عين على الموصل , ودلالات الإتفاق على تحريره

نـــزار موســـى
الموصل ,فعندما نسمع هذه المفردة فيتبادر في ذهننا فورا ما كان يسرده آباؤنا عن هذه المدينة من كونها مدينة لتسوق التمور وباقي حاجياتهم اليومية آنذاك ومن هنا أتت تسميتها التي تعني بأنها طريق مرور ووصول للقوافل التجارية والتسوق والالتقاء وبرجوعنا قليلا إلى التاريخ فللموصل تاريخ عريق أما تاريخها الحديث فمليء بالنزاعات ومحاولات السيطرة عليها لأهميتها الإستراتيجية ليسعفنا ذاكرتنا بعدها إلى حقبة كونها قاعدة أساسية للبعث ومصدرا للعبثيين في العراق إلى أن أراد المالكي الطائفي في حكمه للعراق أن يعاقب السنة بعد تمردهم على طائفيته فعمل على تسهيل تسليم مناطقهم بدءا من الموصل إلى أن أصبحت فيما بعد مركز لداعش وعاصمة لخلافته المزعومة عام 2014 بمساعدة بعض القوى في الموصل والتي أخطأت بدورها وفضلت الشيطان على المالكي وقتها.
يسكن الموصل وضواحيها ما يقارب مليوني نسمة موزعين على بقعة جغرافية واسعة في العراق على شكل خليط من العرب السنة والكرد والمسيحيين والأيزيديين والتركمان والشبك . كما وتعتبر هذه المدينة ثاني أكبر مدينة في العراق من حيث التعداد السكاني والآن وبعد إنطلاق عملية تحرير الموصل من مريدي الجاهلية داعش فأصبح يطفوا على السطح أمور كثيرة كانت محل نقاش السياسيين المعنيين بتحرير هذه المدينة لمدة طويلة أخرت عملية تحريرها وخلالها قام ممثل الرئيس أوباما بجولات مكوكية بين كل من أربيل وبغداد وواشنطن إلى أن تكللت مهمته بنجاح على الاتفاق على بدء عملية التحرير بعد عدة تفاهمات, حيث كان قد نوه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني إلى العديد من المخاطر بعد عملية تحرير المدينة والذي بدوره يمتلك خبرة كبيرة حقا في المنطقة وخاصة في المجالين السياسي والعسكري وفي الموصل تحديدا إبان دخول القوات الأمريكية إليها إبان إسقاط حكم صدام حسين في العراق.
فبعد سقوط الموصل بيد مسلحي داعش وشعور الكرد بأن كورد منطقة شنكال التابعة إداريا لمحافظة نينوى وكذلك المسيحيين بمناطقهم قد وقعوا ضحية مؤامرات وصراعات بين شيعة وسنة العراق فتنبهت القيادة الكردية هناك إلى واجب حماية سكان تلك المناطق من تلك الصراعات من واجب إنساني يحملونه كما في استقبالهم للمهجرين ومن واجب الإيمان بضرورة بناء منطقة مفعمة بالديمقراطية والسلام والتطور في ساحة من الصراعات القطبية والتي يطغى عليها طابع مذهبي في أوقات كثيرة , لذلك شددوا على ضرورة التفاهم على طبيعة حكم تلك المناطق وعائديتها بعد تحرير الموصل ليتم تجنب ويلات أكثر فتكا بعد التحرير , وكذلك وصل السنة إلى قناعة مفادها بأنه لا أصدقاء لهم في المنطقة سوى الكرد وخاصة بعد احتضان الكرد لهم في هذه الظروف الصعبة ورغم ظروفهم الصعبة أيضا وخاصة بعد تجربة المكون السني المريرة مؤخرا في التعايش مع شيعة العراق , أما الشيعة فمنهمكون في بسط سيطرتهم على مناطق السنة ونشر التشيع في المنطقة كونهم أصبحوا امتداد حي لحكم ملالي إيران ويحكون المؤامرة تلو الأخرى في إفشال التجربة الكردية الرائدة في المنطقة والتي نالت بدورها إعجاب العالم بأسره وخصوصا بعد تمكن الكرد وبحنكة البارزاني في العراق في إبراز الكرد كمنقذين للديمقراطية ومتبنيين فعليين لحقوق الإنسان والمدافعين عن العالم بأسره في محاربتهم للجماعات الإرهابية في المنطقة حيث يشكلون حائط الصد لانتشار الفكر المتطرف الراديكالي في بقع جغرافية أخرى في العالم لذلك لم يتوانى العالم في تقديم الدعم بمعظم أشكاله للكرد محققين بذلك كافة متطلبات نشوء الدولة الكردية المرتقبة في المنطقة.
عند إعلان العبادي بدء انطلاق عملية قادمون يا نينوى في وقت متأخر من الليل من تاريخه , بادر السيد البارزاني في إعلان العملية من طرفه في صبيحة اليوم الذي تلاه دلالة على استقلالية قرار وعائدية بيشمركة كردستان , وكانت الهجمات الأولى من قبل البيشمركة على مواقع داعش وتحريرهم مايقارب 10 قرى في محيط الموصل محط أنظار العالم وتركيز القنوات الإعلامية العالمية على ذلك كانت من غايات القيادة الكردية في إبراز القوات الكردية عالميا , كما أن التخطيط مسبقا لمحاصرة الموصل من ثلاث جهات من قبل القوات الكردية ودخول شنكال أجبرت العبادي وغيره من الرضوخ لشروط الكرد في المعركة ومناقشة مستقبل الموصل إلى حد كبير , حيث تمكنت القيادة الكردية في التفاهمات على ما يبدو من ضمان إبعاد شبح الميليشيات الشيعية عن حيثيات المعركة الرئيسية وقبول تمدد القوات الكردية إلى حدود المناطق الكردستانية المتنازع عليها وعدم الخروج منها بعد التحرير وهذا كله مقابل السماح لقوات الجيش العراقي بالمرور من أراضي إقليم كردستان لدخول الموصل فيما بعد.
ما لم يتوضح بعد فهي قضية تل عفر وعلى ما يبدو أنه تم إعطاء مهمة تحريرها للحشد الشعبي وإشغالهم بها وإبعادهم من مسلسل عمليات الموصل , والحقيقة التي يراد بأن تكون من ضمن رؤية القيادات الكورية في قضية الموصل ومستقبل الكرد في المنطقة هي أن لا يسمح بأن تتموضع ميليشيات الحشد الشعبي ذو الصبغة الطائفية على حدود إقليم كردستان لأنها ستكون الكارثة وستشكل تهديدا لا تقل خطورته عن تهديد داعش على حكم الكرد في المنطقة , ولكن وبنفس الوقت ما يبعث للاطمئنان هي علاقة الكرد الطيبة مع بعض القيادات السياسية الشيعية في العراق وعلى رأس القائمة السيد عمار الحكيم كشخصية معتدلة ودلالة إجراء القائد العام لقوات البيشمركة بعقد مؤتمر صحفي مع السيد الحكيم في الفاضلية بعد تحريرها وهذا ما يبعث الأمل حقا.
وما يتوقع كنتيجة لتحرير الموصل عدة تغيرات جذرية على مستوى المنطقة ككل كانفراج في الوضع الكردي الداخلي بعد إفشال المخطط الذي أستهدف وحدته والبدء بالتحضير لمستقبل العلاقة مع المركز على مستوى العراق والمرتبط بدورة بوضع كركوك ومناطق أخرى مختلف عليها والتي يعتقد بأنها ضمن صفقة الموصل , وانفراج اقتصادي في الإقليم الكردي بعد تجاوز تكاليف العمليات العسكرية الباهظة بعد طرد داعش من معقله الرئيسي في العراق , وكذلك إعادة تقسيم للمنطقة ووضع حدود جديدة كأمر واقع وخصوصا الحد الفاصل بين القوى السنية والشيعية المتصارعة في المنطقة بالتالي عودة الهدوء تدريجيا إلى المنطقة مع أن ذلك سيطول.
وما يلاحظ بأن الموصل كمدينة ذو أهمية بالغة كما كانت تاريخية فإنها ستكون بنفس الأهمية مستقبلا بحيث ستكون أداة لتغيرات جذرية في المنطقة رغم لتحملها الكثير من المتاعب الجمى , وهذا ما يدعونا للقول بأن الموصل دخلت التاريخ كما كانت فيها متجذرة.