأرثوذكس …إلخ، وفي نفس الوقت نرى هؤلاء المعارضين لا يقلّون شوفينيةً عن النظام ،ويصرّون على عروبة سوريا وإسلامها !!!.

هل من الحكمة أن نقرّ بالتعدّدية القومية والدينية والمذهبية، وفي نفس الوقت نحاول إلغاء هذه التعدّدية الجميلة والغنية والمتنوّعة ، ونفرض لوناً واحداً سواءً أكان قومياً أو دينياً أو مذهبياً على جميع هذه المكوّنات وإلغائها من اللوحة السورية !؟.

ألم تكن حقبة البعث الشوفيني ومشاريع الأسلمة السياسية التي حوّلتا البلاد إلى كتلةٍ من الخراب، والعباد إلى شهداء ومفقودين ولاجئين ونازحين متناثرين ومتسوّلين في أصقاع الأرض ، كافيةً كي تتعلّم منها هذه المعارضة الدروس والعبر!؟.

3 – انسحاب الفصائل المسلحة المعارضة من جبهات مواجهة النظام ، وتسليم النظام مواقع هامة مثل المساحات الكبيرة في العاصمة حيث كانت الأسلحة التي سلّمها جيش الإسلام وحلفاؤه للنظام من خلال الروس ( تحت مسمّى المصالحات ) كافية للسيطرة على العاصمة، وكذلك في حلب وحمص وغيرها، وتوجّهت هذه الفصائل نحو المناطق الكُردية في الشمال والشمال الشرقي، ممّا أدّى إلى موجة غضبٍ ونزوحٍ لـ مئات الآلاف من أبناء الشعب الكُردي من مناطق عفرين وكري سبي / تل أبيض وسري كانييه / رأس العين وكذلك ماحصل من تطهيرٍ ديني ومذهبي في إدلب وأريافها ( الفوعة وكفريا ) …إلخ . ومشاركة هذه الفصائل في صراعات خارج ميدان عملها .

4 – استئثار قلة قليلة منتمية لـ طائفةٍ ومكوّنٍ محدّد بالمراكز المهمة داخل مؤسسات المعارضة وتبادل تلك المراكز فيما بينها كما حصل بين كلٍّ من السيدين أنس العبدة ونصر الحريري ، مما خلق انطباعاً سلبياً لدى المجتمع الدولي الداعم وكذلك لدى الشارع المعارض بأنّ المعارضة هي نسخة من نظام البعث لجهة الذهنية والتمسّك بالكرسي وعدم إفساح المجال أمام بقية الكفاءات .

5 – نجاح النظام في استدراج المعارضة في شقّها العربي السنّي والفصائل العسكرية التابعة لنفس المكوّن إلى مستنقع الصراع الطائفي الآسن ، ممّا خلق إنطباعاً سلبياً واضحاً أضرّ بسمعة المعارضة داخلياً وخارجياً ، وكذلك نجاح النظام في جرِّ تلك المعارضة إلى خانة الصراع على السلطة وإبعادها عن الأهداف الأساسية للثورة . والمعارضة هي بالأساس معارضات منقسمة أفقياً وعمودياً ، وموزّعة بين المانحين والداعمين ، ركبت موجة الصراع الطائفي والديني والقومي ، أرادت الوصول إلى الحكم ونسيت وتجاهلت أهداف الثورة المتعلّقة بإزالة النظام بكافة شخوصه ورموزه ومرتكزاته ، وغالبية المعارضين وخاصةً الوافدين من أجهزة أمن النظام لايختلفون عن النظام في كلّ مايتعلّق بطبيعة النظام وشكل الدولة وهويتها وحقوق المكوّنات، نظراً لأنّ غالبية هؤلاء كانوا حتى وقتٍٍ قريب جزءاً من منظومة البعث الشوفيني حتى بعد قيام الثورة بأكثر من سنةٍ ونصف، ولاننسى مساهمة بعض أجنحة الأسلمة السياسية في إدخال المتطرّفين الوافدين إلى حاضنة الثورة.

وأخيراً وليس آخراً التخبّط والإرباك الطاغيين على أداء الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وخاصةً في الآونة الأخيرة، وما إصداره مؤخّراً بتاريخ الـ 19 من تشرين الثاني / نوفمبر 2020 القرار الإشكالي رقم ” 24 ” القاضي بإنشاء مفوضية عامة للانتخابات كخطوةٍ تمهيدية بقبول المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي سيجريها النظام في نيسان من العام الجاري، والنقطة الأخرى التي لا تقلّ أهميةً عن القرار المذكور هي تلك المتعلّقة بملخّص الورقة المسرّبة من مداخلات أعضاء اللجنة الدستورية المصغّرة التي عُقِدت في جنيف في الـ 11 من كانون الأول / ديسمبر 2020 ، تلك الورقة التي جاءت لتؤكّد من جديدٍ على القرار ( 24 ) المذكور من خلال القفز على القرار الأممي رقم 2254 الذي يشكّل الأساس للحلّ السياسي في سوريا، وكذلك ماجاء في إحاطة المبعوث الدولي السيد بيدرسون أمام مجلس الأمن بتاريخ الـ 16 من كانون الأول / ديسمبر 2020 تلك الإحاطة التي بدّلَ فيها السيد بيدرسون – من خلال ورقة كتلة المجتمع المدني المقرّبة من النظام – العدالة الانتقالية بالعدالة التصالحية لإنقاذ المتورّطين من الموالاة والمعارضة في ارتكاب الجرائم من المحاكمة .

كلّ هذه العوامل وغيرها جعلت المعارضة في وضعٍ مزري لاتُحسَد عليه، وجعلت أكثرية المراقبين والمعنيين أمام جملة أسئلةٍ منها :

هل سنشهد خلال 2021 إعادة استنساخ التجربة الفاشلة للائتلاف والمجلس الوطني السوري، وذلك بتشكيل جسمٍ آخر وبمسمّى جديد كنوعٍ من دوام إدارة الأزمة السورية، أم أنّ هناك محاولاتٍ جدية لتأسيس إطارٍ جديد مختلفٍ من كلّ مَن يؤمن بالمشروع الوطني السوري التغييري الجامع، وإبعاد الراديكاليين الإسلاميين وكافة الأدوات الحاملة للمشاريع العابرة للحدود سواءً كانت قومية أو دينية أو مذهبية من هذا الجسد العتيد ؟.

هل المعارضة بتركيبتها الحالية مؤهّلة وقادرة على تقديم بديلٍ مقبول وطنياً وإقليمياً ودولياً لنظام الأسد ؟.

هل نحن كسوريين نمتلك الحدّ الأدنى لإرادة القرارات الخاصة بمصيرنا ومستقبل وطننا ؟.

لماذا فشلت مختلف الأطر المعارِضة من المجلس الوطني إلى الائتلاف وبعد التغييرات الإقليمية والدولية التي حصلت وخاصةً المصالحة الخليجية بعد قمة ” علا ” في المملكة العربية السعودية، والتي من شأنها إحداث تغييرٍ في التحالفات الإقليمية المؤثّرة في الملفّ السوري بشكلٍ مباشر،وكذلك سيطرة الحزب الديمقراطي على مؤسسات القرار الأساسية والمتمثّلة في الرئاسة والكونغرس ( بمجلسيه النواب والشيوخ ) في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الفوز الملفت في الانتخابات التي جرت في الـ 3 من نوفمبر / تشرين الثاني 2020 وما تلاها من انتخاباتٍ مكمّلة لمجلس الشيوخ في بعض الولايات المتأرجحة، والإعلان عن جبهة السلام والحرية في مناطق شرق وشمال شرق سوريا، والمفاوضات الجارية بين المجلس الوطني الكُردي ENKS الذي يُعدّ جزءاً من المعارضة الرسمية من جهةٍ، وبين أحزاب الوحدة الوطنية الكُردية PYNK ( أكبرها حزب الاتحاد الديمقراطي ) والمحسوبة على الخندق المقرّب من النظام من جهةٍ أخرى، بعد هذه التغييرات هل نحن أمام مرحلةٍ جديدة حقاً تتطلب البحث الجاد عن آلياتٍ جديدة من شأنها فكّ مختلف منصات المعارضة ، ومن ثم إعادة تركيبها في جسدٍ معارضٍ جديد ومختلف ؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى