
طهران على حافة الانفجار النووي… وترمب يلوّح بالقوة
في مشهد يوحي بأن لحظة الانفجار باتت أقرب من أي وقت مضى، بدأت واشنطن إجراءات سحب طواقم دبلوماسية من سفاراتها في المنطقة، بينما تكثف إسرائيل استعداداتها لعمل عسكري قد يطاول العمق النووي الإيراني، وفق ما تؤكده تسريبات صحافية وتحليلات أمنية نشرت في صحف عالمية خلال الأيام الماضية.
“نحن أمام لحظة فاصلة في التوازن النووي الإقليمي”، هذا ما خلصت إليه صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في تقريرها الصادر في الـ 11 من يونيو (حزيران) الجاري، والذي كشف عن أن إدارة ترمب أصدرت أوامر مباشرة بإجلاء العائلات الأميركية من القواعد العسكرية في الخليج تحسباً لأية تطورات ميدانية مفاجئة في حال أقدمت إسرائيل على شن ضربة استباقية ضد منشآت التخصيب الإيرانية.
الاختراق النووي
وكشفت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” (IAEA) عن أن إيران قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المئة، وهي نسبة تعد الحد الفاصل بين الاستخدامات المدنية والعسكرية، وتكفي لصناعة قنبلة نووية.
ويعمق هذا التطور المخاوف الدولية من نيات طهران النووية ويزيد التوترات داخل منطقة الشرق الأوسط التي تشهد بالفعل تصعيداً متسارعاً على أكثر من جبهة، إذ تؤكد تقارير الوكالة الدولية أن طهران راكمت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب تجاوز بعضها الحدود المسموح بها دولياً، مما يثير مخاوف من إمكان قيامها بخطوة مفاجئة نحو “الاختراق النووي”، أي القدرة على إنتاج سلاح نووي في وقت قصير جداً.
ويرى مراقبون أن تخصيب اليورانيوم إلى هذا المستوى يعزز موقف إسرائيل التي تعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديداً مباشراً لأمنها، وقد تقدم على خطوات استباقية لمنع اكتماله، سواء عبر ضربات عسكرية أو حملات تخريب سيبراني، كما قد يدفع هذا التطور الدول الخليجية إلى مراجعة حساباتها الأمنية والإستراتيجية، وبحسب التقرير ذاته فإن هذا السلوك الذي تتجاوز فيه إيران سقف الاتفاق النووي بهذا الشكل العلني يحدث للمرة الأولى منذ نحو 20 عاماً.
وفي المقابل تدافع طهران عن أنشطتها النووية وتقول إنها مخصصة لأغراض سلمية، مؤكدة أن ارتفاع نسبة التخصيب جاء نتيجة للضغوط الغربية وعدم تنفيذ التعهدات الدولية برفع العقوبات الاقتصادية.
الردع لا يتحقق إلا بالقوة
وفي تقرير أكثر وضوحاً، نقلت صحيفة “التايمز” البريطانية عن مصادر أمنية مطلعة أن إسرائيل “أبلغت دولاً أوروبية حليفة أنها تخطط لضرب منشآت نووية إيرانية خلال أسابيع قليلة”، مؤكدة أن التحضيرات تشمل توجيه ضربات دقيقة باستخدام طائرات “F-35” وصواريخ ذات قدرة على اختراق المنشآت المحصنة تحت الأرض، وتحديداً مواقع “نطنز” و”فوردو” و”أراك”.
وتضيف “التايمز” أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بات أكثر قناعة بأن “النافذة الدبلوماسية أُغلقت” وأن الردع لا يتحقق إلا بالقوة، بخاصة بعد إعلان “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أن إيران لم تعد تمتثل لأي من القيود المنصوص عليها في الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
أما صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” فنقلت في تقرير لها عن مسؤول عسكري كبير أن “الجيش الإسرائيلي أنهى جولات محاكاة مكثفة لضرب أهداف نووية إيرانية في عمق الأرض بمشاركة سلاح الجو والمخابرات، وأنه بات جاهزاً للتنفيذ في أية لحظة”، مشيرة إلى أن إسرائيل لا تثق بأن إيران ستتراجع، وأن إستراتيجيتها الحالية تقوم على “تحطيم الطموح النووي قبل أن يتحول إلى واقع لا يمكن وقفه”.
واشنطن تتوقع الرد الإيراني فوراً
وأشار المتخصص في الأمن القومي ديفيد سانغر ضمن تحليل نشر اليوم في صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن الإدارة الأميركية لا تمتلك تأكيداً حول موعد الضربة الإسرائيلية المحتملة ضد إيران، لكنها تُرجح أن الرد الإيراني سيكون سريعاً وشاملاً وقد يشمل استهداف قواعد أميركية في الخليج، إضافة إلى ضرب أهداف داخل إسرائيل.
وأوضح سانغر أن أجهزة الاستخبارات الأميركية رصدت تحركات عسكرية إيرانية غير معتادة قرب منشآت نووية، إضافة إلى تكثيف ملاحظ في مناورات الدفاع الجوي، مما يشير إلى أن طهران تتهيأ لرد منسق على أي هجوم محتمل، وهو ما قد يفضي إلى تصعيد إقليمي متعدد الجبهات.
وفي تحليل نشرته صحيفة “واشنطن بوست” للكاتبة كارن دي يونغ، فقد أشارت إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وعلى رغم توجيهه رسائل دعم واضحة لإسرائيل، لكنه لم يمنحها الضوء الأخضر صراحة لشن ضربة، وأيضاً لم يضع أي خطوط حمر تمنعها.
وأوضحت الصحيفة أن ترمب يعتبر أن الرد الإيراني سيعطيه ورقة ضغط انتخابية داخلية، ولا سيما أنه يظهر كرئيس “يحمي المصالح الأميركية من التهديد النووي الإيراني”، فيما يرى مسؤولون في الـ “بنتاغون” أن الضربة إن حصلت فقد تؤدي إلى حرب استنزاف مفتوحة في المنطقة تعيد الولايات المتحدة للميدان بعمق غير مرغوب فيه.
الرد الإيراني: كل الخيارات مطروحة
من جهته أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اليوم في تصريح نقلته وسائل إعلام رسمية أن “أي عدوان صهيوني على منشآتنا النووية سيواجه برد ساحق يتجاوز الحدود التقليدية”، مضيفاً أن “طهران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أية محاولة لاستهداف أمنها القومي، والرد سيكون سريعاً ومباشراً وعلى أكثر من جبهة”، وذكر المتحدث باسم هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أن الرد لن يقتصر على المواقع العسكرية وحسب، بل سيطاول “مراكز القرار السياسي والمصالح الأميركية في المنطقة”، في تحذير واضح موجه لكل من واشنطن وتل أبيب.
وبالتوازي أعادت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية بث مقاطع قديمة للجنرال قاسم سليماني يشير فيها إلى أن “حيفا وتل أبيب ستكونان أولى الضحايا في حال جرى استهداف إيران عسكرياً”، وهو ما فهم أنه جزء من إستراتيجية ردع نفسية تعيد التأكيد على قدرة طهران على خوض مواجهة واسعة النطاق.
خسائر لا يمكن احتواؤها”
وفي تحذير صدر عن “معهد دراسات الحرب الأميركي”(ISW) ، أكد الخبراء أن الضربة الإسرائيلية إن نفذت فستقود حتماً إلى تصعيد لا يمكن احتواؤه، وقال التقرير إن “المسألة لم تعد ما إذا كانت هناك ضربة، بل متى؟ وأين؟ وكيف؟ وإن الحسابات الجيوسياسية الحالية تجعل من رد فعل إيران أكبر من مجرد قصف محدود”، أما “معهد كارنيغي للسلام الدولي” فقد اعتبر أن انهيار الاتفاق النووي بالكامل سيقود إلى سباق تسلح إقليمي يشمل السعودية وتركيا وربما مصر، مما سيغير قواعد اللعبة الإستراتيجية في الشرق الأوسط لعقود مقبلة.
“المسدس على الطاولة”
المحلل السياسي السعودي حمود الرويس قال في حديث خاص إلى “اندبندنت عربية” إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتبع نهجاً حاسماً في التعامل مع الملف الإيراني منذ ولايته الأولى، فألغى الاتفاق النووي المبرم مع طهران وفرض عليها عقوبات صارمة، معلناً بوضوح رفضه أي برنامج نووي إيراني.
وأضاف الرويس أنه “خلال الولاية الثانية لترمب، وعلى رغم إعلانه السعي إلى إنهاء الحروب وتخفيف التوترات في المنطقة، لكن المواقف الإسرائيلية الأخيرة في شأن تغيير شكل المنطقة وتصريحاتها عن توجيه ضربات عسكرية ضد منشآت نووية إيرانية، دفعتا واشنطن إلى تبني مقاربة مزدوجة تتمثل في التحرك دبلوماسياً لكن مع التلويح بالقوة”، موضحاً أن إرسال المبعوث الأميركي ويتكوف، المعروف بخلفيته في العقارات لا السياسة، جاء بعد تهديدات أميركية ضمنية بالتصعيد العسكري، وقال إن ويتكوف دخل المفاوضات مع إيران بـ “المسدس على الطاولة” بتكليف مباشر من ترمب لفرض معادلة واضحة وهي لا برنامج نووياً في إيران في مقابل وقف التصعيد العسكري، وسبق ذلك، بحسب الرويس، سلسلة من الإجراءات الأميركية لتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، من غزة ولبنان إلى العراق واليمن.
وأضاف المحلل السعودي أن التهديد باستخدام القوة بات وسيلة ضغط رئيسة في مفاوضات واشنطن مع طهران يفعّل كلما تعثرت المحادثات، كما ظهر في خطوة سحب الموظفين غير الأساسيين من البعثات الأميركية في المنطقة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع شن حرب شاملة من دون موافقة الكونغرس، لكنها تحتفظ بحق الدفاع عن قواعدها العسكرية ومصالحها، ومؤكداً أنه في حال أقدمت إسرائيل على توجيه ضربات لإيران فإن الأخيرة قد تستهدف القواعد الأميركية التي تتمركز في كل من قطر والبحرين والعراق، باعتبارها جزءاً من الدعم غير المباشر لتلك العمليات.
اندبندنت