آراء

عن الإنكار الذي لم يعد يفيد!

هوشنك أوسي
الناظر في أحوال الأنظمة والأحزاب والجماعات السياسيّة في الشرق الأوسط والعالم، من دون استثناء، ومن يقيس مستويات التهرّب من الحقائق الدامغة التي تدينها، يخلصُ إلى نتيجة مضادة للقاعدة القانونيّة التي تقول: «الاعتراف سيّد الأدلّة»، بحيث يصبح «الإنكار سيّد الأدلّة». ذلك أن النظم الاستبداديّة والأحزاب والجهات التي من طينتها، والتي تزاحمها على السلطة، دأبت على إنكار مشاكلها، تهرّباً من إيجاد حلول لها، بحيث أصبح هذا الإنكار خصلة أصيلة متأصّلة في تكوين أي نظام استبدادي أو جهة سياسيّة استبداديّة. وعليه، من العجب أن تجد نظاماً أو حزباً استبداديّاً يعترف بمشاكله ويسعى، في شكل جاد وحقيقي، الى حلّها! وفق هذه الفرضيّة، يمكن أن نسرد بعض الأمثلة:
طيلة خمسة عقود، أنكر النظام السوري، البعثي الأسدي، أنه طائفي، وأنه تاجر بقضيّة العروبة و»رسالتها الخالدة»، وبمقاومة إسرائيل، والقضيّة الفلسطينيّة.
لكن الثورة السوريّة تكفّلت بفضحه وكشف زيف إنكاره، بحيث أنه كلما أنكر شيئاً بات إنكاره الدليل القاطع على حدوث هذا الشيء ووجوده.
ثمة حقيقة موازية لما سلف، تنكرها الجماعات السياسيّة والمسلّحة السنيّة السوريّة مفادها أن هذا النظام حظي، وما زال، بدعم ومساندة قطاعات واسعة ومهمّة من المسلمين السنّة في سورية وخارجها. فإذا صح أن النظام الأسدي طائفي، فالصحيح أيضاً أن بين أبرز الدعائم والركائز التي استند إليها حافظ الأسد وابنه مَن هم من السنّة، إلى جانب جماعات قوميّة ودينيّة أخرى.
وبالتالي، فإنكار الضلوع السنّي في دعم النظام الطائفي الأسدي تطيحه الحقائق والمعطيات السابقة والحاليّة.
«حزب الله» اللبناني، في بداية الثورة السوريّة، أنكر ضلوعه في سفك الدم السوري ومساندة النظام الأسدي، لكن سرعان ما انكشف بطلان هذا الإنكار. كذلك أنكر الحزب أنه العصا الإيرانيّة الغليظة على رؤوس اللبنانيين، وأنه يُخضِع لبنان لمصلحة نظام الملالي في إيران. لكن الوقائع والمعطيات أكّدت نقيض إنكارات هذه الجماعة.
ولئن باتت طهران تفتقر إلى القدرة على إنكار ضلوعها في سفك الدم السوري، فإنّ أنقرة لا تزال تنكر دعمها الجماعات التكفيريّة الإرهابيّة النشطة في سورية، وكذلك محنة اللاجئين السوريين كورقة ضغط على أوروبا.
ومثل ذلك إنكار تبعيّة المعارضة السوريّة، السياسيّة والمسلّحة، لأنقرة وحكومتها الإسلاميّة، وانعدام شيء اسمه «الجيش السوري الحرّ»، واستعداد تركيا لبيع الشعب السوري وثورته من أجل أن لا يحقق الأكراد في سورية أي مكسب. وهذه إنكارات ما عادت تُصدَّق وما عادت تفيد، مثلها مثل إنكار بعض الأنظمة العربية دعمها لنظام الأسد، أو إنكار وجود حزب العمال الكردستاني في سورية وتحكّمه بحاضر كرد سورية ومصيرهم ومستقبلهم. وهكذا دواليك…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى