آراء

عندما يكون المعارض من نفس ثوب النظام

شاهين أحمد

نشر السيد ” نصر الحريري ” رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على صفحته الرسمية مايلي ” الاتفاقيات مع الميليشيات الإرهابية الانفصالية – المقصود هنا مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي pyd كونهم من المكون الكُردي داخل قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) – تجعل مبرميها – المقصود هنا المجلس الوطني الكُردي ENKS الذي يجري حواراً برعاية وإشراف الولايات المتحدة الأمريكية – في صف تلك الميليشيات وتشكّل خطراً على وحدة سوريا ومسار الحل السياسي فيها والرعاية لهكذا اتفاقيات – المقصود هنا الولايات المتحدة الأمريكية كجهة راعية – تحمل موافقة ضمنية على جميع انتهاكات pyd الإرهابية من تجنيد الأطفال إلى القتل والتهجير والاعتقال والقتل تحت التعذيب ( انتهى منشور الحريري ) .

من الأهمية بمكانٍ الإشارة هنا بأنّ الحريري ليس أول شخص يرتكب هكذا أخطاء ، كما أنّ هذه ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها نشر هكذا كتابات مسمومة من جانب شخصيات من” معارضي الصدفة ” الذين تصدّروا المشهد وتسلّقوا على دماء الأبرياء والشرفاء بعد انطلاقة الثورة السورية في آذار 2011، والمؤسف أن جميع من ارتكبوا هكذا حماقاتٍ كانوا من المتصدّرين للمواقع الرسمية الهامة في منصات المعارضة السورية المختلفة ، حيث تابع أبناء الشعب الكُردي في سوريا وخلال قرابة عقد من عمر الثورة السورية ببالغ الاستهجان والاستغراب هذه النوعية من الكتابات والتصريحات التي صدرت من غالبية الشخصيات المنتمية للمكون العربي السني ممن تصدّروا المشهد المعارض وكان آخرها من رئيس الائتلاف ” نصر الحريري ” ، تلك التصريحات الصادمة التي افتقرت إلى المسؤولية والموضوعية تجاه ما يجري من حراك كُردي – كُردي ، وبدلاًً من الإشادة بتلك الحوارات التي أحد أطرافها – المجلس الوطني الكُردي – هو شريك في نفس المنصة التي يترأسها الحريري ، هذه الحوارات التي تجري برعاية علنية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبدعمٍ كامل من قبل فرنسا وبريطانيا وكافة الدول المشاركة في التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش الإرهابي ، هذا التحالف الذي يعتبر من أهم أصدقاء الشعب السوري والمعارضة السورية ، لأنه لولا هذا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لكانت سوريا والعراق وربما دول أخرى في المنطقة تحت سيطرة الإرهاب الداعشي الأسود ، وجدير ذكره أن المجلس الوطني الكُردي يقوم بوضع الشركاء في الائتلاف بصورة ما يجري في تلك الحوارات سواءً الحوارات الكُردية – الكُردية ، أو الحوارات المكوناتية باستمرار، تلك الحوارات التي تهدف إلى تعزيز دور الكُرد في المعارضة السورية ، وتقوية جبهتها الطامحة لإنجاز مهمة التخلص من الاستبداد وبناء نظام ديمقراطي من خلال العملية السياسية التي تجري في جنيف برعاية الأمم المتحدة ووفق القرار 2254

وهنا يقع الحريري في نفس أخطاء من سبقه من خلال إطلاق الاتهامات ، وتوزيع الإهانات، والاستمرار في نهجٍ وخطاب يتناقضان تماماً مع أسس الشراكة ، وبدلاً من الإشارة إلى مالحق بالشعب الكُردي في سوريا من ظلم و اضطهاد وسياسة تعريب وتغيير ديموغرافي بشكلٍ ممنهج ومدروس جراء المشاريع العنصرية من قبل البعث طوال ستة عقود ، يقوم الحريري بتكرار نفس الأسطوانة المشروخة التي كان يردّدها رموز البعث ، وينتهج بكلّ وضوح سياسة الإقصاء وتشجيع التعريب التي تمارسها الفصائل الراديكالية في عفرين وكري سبي ( تل أبيض ) وسري كانييه ( رأس العين ) استمراراً و استكمالاً لسياسات نظام البعث الشوفيني . بيد أن الذي جعل الكُرد يشعرون باستياء واستغراب أكثر من هذه التصريحات المثيرة للكراهية والاشمئزاز، أنها تأتي من شخصٍ يترأس الإطار الأهم للمعارضة الرسمية !. وفي الوقت الذي عبّر فيه أبناء الشعب الكُردي عن استنكارهم و استغرابهم لهذه التصريحات الإشكالية يؤكّدون من خلال حركتهم التحررية الكُردية بأن هكذا تصريحات ليست مرفوضة فقط بل أنها لا تخدم بأي شكل من الأشكال أسس الشراكة التي يقوم عليها المشروع الوطني السوري التغييري الشامل ، وبالتالي ” الحريري ” مطالب بالكف والتراجع عن هذه التصريحات المثيرة للانقسام والكراهية ، وتحمّل مسؤولياته السياسية والوطنية والأخلاقية ، ومخاطبة السوريين من خلال خطاب وطني جامع ، ومغادرة حقول البعث العنصري الذي كان وراء الانقسام والشرخ المجتمعي.

ولكن يبدو أن ” الطبع يغلب التطبع ” أمس كانت تغريدته الإشكالية المذكورة ، ولاحقاً يقوم وبقرار فردي في تغيير ممثل المجلس الوطني الكُردي في هيئة التفاوض بشخصٍ آخر دون استشارة المجلس !. في خطوة خطيرة ومتسرعة من شأنها نسف أسس العمل الوطني المشترك ،هذه الخطوة المرفوضة التي تعدّ جنوحاً قاتلاً نحو الفردية والديكتاتورية ، ضارباً عرض الحائط بالوثيقة الموقّعة بين المجلس والائتلاف ، وخروجاً على أسس وضوابط العمل المؤسساتي في إطار الائتلاف ذاته .سبق لنا وفي مساهمات سابقة أن ألقينا الضوء على بعض الثغرات التي تعاني منها أسس الشراكة الوطنية ، وكذلك المشاريع التي أنتجت هكذا نماذج والتي كانت سبباً في تخلف ومعاناة شعوب منطقتنا ، وجعلت المنطقة حاضنة دافئة للأنظمة الدكتاتورية ، وضعيفة أمام حملات الغزاة وتدخلات الطامعين في خيراتها ، وحرمت شعوبها من التمكين والدفاع عن نفسها . وجدير ذكره هنا أن الأسلمة السياسية والبعث العنصري هما المشروعان اللذان أوصلا المنطقة إلى هذه الحالة من الإنقسام والدمار.

والجديد الذي أريد أن ألفت انتباه القراء الأعزاء إليه هو ” الهجين ” الناتج عن التزاوج بين البعث الشوفيني والأسلمة السياسية المتطرّفة ، والكوارث التي تنتظر المنطقة وشعوبها من انتشار هذا المولود المشوّه ، وخاصةً أن المناخات باتت مهيأة تماماً . ما يستنتج من مواقف الحريري وقراراته أنها تأتي في سياق نفس العقلية الشوفينية التي تعتبر قضية الشعب الكُردي في سوريا ، قضية مجموعة مهاجرين من تركيا ، يسعون لاقتطاع جزء من سوريا العربية وإلحاقها بدولة أجنبية !. في جهلٍ تام لتاريخ المنطقة وجغرافيتها ، وكذلك للاتفاقيات الدولية بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى والتي بنتيجتها تم تقسيم كامل المنطقة ، ومن جهة أخرى تعتبر قراءات الحريري قفزاً على المشهد السياسي السوري العام ، وموقع الكُرد ودورهم وثقلهم في سوريا المستقبل ، وبمنتهى الحماقة يصف الجهة الراعية لهذه الحوارات المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها شريكة في الإرهاب والقتل …إلخ . والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاحٍ هنا : إلى أي درجةٍ سيتمكّن شخص بهذه العقلية أن يقود مشروعاً وطنياً سورياً جامعاً وبديلاً لنظام البعث ؟.

ما أسباب ظهور هذه النماذج السيئة وتصدرها للمشهد السياسي المعارض ؟.

بدون أدنى شك هناك جملة عوامل منها ذاتية تتعلّق ببنية مجتمعاتنا التي هي في جوهرها مجتمعات قبلية وعشائرية محكومة بموروث ديني جامد غير قابل للتجديد ، وتسودها ثقافة المجتمع الأهلي المتخلفة ، وتعاني من ضعف ثقافة ومؤسسات المجتمع المدني ، وغياب شبه تام لأسس المجتمع الوطني ،ومنها ما تتعلّق بالعوامل الموضوعية التي تشجّع بقاء هكذا نماذج في مواقع مؤثرة لديمومة التخلف والصراع والحروب ، وكذلك فشل المعارضة المسيطر عليها من طرف “المولود الهجين ” في صياغة مشروع وطني سوري جامع ومختلف عن مشروع البعث الحاكم ، وعدم جدية غالبية أجنحة الأسلمة السياسية في العمل من أجل إسقاط النظام ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد هنا ما يلي : ” تحت بند المصالحات قام مايسمّى بجيش الإسلام بتسليم أسلحة كانت كافية للسيطرة على كامل مدينة دمشق ، وسقوط العاصمة يعني سقوط النظام ، وكافة المباني الحكومية والقصور الرئاسية كانت في مرمى ذاك الجيش وتلك الأسلحة ، فبدلاً من السيطرة على العاصمة استسلم الجيش المذكور وغيره وتوجّهوا إلى الشريط الشمالي حيث مناطق كُردستان سوريا ، وشاركوا في الهجوم على المناطق الكُردية و ارتكبوا مجازر وقاموا بعمليات التطهير العرقي من خلال تهجير الكُرد ونهب ممتلكاتهم ، وخطف أطفالهم ونسائهم ، وفرض الآتاوات على من تبقّى منهم ، وخلق كافة المناخات والظروف التي من شأنها دفع الكُردي لترك منطقته وممتلكاته والنزوح إلى المجهول .

لماذا كلّ هذا التهجّم على المجلس الوطني الكُردي؟.

من الأهمية بمكان التذكير هنا بأن هناك جهات وأطراف عديدة – في مقدمتها نظام البعث الشوفيني وحلفائه وأجهزته الأمنية – لا تريد الخير للشعب الكُردي ، ويجاهدون لدوام الظلم والإضطهاد الذي يتعرّض له ، ويعملون لحرمانه من حقوقه القومية والديمقراطية في سوريا المستقبل ، لذلك نراهم يتهجّمون ليلاً ونهاراً على الحركة التحررية الكُردية بشكل عام والمجلس الوطني الكُردي بصورة خاصة ،وهناك أيضاً شريحة من المعارضة ومن مختلف المكونات السورية يتوجّسون خيفة من أن التقارب بين المجلس والاتحاد الديمقراطي قد يؤدّي بالمجلس إلى الابتعاد عن المعارضة، لكن في الواقع أن الهدف من كل تلك اللقاءات هو تعزيز دور الكُرد في خندق الشعب والمعارضة ، وإضعاف خندق النظام، وهذا ما أكّده المجلس الوطني الكُردي في أكثر من موقف ومحطة، وكذلك ماتمّ التأكيد عليه بتاريخ الـ 16 من يونيو / حزيران 2020 من قبل طرفي الحوار الكُردي وبحضور الراعي الأمريكي عند الإعلان عن مسودة التفاهم السياسي . طالما أن المرحلة هي الأصعب على السوريين ، الجميع مطالب بالإستمرار في تحمّل مسؤولياته بالشكل المطلوب، ومواجهة الحقيقة كما هي، ومن هذا المنطلق يواصل المجلس الوطني الكُردي الحوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي مدركاً تماماً علاقات الأخير وتحالفاته وإرتباطاته، أملاً في الوصول إلى تفاهمات وتوافقات من شأنها إنقاذ ماتبقى، وكل الحريصين مطالبون بالوقوف إلى جانب المجلس في هذه المهمة الوطنية والقومية النبيلة، كي يتمكن المجلس من بناء أرضية سليمة من شأنها التأسيس مع شركاء الوطن ومن مختلف مكونات الشعب السوري ، لمرحلة جديدة في حياة السوريين، وأكّد المجلس دائماً بأنه لن يكون هناك ” قفز ” على الثوابت الوطنية والقومية في أية تفاهمات أو اتفاقيات قد تنبثق عن هذه اللقاءات، وبدون أدنى شك أن أي اتفاق بين ENKS و PYNK، سيكون شاملاً من النواحي السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية والاقتصادية … إلخ. وسيشكّل الأساس والأرضية لبناء مرجعية كُردية سورية شاملة لكافة الأطراف والفعاليات المختلفة، ومن ثم التوافق مع كافة مكونات المنطقة على صيغة جامعة وعلى قاعدة الشراكة الوطنية والتوافق والتوازن، والإقرار بحق الجميع ووفق نسبها، ومراعاة هواجس الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، والتأكيد على الخصوصية الكُردية السورية، ولبنةً أساسية في المشروع الوطني السوري التغييري الشامل والهادف لإعادة إنتاج جمهورية سورية اتحادية ونظام ديمقراطي على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى