آراء

عفرين جرح سوري نازف وصمت لافت

عبدالباسط سيدا

التقيت في الآونة الأخيرة بصديق عفريني، تعرض مع أقربائه نتيجة مساندة الثورة السورية منذ اليوم الأول لقمع كبير من جانب ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (ب. ي. د.)، وشمل ذلك الاعتقال والتعذيب والتغييب.

وكان التواصل بيني وبين هذا الصديق مع بداية المحنة العفرينية بصورة شبه يومية، يطلعني على تفاصل الأوضاع هناك، ونتبادل الآراء حول ما يمكن القيام به للتخفيف قدر الإمكان من معاناة الأهل في منطقة عفرين.

وكان الاتفاق بيننا هو أن نعمل مع الأصدقاء من أجل دعوة الذين لم يغادروا منازلهم إلى البقاء، والسعي من أجل إقناع من غادر بضرورة العودة، والحفاظ على ممتلكاتهم، وتحاشي النزوح وشجونه.

ما لاحظته في لقائي الأخير بصديقي المشار إليه هو الاحباط، وفقدان الأمل بالنسبة إلى مستقبل عفرين. فالمنطقة تتعرض لظلم منقطع النظير. هناك عمليات سيطرة على بيوت الناس وومتلكاتهم، وعمليات شرعنة لقيام المسلحين باقتطاع حصص من مواسم الزيت والزيتون تحت ذريعة تأمين الأمن، والكل يعلم أن الفوضى الأمنية التي تشمل عمليات الخطف والسرقة والنهب وارغام الناس على دفع الفدية، كل هذه العمليات وغيرها تتم تحت رعاية  الفصائل المسلحة.

رواية صديقي العفريني الكردي حول عفرين أكدها صديق عربي سوري، عمل على مدى سنوات في عفرين نفسها، واطلع من موقعه الوظيفي الفاعل المؤثر على واقع المنطقة وجغرافيتها ومكوناتها واقتصادياتها. ما أخبرني به الصديق العربي هو أنه لم يكن يعرف شيئاً عن الكرد وقضيتهم في سورية قبل عمله في عفرين. وفي الوقت ذاته عبر عن سخطه الشديد لما يجري هناك، وأردف قائلاً: من كان يتصور أننا سنصل إلى هذا الوضع. شاركنا جميعاً في ثورة شعارها الحرية والكرامة والعدالة، وها نحن نواجه مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق، يسوّقون أنفسهم على أنهم يمثلون الثورة والثوار. اي ثوار هؤلاء إذ كانوا قد اتخذوا من عمليات الخطف والنهب والاستيلاء على أرزاق الناس ومساكنهم ممارسات يومية، يتصارعون في ما بينهم على حقوق الآخرين ولقمة عيشهم؟

ما يجري في عفرين لا ينفصل عما جرى، ويجري، في بقية المناطق السورية. فقد كانت هناك تجاوزات في مناطق الغوطة وحلب، وما زالت موجودة في منطقة ادلب.

ولكن الذي يستوقف في موضوع عفرين، هو أن ” ثوار الغنائم” يسوغون استباحاتهم وتجاوزاتهم  تحت شعار معاداة الـ ب. ي. د.، وبذريعة أن المنطقة كانت تحتضن أنصار هذا الحزب، في حين أن الجميع يعلم أن المنطقة كانت ضحية سيطرة الحزب المذكور وتجاوزاته، تماماَ كما كانت الرقة وغيرها من مناطق شرقي الفرات اسيرة الدواعش العلنيين والمقنعين. وبناء على هذا لا يمكننا ولا يجوز، باي شكل من الأشكال معاقبة الكرد بجريرة ممارسات هذا الحزب، كما لا يجوز أبداً معاقبة العرب السنة بجريرة أفعال وجرائم الدواعش.

فالحزب المعني ( ب. ي. د.)  قد اتخذ من الورقة الكردية السورية، والقضية الكردية العادلة في سورية، وسيلة للدخول والتدخل في المناطق الكردية السورية، وذلك بموجب تفاهمات واتفاقيات أمنية مع النظام. وقد مارس كل أنواع القمع ضد الكرد قبل غيرهم في المناطق المعنية، وكان الهدف هو إرغامهم على الصمت أو الرحيل. وهذا ما صرح به قياديو هذا الحزب في أكثر من مناسبة.

وبعد أخراج قوات الحزب المعني من منطقة عفرين من قبل القوات التركية التي دخلت بناء على تفاهمات دولية، اعتقد أهالي المنطقة أن  ادارة شؤون المنطقة ستسلم إلى ابنائها، بعد توفير الأمن والأمان لهم. ولكن الذي حدث هو العكس تماماً. فقد بدأت الفصائل المسلحة -التي ادعت من دون وجه حق بأنها من الجيش الحر- بممارسة كل الأساليب المنبوذة من أجل الهيمنة على ممتلكات أهالي المنطقة وأرزاقهم، الأمر الذي دفع بالكثيرين نحو ترك مساكنهم وديارهم، ليحل محلهم آخرون يدعون بأنهم طلاب الحرية والكرامة. ولكنهم يمارسون الظلم، ويسيئون إلى كرامة أبناء الوطن.

ما يجري في عفرين من تجاوزات – يعمل بعضهم على شرعنتها بقواعد غير مكتوبة-  لا يخدم المشروع الوطني السوري الذي لا نرى غيره حلاً لجملة المشكلات التي عانى منها السوريون على مدى عقود، وقد أصبحت معاناتهم أقسى وأمرّ بعد نحو ثمانية أعوام من الجرائم والتدمير والتهجير.

وما نود تأكيده في هذا السياق، هو أنه ليس بالامكان القطع مع سلطة الاستبداد التي مارست الاقصاء والتهميش والاضطهاد ضد جميع السوريين ما لم نقطع مع المنظومة المفهومية التي رسختها هذه السلطة؛ وما لم نتفوّق أخلاقياً على هذا السلطة من خلال القطع مع ممارساتها واجراءاتها. أما وأن نمارس ما هو أسوا مما فعله، ويفعله، النظام، فهذا يثير الكثير من المخاوف والتساؤلات المشروعة.

وبالانسجام مع ذلك، نرى أن المؤسسات الرسمية للمعارضة مطالبة برفع الصوت عالياً لإدانة ما يحصل، والعمل على معالجة الأوضاع هناك عبر إعادة الحقوق إلى أصحابها.

كما أن السلطات التركية الموجودة في المنطقة، أو تلك التي تمتلك المقدرة على التأثير في مجريات الأمور في منطقة عفرين، مطالبة بالتدخل لوضع حد لتجاوزات الفصائل المشار إليها، وهي تجاوزات مقيتة باتت موضع استهجان وتنديد جميع اصحاب الضمائر من السوريين.

وفي المنحى ذاته، نرى أن الواجب الوطني يلزم المفكرين والاعلاميين والمثقفين السوريين الحريصين على مصلحة بلدهم وشعبهم بضرورة رفع الصوت عالياً من خلال مواقف جماعية أو حتى فردية علنية لإدانة ما يجري في منطقة عفرين، إذ لم تعد الأحاديث الشخصية والتعبيرات الوجدانية المجاملاتية البينية كافية لتحديد الموقف من كل الممارسات الهمجية التي يتعرض لها سكان عفرين منذ نحو عام.

الوطن الذي نتطلع إليه هو الذي يكون بالجميع وللجميع، ولا يمكن لوطن كهذا أن يضمن الحرية والكرامة والعدالة، والمستقبل الأفضل لأجيالنا المقبلة، ما لم نقطع مع مركبات ونزعات التشفي والحقد والانتقام.

جيرون

جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى