ظاهرة الخوف السياسي والكُرد
فرهاد شيخو
يقول الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، فى خطابه الأول بعد تولّيه الرئاسة العام ١٩٣٣: “الشىءُ الوحيدُ الذى علينا أن نخافَه، هو الخوفُ ذاته، لأنه بلا اسم، بلا عقل، بلا مبرر، مجردُ رعبٍ يشِلُّ طاقاتنا التي نحتاجُ إليها ؛ فنحاول التراجع”
حيث أنّ الخوف هو “الشعور الناجم عن الخطر أو التهديد المتصور ، ويعدُّ الخوف استجابة طبيعية للظروف المحيطة بالإنسان ، وهذه الاستجابة بدورها تقود الإنسان إلى الكثير من السلوكيات في العقل اللاواعي تساعده على مواجهة الخوف أو التعامل معه بحذر.
والخوف ،من حيث علم النفس ، هو قلق عصبي أو عصاب نفسي يساور المرء، لا يخضع للعقل تصعب السيطرة عليه أو التحكم فيه وهو عملية نسبية يتفاوت فيها الناس تبعاً للعوامل البيئية والجسمية والنفسية التي يمرّون بها.
يعدّ الخوف المرضي أو ما يُسمّى بـ”الفوبيا” أو “الرهاب” اشدها برحاً هو حالةٌ تشيرُ إلى الخوفِ المُفرطِ والمبالغ فيه تجاه موضوع أو شيء أو موقفٍ معيّن، حيث يَشعرُ الشّخص عند مواجهة هذا الشيء أو هذا الموقف بأنّه فاقد للسيطرة على هذا الإحساسِ بالخوف ولا يستطيع التوقف أو التحكم به أو تقليل ذُعره، علماً بأنّ هذا الخوفُ مُرتبط بمثيرات متنوّعة تؤدّي إلى حدوثه، حيث يقول المخرج السينمائي ألفريد هيتشكوك: “الانفجار لا يرعب، إنما انتظار حدوثه”.
لكنّ ثمة مخاوفَ مرضيةً نمطيةً سجّلتها الموسوعةُ السيكولوجية تضمُّ ستمائة نوعٍ من الفوبيا، Phobia. وهى كلمة إغريقية تعني «الرُّهاب»، وهو الدرجة العُليا من الخوف المَرضيّ. وكلّ الملحقات التى تتصل بها مفردات إغريقية كذلك.
رهابُ الأماكن الضيقة Claustrophobia، الأماكن الواسعة Agoraphobia، المرتفعات Acrophobia، وغيرها. وبعضها شاذٌّ عجيب، مثل رهبة أشياء محببة للنفس؛ مثل الخوف من الزهور Anthrophobia، من الذهب Aurophobia، من العدالة Dikephobia، من سماع الأخبار السارّة Euphobia، من المعرفة Gnosiophobia، من سماع الموسيقى Melophobia!!!
ويرى أرسطو وبعضُ فلاسفةٍ آخرينَ أنّ القلق شكل من أشكال الخوف، ولكنه خوف من مجهول، من عدوٍ متخفٍ، وخطرٍ غير واضح، فيما يرى داروين -من وجهة نظر تطورية- أنّ القلق/استشعار الخوف يساعد الفرد على التكيف مع المخاطر والتهديدات المحتملة، فيقوم بتوجيه الفرد إلى توقع المخاطر ويعمل كإنذار مبكر للكوارث.
اكتشف داروين أنّ البشر ابتكروا وسائل للتعبير عن الانفعالات مثل الخوف والقلق للتعامل مع التهديدات البيئية، وتنبيه الآخرين من المخاطر المحتملة مثل تعبيرات الوجه والإيماءات وحركات الجسد ونبرة الصوت.
لذا لا يُمكن أن يُجمح طريق الإنسان إلى النجاح سوى الخوف بذاته ..
يقول “إدموند بيرك” إنه لا توجد عاطفة تستطيع أن تسلب العقل قدرته على التصرف والتفكير مثل الخوف.
ويمكننا التأكيد بأنّ ظاهرة الخوف متجذّرة في نفوس البشرية و خاصةً الشعوب الشرق أوسطية وذلك نتاج البيئة القمعية المفرطة والغير صحية عدا عن عدة أسباب أخرى منها الدينية والاجتماعية والأسروية .
و بالرجوع إلى السلطات القمعية الدكتاتورية التي مارست أشد أنواع الترهيب النفسي والجسدي مع شعوبها ، لهذا السبب يرى بأنّ الجماهير المقهورة سلطوياً تنصاع لبروباغندا الخوف وترفض تغيير المنظومة السياسية طالما لديها ما تخاف منه ( التصفية الجسدية – الاعتقال – النفي – القتل العام … الخ )
وهذا ما يحدث مع الشعب الكُردي أيضاً أسوةً بباقي شعوب المنطقة ولكن حدة القمع كانت عليه أشد فتكاً ولا سيما منع عليه منعاً تاماً اسمه وعلمه وانتماءه ولغته من قبل الأنظمة الشمولية المتحكمة في أجزائه الأربعة . فالخوف والاستهداف من نفي الحياة لدى الكُرد شعوران عميقان بأنهم معرّضون دوماً للمجهول لذا يعايشون واقعاً غير طبيعي يتسم بالقلق اليومي .
لذا من الضرورة أن يتبادرُ إلى ذهن أي شخص عند وجود خطر يحدق به هو حماية نفسه وخاصةً إذا كانت فوهة البندقية موجّهة لصدره من عدوٍ لا يرحم .
و لكن و رغم هذا الكم الهائل من الممارسات القمعية بحقه و عدم نيل حريته استطاع الشعب الكُردي أن يقوم بعشرات الثورات و يدفع بخيرة شبابه للاستشهاد في سبيل تحرره من آلات القمع المختلفة .
إنّ سياسة الترهيب وصنع سيكولوجيات عامة للخوف قد تؤثّر حين تقنع الجماهير بالتخلي عن هامش من حريتها و هنا يأتي دور الأحزاب التقدمية و حركات حقوق الإنسان لتقوم بواجبها و تقنع الجماهير بأحقية نضالها لكسر حاجز الخوف .
و أيضاً تطور ونجاح أي شخص والعيش حياة صحية يبدء بالبوح بشجاعة عن مكامن الخوف لديه ومن ثم البدء بعملية القضاء عليها ومعالجتها.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “315”
