عبدالباسط سيدا: مشروع PYD يتجه نحو الفشل نتيجة التذمر الشعبي
Yekiti Media
تناول السياسي الكُـردي الدكتور عبدالباسط سيدا، في لقاء حصــري مع يكيتي ميديا حول الوضع الحالي للأزمة السورية، مشيراً إلى أنّ السوريين قد فقدوا زمام المبادرة، سواءً من جانب النظام أم من جانب المعارضة. وقد تحوّلوا إلى مجرد واجهات تضليلية لمشاريع الآخرين، وأكــد أنّ المشروع الذي تبنّاه حزب العمال الكُردستاني عبر حزب الاتحاد الديمقراطي في طريقه نحو الفشل، ليس بفعل الضغوط التركية، وحصيلة التوافقات التي تمّت حتى الآن سواءً بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا حول المنطقة الآمنة، أو بين الروس والإيرانيين والنظام، وإنما نتيجة التذمر الشعبي في الوسط الكُردي قبل العربي.
س١: الأزمة السورية تجاوزت الثماني سنوات ، ومحطات دولية عدة لم تحرز أيّ تقدمٍ ملموسٍ على صعيد معاناة الشعب السوري، ويصف بعض المراقبين المشهد السوري بحالة الانهيار السياسي…برأيكم دكتور إلى أين يتّجه مسار الأزمة ؟ وماهي الخطوات الممكنة لإنقاذ مايمكن إنقاذه في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بمسؤولياته ؟
ج1. ربّما يكون مصطلح الأزمة السورية مناسباً لتوصيف الوضعية الراهنة التي تخيّم على سوريا، وتتأثّر بها، وتتفاعل معها، مجتمعات ودول المنطقة. فما تعيشه سوريا في يومنا هذا يتمثّل في ثورةٍ لم تكتمل، ونظام لم ينتصر، وذلك لأسباب كثيرة، يمكننا أن نتناولها بالتفصيل في مناسبة أو مناسبات أخرى.
إلا أنّ الأمر الأساسي في اللوحة برمتها، هو أنّ السوريين قد فقدوا زمام المبادرة، سواءً من جانب النظام أم من جانب المعارضة. وقد تحوّلوا إلى مجرد واجهات تضليلية لمشاريع الآخرين، أو أدوات، يُستعان بها وقت اللزوم لتمرير وتسويق التوافقات الإقليمية والدولية باسم السوريين.
وما يزيد الوضع تعقيداً هو عدم وجود أحزاب وطنية سورية قوية، تمتلك مصداقية شعبية ونضجاً سياسياً ووطنياً. أحزاب كان عليها أن تأخذ بعين الاعتبار واقع التنوّع السوري، وتتوقّف عند أسباب انطلاقة الثورة، وعوامل تعثّرها؛ كما تمعن جيداً في طبيعة الآثار التي خلّفتها الحرب على مختلف الجبهات، وبصورة أساسية الحرب التي أعلنها النظام على الشعب، ودخول الفصائل المتشددة على الخط.
الأمر الآخر الذي كان من شأنه أن يخفّف بعض الشيء من وطأة عدم وجود الأحزاب المُشار إليها، يتمثّل في نشاطٍ فاعلٍ كان من المفروض أن تقوم به النخب السورية، وتعمل على خلق حالة وطنية جامعة، تطمئن الجميع.
المجلس الوطني السوري كان بداية واعدة، إذ تشكّل بعد حوارات معمّقة بين السوريين أنفسهم. وكانت هناك إمكانيات لتطويره، وتوسيع قاعدته الشعبية، عبر ضمّ المزيد من القوى والشخصيات الوطنية إليه، وطمأنة السوريين ببرنامج وطني شامل واضح، لا يحتمل أي تفسير أو تأويل يمكن أن يقلق أي مكونٍ من المكونات السورية. ولكن بكلّ أسف بعض السوريين بأنفسهم ساعد القوى الإقليمية والدولية على التغلغل إلى مفاصل العمل الثورة السوري؛ وهكذا تشكّل الائتلاف، ، ودخلت إليه قوى وشخصيات بإرادات إقليمية ودولية، ومع الوقت ترك من كان السوريون يعوّلون عليهم استناداً إلى تاريخهم وتجاربهم ومواقفهم الائتلاف تباعاً، و تشكّلت، ثم تغيّرت هيئة المفاوضات بإرادات وحسابات دولية. حتى وصلنا إلى حالة فقدت فيها المعارضة كلّ قدرة على تحمّل المسؤولية والمبادرة.
ومن جانب النظام أيضاً لا توجد أية بوادر توحي بإمكانية أن يراجع نفسه، وحساباته، بعد أن تسبّب في تدمير البلد، وتهجير أكثر من نصف الشعب، وقتل نحو مليون إنسان . ووصل الاقتصاد إلى الحضيض. ومع ذلك يتحدّث هذا النظام عن الانتصار. ويتعامل مع السوريين بمنطق التشفّي، وعقلية الثأر، والتهديد والوعيد.
أمام هذا الواقع الأليم سورياً، لم يعد أمام السوريين سوى انتظار ما ستسفر عنه اللقاءات والتوافقات الإقليمية والدولية حول سورية. ولكن ما سيتمّ هنا سيكون بموجب حسابات ومصالح هذه الدول، ولن يكون للسوريين سوى الفتات الذي يسوّق عادة للتعمية، والتغطية على ما ستحصل عليه كلّ دولة من سورية أو في سورية. كالحديث المستمر عن اللجنة الدستورية، التي لن تغيّر في الصورة شيئاً، طالما أنّ النظام الأمني موجود، يمارس عمله كالمعتاد بدعم روسي إيراني.
السوريون إذا أرادوا انقاذ بلدهم، عليهم أن يستعدّوا لعملٍ شاقٍ طويل النفس، بعقلية وطنية جامعة، تسعى من أجل إيجاد الحلول الإبداعية للقضايا المعقّدة، عقلية تقطع من نزعات الحقد والكراهية والانتقام، ولا تكون أسيرةً للرؤى الدينية أو القومية أو الأيديولوجية المتطرّفة، سورية الجديدة التي خرج من أجلها السوريون، وضحّوا في سبيلها بالكثير لا بدّ أن تطمئن الجميع. وللوصول إلى هذا الهدف نحتاج إلى عمل وطني كبير يقوم به الشباب في المقام الأول، من جميع المكونات السورية، بعد أن يتمكّنوا من تجاوز المتسلّقين الانتهازيين، الذين وجدوا بكلّ أسفٍ ، في الثورة وهيئاتها مرتعاً، وميداناً لإشباع حاجاتهم وعقدهم الذاتية.
س٢: هل لازلتم تعوّلون على الحل السياسي كخيار ثابت لحل الأزمة السورية بالرغم من عسكرة المنطقة وبسط مناطق النفوذ من قبل أطراف دولية وإقليمية عدة ؟
ج2. من دون شك، يبقى الحل السياسي دائماً هو الحل الوحيد المنتظر. ولكن مَن هي الجهات التي ستتوافق على مثل هذا الحل؟ وما هي طبيعة وآفاق الحل السياسي؟
العمل الجاري حتى الآن هو بين الدول، أما دور السوريين الذي يظهرون في الخلفية هنا أو هناك فلا يتجاوز دور “الكومبارس” بكلّ أسفٍ . نحن الآن في مرحلة جديدة. مشروع الإسلام السياسي المتطرّف المسلّح فشل، ليس عسكرياً فحسب، وإنما شعبياً ووطنياً، بعد أن تبيّن للسوريين حتى في المناطق التي سيطر عليها هؤلاء على مدى سنوات. كما أنّ المشروع الذي تبنّاه حزب العمال الكُردستاني عبر حزب الاتحاد الديمقراطي هو الآخر في طريقه نحو الفشل، ليس بفعل الضغوط التركية، وحصيلة التوافقات التي تمّت حتى الآن سواءً بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا حول المنطقة الآمنة، أو بين الروس والإيرانيين والنظام، وإنما نتيجة التذمر الشعبي في الوسط الكُردي قبل العربي. فالتجنيد الإجباري “السفربرلكي”، وتدمير العملية التعليمية بشعارات برّاقة، وممارسات كارثية. هذا فضلاً عن حالات النهب المنظم بمختلف الأشكال لأرزاق الناس ومقدرات المنطقة، إلى جانب حالات القمع بكل أشكالها كلّ هذه العوامل أدّت إلى هجرة نحو مليون كُردي من المناطق الكُردية ، الأمر الذي ستترتّب عليه تبعات كبرى لن تكون في صالح الكُرد أبداً.
قد يكون هناك توافق إقليمي ودولي حول حلٍّ ما يراعي مصالح مختلف الأطراف الدولية، ولكن الحل الفعلي المطلوب، ما لم يكن بين السوريين أنفسهم عبر حوارات وطنية سورية حقيقية بين من يمثّلون فعلاً إرادة وتوجهات السوريين، ويمتلكون المصداقية والأهلية. فهؤلاء لو اجتمعوا بغضّ النظر عن عمق خلافاتهم، وتداولوا في مختلف القضايا والمشكلات بروحية المسؤولية الوطنية، ربما يكون في مقدورهم إنقاذ الوضع. أما ما نسمع عنه من لقاءات هنا وهناك سواءً ضمن الورش والمنتديات، والمؤتمرات المطبوخة على عجل، فكلّ ذلك ربما يساهم في تحريك الوضع، وتعريف الناس ببعضهم، ولكن كلّ ذلك لن يمكّننا من الوصول إلى الحل المطلوب. لأنّ هذا الحل يستوجب قرارات صعبة، لن يستطيع اتخاذها الا من يمتلكون أهلية كافية من جهة النضج وبعد النظر والشجاعة، والاستعداد لتحمّل المسؤولية، وتفضيل الصالح الوطني العام على كلّ ما عداه، وكلّ ذلك لا يمكنه الاستغناء عن المصداقية الشعبية التي هي بطبيتعها حالة تراكمية لا يمكن بلوغها بقفزة بهلوانية، أو بشعارات لم يعد يثق بها أحد.
س٣: المنطقة الآمنة في شرق الفرات أصبحت الحدث الأهم ، وهناك حراك دبلوماسي واهتمام وترقّب من قبل أطراف عدة ، كيف تنظرون إلى مستقبل هذه التفاهمات الأمريكية – التركية وانعكاساتها على المنطقة الكُردية ؟ وهل تركيا جادة بمزاعمها لإبعاد ب ي د أحد أجنحة حزب العمال الكُردستاني عن حدودها ؟أم الهدف أبعد من ذلك ويمسّ الوجود الكُردي في ظلّ مايتردّد حول عودة اللاجئين من تركيا واسكانهم في الكريدور الآمن و بالتالي تغيير ديمغرافي للمنطقة الكُردية ؟
ج3. المنطقة الآمنة ما زالت غير واضحة المعالم. هناك اتفاق مبدئي عام تمّ التوصّل إليه بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا حول الموضوع. غير أنّ هناك تفاصيل كثيرة ستأخذ الكثير من الوقت، وربما تتسبّب في الكثير من الخلافات. إلا أنه في جميع الأحوال لا أعتقد أنه سيكون هناك تحرّك تركي منفرد، يتجاوز رغبة وإرادة الولايات المتحدة، في حال عدم التوصّل إلى تفاهمات، والإتفاق حول الخطوات العملية التفصيلية. أما التصريحات التي نسمعها هنا وهناك فهي غالباً تكون لمخاطبة الرأي العام الداخلي، ووسيلة من وسائل التشدّد بغية تحسين شروط الصفقة.
تركيا تعلن أنّ مشكلتها هي مع حزب العمال الكُردستاني وليس مع الكُرد ، ونحن نأمل ذلك. بالنسبة إلى حزب العمال الكُردستاني ، معروف لدى الجميع أنّ مشكلته مع تركيا، وساحته هي في كُردستان تركيا. ولكن المشكلة أن هذا الحزب قد استغلّ عدالة القضية الكُردية السورية، واتّخذها ذريعةً للسيطرة على المناطق الكُردية في سوريا. بدايةً دخل إلى تلك المناطق بناءً على اتفاقيات أمنية مع النظام السوري نفسه، وبالتفاهم مع الإيرانيين. واليوم أصبح نتيجة عوامل عدة، جزءاً من التحالف الدولي ضد داعش، وأيضاً بناءً على توافقات أمنية عسكرية.
و لايُنكر هنا أنه استقطب الكثير من الكُرد السوريين، خاصةً من الشباب لأسباب عدة منها: الحماس، ومنها الجهل، ومنها اليأس، ومنها المصلحة، ومنها القراءة الخاطئة…الخ
الحل ليس سهلاً لمعالجة هذا الموضوع. ربما يكون الحل المركّب هو المناسب. أن تجري عملية فك ارتباط بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال، على أن تتحمّل القيادات السورية مسؤوليته، وتكون بالفعل صاحبة القرار وليست مجرد واجهة. وفي المقابل تعمل الحكومة التركية على إعادة الحياة إلى العملية التفاوضية مع حزب العمال من أجل الوصول إلى حل عادل سلمي للقضية الكُردية في تركيا، و سيكون ذلك في مصلحة تركيا أولاً و في مصلحة الكُرد في تركيا وفي العراق وفي سورية، وأمر من هذا القبيل سيساهم في تحقيق المزيد من الاستقرار والأمان في المنطقة.
أما بالنسبة إلى التغيير الديموغرافي، خاصةً يمنطقة الجزيرة أعتقد أنه قد حصل بهذه الدرجة أو تلك نتيجة هجرة مئات الآلاف من الكُرد لأسباب كثيرة، تتحمّل سلطات الـ ب. ي. د قسطاً كبيراً من مسؤوليتها.
ولكن في جميع الأحوال، نرى أنّ السوريين ليسوا مجرد كتلة بشرية تقوم هذه الدولة أو تلك بالتخلّص منها من أجل حسابات داخلية، هذا بغضّ النظر عن الشعارات والادعاءات “المهذّبة” التي تُسوّق من أجل تسويغ وضعية غير قابلة للتسويغ. السوريون ليسوا مجرّد أرقام . وإنما كائنات بشرية، لها تاريخ وخصوصية وبيئة، لها تطلّعات وحقوق، ولا يمكن حل قضية اللاجئين السوريين من دون معالجة الأسباب التي أدّت إليها، والعوامل التي أرغمتهم على ترك أراضيهم ومزارعهم ومساكنهم ومصالحهم. ومن الطبيعي أن يعود هؤلاء إلى أماكنهم التي هجروا أو هُجّروا منها. وإلا فإنّ الوضعية المعقّدة أصلاً ستزداد تعقيداً. أما الشعارات القوموية المتطرفة التي نسمعها هنا وهناك، فهي لم ولن تخدم السوريين، وإنما هي مجرد أدوات لتمرير مشاريع الآخرين التي لا تراعي مصالح السوريين كلّ السوريين بعين الاعتبار. فالمشكلة في سورية ليست بين العرب و الكُرد كما يحلو لبعضهم تسويقها، أو دفع الأمور نحو ذلك. وإنما هي بين العرب و الكُرد وسائر المكوّنات السورية وبين النظام الذي أوصل البلاد إلى هذه الحالة الكارثية. من دون معالجة هذه المسألة المحورية، تبقى كلّ الحلول الآخرى مجرّد ترقيعات تغطّي على حسابات الدول التي لا تعطي أي قيمة لتضحيات وتطلّعات السوريين.
عبد الباسط سيدا من مواليد عامودا عام 1956 ، متزوج وله ابن وأربع بنات، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة دمشق، يقيم منــذ العام 1994 في دولة السويد، وشارك في تأسيس المجلس الوطني السوري في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وكان عضوا في المكتب التنفيذي للمجلس ورئيس مكتب حقوق الإنسان فيه، و انتخب في 10 يونيو/حزيران 2012 رئيسا للمجلس الوطني السوري.