فؤاد عليكو: اتجاهات حل المسألة الكردية في ظل الصراع الدولي على سوريا
يكيتي ميديا – Yekiti Media
(دولة لامركزية إدارية…..دولة فيدرالية…دولة مواطنة ومساواة )
مقدمة: منذ إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي( ب ي د) في 17/ 3/2016 للفيدرالية في المناطق الكردية والمناطق ذات الأغلبية الكردية من جانب واحد، حتى أثير لغط كبيرفي الوسط السياسي والثقافي العربي وتعالت أصواتاً كثيرة منددين بالخطوة واعتباره حالة إعلان صريح عن الانفصال وتقسيم لسورية،
كما تجاوز النقد والهجوم الجانب السياسي من إقدام الحزب المذكور على هذه الخطوة الانفرادية لتطال المبدأ العام للنظام الفيدرالي كنظام وبطريقة بعيدة كل البعد عن الموضوعية والدراسة العلمية وطغت على معظم هذه الدراسات السطحية والانفعالية والبؤس المعرفي الذي رافق موضوع القضية الكردية والنظام الفيدرالي معاً، ووصل بالبعض منهم إلى الربط بين النظام الفيدرالي والتقسيم، دون أن يعطوا لأنفسهم عناء البحث والتفكير بأسس المبدأ، متناسين أن النظام الفيدرالي كشكل متقدم من أنظمة الحكم معمول به دوليا منذ زمن بعيد، وأن هناك غالبية عظمى من شعوب العالم يديرون شؤون دولهم وفق النظام الفيدرالي اليوم أو قريب منه وكلاً حسب طريقته وتفاهمه مع مكوناته المجتمعيه.(يستثنى من ذلك نخبة قليلة من الأقلام الجريئة الذين ناقشوا الموضوع بمهنية وعلمية وواقعية).
حول ماهية النظام الفيدرالي:
يعتبر النظام الفيدرالي صيغة دستورية مرنة لإدارة الدولة من خلال منح سلطات محلية واسعة لأقاليم تلك الدولة لإدارة شؤونهم المحلية بطريقة تؤمن توازناً دقيقاً بين مصالح تلك الأقاليم ومركز الدولة(العاصمة)،ويعتبر حتى الآن من أفضل أنواع أنظمة الحكم نجاحاً في تاريخ البشرية في معالجة قضايا الدول التي تعاني من مشاكل عرقية أودينية والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى بدءاً من الهند وروسيا وأمريكا ومعظم الدول الأوربية وانتهاء بالسودان واليمن مؤخراً وليبيا قريبا، إضافة إلى أن هذا النظام يعتمد أيضاً في الدول التي لا تعاني من مشاكل أثنية أودينية ، وإنما يهدف من تطبيقها إلى توزيع عادل للسلطة والثروة في تلك الدولة منعاً لنشوء النظام الدكتاتوري فيها ومن ثم الاستئثار بالسلطة والثروة من قبل البعض والتي عانى منها الشعوب كثيراً من خلال النظام المركزي، كما هو مطبق الآن في المانيا وبريطانيا والامارات العربية وغيرها الكثير من الدول .
وتعتبر سويسرا أول دولة مارست نظام الحكم الاتحادي بعد صراع مرير بين مكونات مجتمعه من الألمان والفرنسيين 1291م من خلال انشاء كانتونين في دولة واحدة بصيغة توافقية ثم تتالت بعد ذلك عمليات التوحيد بين مقاطعاتها إلى ان استقر الأمر نهائيا بوضع اول دستور للاتحاد السويسري 1848م، إلا أن هناك شبه اجماع لدى الباحثين يعتبرون أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول دولة اعتمدت النظام الفيدرالي في العالم لأنها الدولة الاولى في العالم التي وضعت دستوراً اتحادياً متكاملاً في عام 1787م بين 13 ولاية حينها ثم تتالت الانضمامات إليها لتشكل اليوم 50 ولاية ، ثم تلتها سويسرا كما اسلفنا في وضع الدستور وكندا 1867م وهكذا توسع العمل بالنظام الفيدرالي عالمياً بشكل مضطرد لتتجاوز 80 بالمئة من سكان العالم اليوم، نظراً لما تتصف به النظام من مرونة وقدرة على حل القضايا المجتمعية السياسية منها والاقتصادية.
ومن الجدير بالذكر أن جميع الامبراطوريات التاريخية العملاقة كانت تدار بطريقة أقرب إلى النظام الفيدرالي اليوم ومنها الإمبراطوريات الإسلامية (الأموية والعباسية والسلجوقية والعثمانية)، والتي كانت تترك لشعوبها الحرية في إدارة شؤونهم الداخلية من قبل أبنائها ويشتركون مع المركز في الشؤون الخارجية والدفاع ودفع الضريبة( الخراج) للمركز باستثناء تعيين الوالي من قبل الخليفة أو السلطان فقط.
إذا المشكلة لا تكمن في النظام الفيدرالي كشكل متقدم من أنظمة الحكم السياسية، بقدر ما هو متعلق بحامل الطرح لا أكثر، كون الفكرة خرجت من قبل تنظيم سياسي يحسب على المكون الكردي وبطريقة فردية أقرب للاستفزاز منه إلى الواقعية السياسية، وعدم احتساب ردات الفعل من قبل مكونات المجتمع السوري هذا من جانب ومن الجانب الآخر فإن البؤس المعرفي لدى البعض سواءً مايتعلق بالنظام الفيدرالي بشكل عام ونجاحه في حل القضايا المجتمعية القومية والدينية والسلطوية والاقتصادية داخل الدولة الواحدة، أو ما يتعلق بالقضية الكردية في سوريا كقضية شعب تعرض لظلم قاسٍ وممارسة عنصرية من النظام طيلة عدة عقود ويحتاج إلى حل ديمقراطي من قبل النخب السياسية العربية والكردية معاً من خلال مقاربات موضوعية وتفاهمات مشتركة.
القضية الكردية ومعضلة الجغرافيا والتاريخ والسياسة:
من الواضح أن تداخل عاملي التاريخي والجغرافي بشكل غير متناسق وغير متفق عليه بين العرب والكرد أفضت بنا إلى تأسيس رؤى سياسية مختلفة ومتعارضة أحياناً كثيرة، وبالتالي خلق حالة من التوجس والحذر وعدم القدرة في إيجاد أرضية مشتركة لبلورة رؤية وموقف سياسي موحد، إذ أن معظم السياسيين العرب يستمدون رؤيتهم للجغرافيا السورية وتاريخ سوريا وتاريخ الكرد من الثقافة القومية (العروبية) الحديثة والتي كان حزب البعث رائدها طيلة 70 عاماً وبشكل مزيف وتشويه للحقائق التاريخية، والتي اعتبرت حدود الوطن العربي تمتد شمالاً إلى سلسلة جبال طوروس شمال ديار بكر وأنهم تعرضوا لتقسيم جائر بموجب اتفاقيات سايكس/ بيكو1916م وأن جغرافية الأراضي السورية الحالية هي جغرافية عربية منتقصة , ويعتبرون الكرد قومية وافدة إليها عبر سلسلة من الهجرات نتيجة تعرضهم للظلم والتهجير من السلطات التركية في بدايات القرن العشرين وما قبلها اسوة ببقية القوميات الأخرى كالتركمان والأرمن والجركس وغيرهم من الذين هاجروا إلى سورية عبرمراحل تاريخية متفاوته ، وان العرب بحسهم الإنساني وروحهم السمحة استقبلوهم وآواهم ومنحهم الجنسية السورية واعتبرهم مواطنون يتمتعون بكامل حقوق المواطنة السورية، وما تعرضوا له من ظلم في ظل نظام البعث ومن سياسات قمعية لم يكن استثناء كما يدعي الكرد وإنما شمل هذا الظلم كل مكونات المجتمع السوري والعرب تحديداً وباستثناءات قليلة مثل الاحصاء الاستثنائي 1962م وبالتالي فإن سورية عربية جغرافياً وتاريخياً وبالتالي لايحق لأي قومية أخرى المطالبة بخصوصية جغرافية/سياسية معينة لوضعهم، وأن مطالبة الكرد اليوم بإقليم خاص بهم هو بمثابة لي الذراع واستقواءً بالقوى أجنبية مستغلا الصراع الدائر اليوم بين قوى الثورة السورية والنظام، وكان يفترض والحالة هذه وقوفها إلى جانب الشعب السوري ضد النظام وارجاء البت في مثل هذه القضايا إلى مرحلة لاحقة بعد التخلص من النظام الجاثم على صدر الشعب السوري.
أما الكرد فإنهم يعتبرون انفسهم اصحاب الأرض تاريخياً وأن سايكس/بيكو قسم وطنهم كردستان بين أربع دول في المنطقة هي (تركيا وإيران والعراق وسوريا) انتقاماً من الغرب لأحفاد صلاح الدين ويستشهدون بحديث الجنرال غورو عندما دخل دمشق وذهب على قبر صلاح الدين وقال جملته المشهورة( ها قد عدنا ياصلاح الدين الآن انتهت الحروب الصليبية).وعليه فإن جزءاً من كردستان الحقت بالدولة السورية الناشئة بعد 1918م وأن من حقهم الطبيعي أن يطلقوا على هذه البقعة الجغرافية اسم كردستان سوريا كتسمية جغرافية/تاريخية، وقد شارك الكرد إلى جانب الشعب السوري في مقاومة الاحتلال الفرنسي حتى كان الجلاء وتأسيس الدولة الوطنية الجامعة مع بقية مكونات المجتمع السوري في عملية البناء والمشاركة في السلطة على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات بعيداً عن الحالة القومية، إلا أن الانقلابات العسكرية وامتداد الشعور والنفوذ القومي العربي في سورية ممثلاً بحركة القوميين العرب وحزب البعث داخل مفاصل الدولة أديا إلى تهميش دور الكرد تدريجياً وابعادهم عن المشاركة في الحياة السياسية، مما دفع والحالة هذه بالكرد إلى البحث عن ذاتهم القومية بتأسيس أول تنظيم سياسي 1957م والمطالبة بحقوقهم القومية السياسية والثقافية والاجتماعية كشعب يعيش على أرضه التاريخية في اطار الدولة السورية الواحدة، لكن هذه المطالبة قوبلت بالرفض والقمع وزج العشرات من كوادر وقيادات الحزب في السجون 1959م في زمن الوحدة بين سوريا ومصر ومن بينهم رئيس الحزب الدكتور نورالدين ظاظا ومؤسس الحزب الشاعر أوصمان صبري وتتالت بعد ذلك سلسلة من المشاريع والإجراءات العنصرية وبلغ الذروة في مشروع الملازم اول البعثي محمد طلب هلال رئيس مباحث أمن الدولة في الجزيرة (محافظة الحسكة) 1960م (دراسة عن محافظة الحسكة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية) والتي يتضمن في طياته 12 مادة تتعلق بكيفية تطبيق سياسة الصهر القومي بحق الكرد، ومن الجدير بالذكر أن قيادات تلك المرحلة (مرحلة الوحدة والانفصال معاً) في الجزيرة كانوا معظمهم من البعثيين بما فيهم محافظ الحسكة حينها سعيد السيد،وهذه المواد هي (. لذا فأننا نقترح :
إن تعمد الدولة إلى عمليات التهجير إلى الداخل مع التوزيع في الداخل ومع الملاحظة عناصر الخطر أولاً فأول . ولا بأس أن تكون الخطة ثنائية أو ثلاثية , السنين تبدأ بالعناصر الخطرة لتنتهي إلى العناصر الأقل خطورة وهكذا .
سياسة التجهيل : أي عدم إنشاء المدارس أو معاهد علمية في المنطقة لأن هذا أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ وقوي
إن الأكثرية الساحقة من الأكراد المقيمين في الجزيرة يتمتعون بالجنسية التركية ,فلا بد لتصحيح السجلات المدنية وهذا يجري الآن أنما نطلب أن يترتب على ذلك إجلاء كل من لم تثبت جنسيته وتسليمه إلى الدولة التابعة لها .أضف إلى ذلك يجب أن يدرس من تثبت جنسيته دراسة أيضا ًمعقولة وملاحظة كيفية كسب الجنسية لأن الجنسية لا تكسب إلا بمرسوم جمهوري . فكل جنسية ليست بمرسوم يجب أن تناقش تبقي من تبقي أي الأقل خطراً وتنزع من تنزع عنه الجنسية لنعيده بالتالي إلى وطنه
4- سد باب العمل : لابد لنا أيضاً مساهمة في الخطة من سد أبواب العمل أمام الأكراد حتى نجعلهم في وضع غير مستقر المستعد للرحيل في أية لحظة وهذا يجب أن يأخذ به الإصلاح الزراعي أولاً في الجزيرة بأن لا يؤجر ولا يملك أكراد والعناصر العربية كثيرة وموفورة بحمد . االله
5- شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية لحساب ما وخلخلة وضع الأكراد , وثانياً بحيث يجعلهم في وضع غير مستقر
6- نزع الصفة الدينية عن المشايخ الدين عند الأكراد وإرسال مشايخ بخطة مرسومة عرباً أقحاحاً, أو نقلهم إلى الداخل بدلاً من غيرهم . لأن مجالسهم ليست مجالس دينية أبداً بل وبدقة العبارة مجالس كردية . فهم لدى دعوتهم إلينا لا يرسلون برقيات ضد البر زاني أنما يرسلون ضد سفك دماء المسلمين , وأي قول هذا القول
. 7- ضرب الأكراد في بعضهم وهذا سهل وقد يكون ميسوراً بإثارة من يدعون منهم بأنهم من . أصول عربية على العناصر الخطرة منهم كما يكشف هذا العمل أوراق من يدعون بأنهم عرباً
8- إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود فهم حصن المستقبل ورقابة على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم ونقترح أن تكون هذه العناصر من شمر لأنهم أولاً أفقر القبائل بالأرض وثانياً قومياً مئة بالمئة .
9 – جعل شريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية آمنطقة الجهة بحيث توضع فيها قطعات . عسكرية مهمتها إسكان العرب وإجلاء الأكراد وفق ما ترسم الدولة من خطة
10- إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي على أن تكون هذه . المزارع مدربة ومسلحة عسكرياً كالمستعمرات اليهودية على الحدود تماماً
11- عدم السماح لمن لا يتكلم اللغة العربية بأن يمارس حق الانتخاب والترشيح في المناطق الكردية المذكورة
12- منع إعطاء الجنسية السورية مطلقاً لمن يريد السكن في تلك المنطقة مهما كانت جنسيته الأصلية ( عدا الجنسية العربية الخ ) وهذا وأن هذه المقترحات ليست كافية بل أردنا منها إثارة المسئولين بحسب خبرتنا لتكون تباشير مشروع خطة جذرية شاملة لتؤخذ للذكرى بعين الاعتبار ) .
وبنظرة بسيطة إلى هذه المواد من قبل أي باحث منصف يدرك عمق هذه السياسة العنصرية وكان باكورة هذه السياسة اجراء احصاء استثنائي في المحافظة في 5/10/1962م وفي يوم واحد والذي جرد بموجبه 120الف مواطن كردي من الجنسية السورية وبطريقة اعتباطية ومدعاة للسخرية وكان من بين من جردوا من الجنسية رئيس أركان الجيش السوري 1956م اللواء توفيق نظام الدين ومعظم أفراد اسرته، كما ان كثيراً من هؤلاء المجردين من الجنسية ممن أدو الخدمة العسكرية في الخمسينات، كما كنت تجد في العائلة الواحدة أخا مواطنا وآخر مجرداً من الجنسية وهكذا.
لقد جاء انقلاب حزب البعث 1963م لتبدأ بتنفذ هذه السياسة العنصرية ووضع مواد المشروع بمعظمه موضع التنفيذ وبحذافيره والتي ترجمت بقرارات المؤتمر القطري الثالث 1966( يمكن العودة بهذا الخصوص إلى جريدة المناضل الرسمية لحزب البعث العدد 11كانون الثاني 1966) لتجد مطابقة شبه حرفية لهذه الدراسة وكُوفىء طلب هلال فيما بعد ليصبح نائب لرئيس الوزراء ووزير الزراعة 1970م ومن ثم نائب لرئيس الوزراء ووزير الصناعة.وتم مصادرة اراضي الكرد بطريقة جائرة في عام 1965م ولغاية 1969 ، واُنشىء الحزام العربي بطول 275 كم وعمق 10-15كم على طول الشريط الحدودي مع تركيا وبناء 41 مستوطنة نموذجية وفق الخطة المرسومة في المشروع جيء بهم من محافظة الرقة وحلب 1973، كما أجريت اجراءات مماثلة في منطقة عفرين وان كانت أقل حدة من الجزيرة وفي كوباني بدرجة أقل.
لقد قاوم الكرد هذه السياسة العنصرية لحزب البعث بالوسائل السلمية المتاحة ولم تخلو سجون النظام من المناضلين الكرد منذعام 1959 وإلى يومنا هذا ، وكانت انتفاضة الكرد 2004 ذروة هذا النضال حيث تم لأول مرة تحطيم صنم الدكتاتور في عامودا وقد سقط 31 شهيدا في الجزيرة وحلب وعفرين سواء بالرصاص الحي أو تحت التعذيب وجرح 312 شخصاً واعتقال اكثر من 7000، لكن من المؤسف القول أن الشعب العربي حينها لم يقف إلى جانب الشعب الكردي ضد النظام بسبب سيطرة دعاية النظام عليهم وبأن الكرد يطالبون بالانفصال باستثناء قلة من المعارضة السياسية التي كانت على صلة بالحركة الكردية، كما لم يكن غريبا أيضا أن تكون مدينتي قامشلي وعامودا أولى المدينتين المتضامنتين مع أطفال درعا في اول نيسان 2011م.
صحيح أن النظام مارس القمع بحق الشعب السوري ككل، وارتكبت مجازر بشعة بحق بعض القوى السياسية والأهالي كمجزرة حماة وحلب 1982م واعتقال مناضلين من الأحزاب اليسارية والإسلامية والقومية وكل من يعارضه إلا أن ممارسات النظام بحق الكرد كان مضاعفاً ككرد أولا وكسوريين ثانياً.
إزاء هذا التداخل بين التاريخ والجغرافيا والسياسة وتباعد الرؤى بين الطرفين يتعقد مشهد الحل السياسي للقضية الكردية في سورية، لذلك يتطلب والحالة هذه ابعاد عنصري الجغرافيا والتاريخ عن العامل السياسي والانطلاق من مبدأ أن سوريا الحالية تشكلت نتيجة تلك الاتفاقات الإستعمارية الجائرة بحق شعوب المنطقة ككل، وأن هذه الشعوب تمازجت تاريخياً منذ الفتح الإسلامي وحتى اليوم بدون وجود أية عوائق أوحدود جغرافية وكان بامكان أي مواطن الانتقال من استنبول وحتى مكة المكرمة دون أن يُسأل عن مكانه وجنسه، وعليه فإن استقراراً بشرياً طبيعيا حصل بين هذه الشعوب قاطبة وكانت الجامعة الإسلامية هي الرابطة الوحيدة التي كانت تجمعهم وحصل اندماج مجتمعي كبير، لذلك ليس غريباً أن نجد الآلاف من الأسر العربية ذو أصول كردية وتركمانية وهكذا، وعلى ضوء ما تقدم لم يجد التاريخ فارقا بين من يستلم قيادة هذه الأمة من أية قومية كانت، وتاريخ شعوبنا ذاخر بالأمثلة على ذلك وكانت الآية القرآنية الكريمة هي الحاكمة في هذا المضمار (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقاكم) و(لافرق بين عربي واعجمي إلا بالتقوى).والتقوى هنا لاتعني العبادة بقدر ماتعني العمل الصالح والاخلاص فيه، لما فيه مصلحة الأمة.
كان هذا هو الرابط الذي يربط شعوب المنطقة طيلة قرون عديدة وكان التسامح سائداً مع الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية والإيزيدية وكذلك مع الطوائف الإسلامية الشيعية والزيدية والعلوية والدرزية وغيرها، فأين نحن من الأمس والنسيج المجتمعي السوري يُدمر بشكل كامل يومياً وفي كل قرية ومدينة ولازلنا ننادي بثارات أوس والخزرج ولازال العروبيين ينادون بأن سورية عربية وبقية القوميات مهاجرة إليها وليس له من الحقوق سوى المواطنة وأن الكرد يريدون تقسيم سوريا ويرفضون كل طرح يفضي إلى إيجاد مخرج لما نحن فيه اليوم، ويتناسون يأن عنصري التقسيم والوحدة تقع خارج إرادتنا جميعاً، وأن من صنع هذه الخرائط هو القادر على تمزيقها أو ابقائها كما هي أو وحدتها طبقاً لما ترتائه مصالحهم وهذه هي الحقيقة ويجب علينا الاعتراف بأننا لانملك حق إرادة التغيير واللعب بالخرائط المرسومة لنا حتى اليوم وأن العروبين نادوا بالوحدة العربية منذ 70 عاماً ولم يتقدموا خطوة واحدة بهذا الاتجاه، لكنه مسموح لنا ترتيب أثاث البيت إلى حد ما، لذلك يتطلب منا جميعاً ترك الخلاف حول الجغرافيا والتاريخ جانباً والإنطلاق من أن سوريا الحالية وبجغرافيتها الحالية وتاريخها الحالي هي لشعوبها الحالية وأنها دولة متعددة القوميات والأديان بغض النظر عن حجم كل مكون فيها، وأن علينا البحث عن افضل الصيغ لنظام الحكم ويجمعنا جميعاً وأن يشعر كل مواطن بأنه شريك في بناء هذا الوطن وشريك في عقده الاجتماعي، وأن نقبر وإلى الأبد شبح قيام أنظمة دكتاتورية تحكم الشعب من خلال القبضة الأمنية وارتكاب المجازر بين فترة وأخرى، وهذا يتطلب منا أن لا ننظر بعين الريبة والشك لأي طرح حول شكل الدولة ومن قبل أي مواطن سوري أو تنظيم سياسي أو مكون اجتماعي أو قومي ، وأن تكون قوة المنطق هو السائد بيننا لا منطق القوة وعندها فقط من الممكن الوصول إلى فهم مشترك للنظام السياسي الأفضل الذي ينتظر سوريا الجديدة بكل أطيافها ومكوناتها وإلا ستبقى طاحونة الحرب والصراع تفعل فعلها في التخندق والتدمير والتهجير والمعاناة والآلام.
عود إلى بدء والخوف المتبادل: من المنطلق الآنف الذكر يجب أن نضع حالة الخوف المتبادل جانباً، خوف الكرد من عودة شبح الدكتاتورية تحت مسميات مختلفة معتمداً على منطق الأكثرية بأن الشعب هو الذي يقرر في النهاية وأن صناديق الاقتراع هو الفيصل والحكم وهو تعبير تهديدي مبطن بالغاء كل ما يتم التفاهم حوله اليوم.
وخوف العرب بأن طرح الكرد للنظام الفيدرالي اليوم هو طرح مبطن يخفي خلفه نوايا انفصالية في المستقبل وبتعبير أدق قد يكون كلمة حق يُراد بها باطل.
وإذا ما استبعدنا هذين العاملين عن محور النقاش وتحاورنا معاً كسوريين، فإننا بالتأكيد سنصل إلى رؤية مشتركة لسوريا المستقبل معتمدين على قوة المنطق لا أكثر ومن هذا المنطلق وضمن هذه الرؤيا استطيع التعبير عن وجهة نظري في العنوان المطروح بعيداً عن لغة التشنج والاتهام للآخر المختلف معي في التوجه وإلا يبقى الحوار حوار طرشان وخندقة ولا جدوى منه طالما بقي منطق الخوف المتبادل قائما وسائداً.
دولة المواطنة واللامركزية الإدارية والفدرالية:
دولة المواطنة المتساوية: حالة مثالية في مجتمعنا وواقعنا الراهن وذلك لأنه من المفرادات الأساسية لدولة المواطنة يتطلب وجود مواطناً حراً متحرراً من كل قيوده الاجتماعية والقومية والاقتصادية والدينية اسوة بالمجتمعات الأوربية التي تسير على هذا النظام حالياً والذين تتحرروا من هذه القيود بعد سلسلة طويلة من الحروب والانظمة الاستبدادية وسطوة الكنيسة وكانت الثورة الفرنسية في نهاية القرن التاسع بداية البناء لدولة المواطنة المتساوية والتحرر من القيود البطريركية السائدة حينها، كما خاض الأوربيون حربين ضروسين راح ضحيتها الملايين حتى تمكنوا من القضاء على الأنظمة الدكتاتورية وأسسوا لبناء الإنسان الحر ودولة المواطنة الحقة، أما في مجتمعنا فلا زلنا أسرى علاقاتنا الأسرية والعشائرية والفئوية والدينية والطائفية والقومية ومن الصعب جداً إن لم نقل المستحيل التخلص من هذا الإرث الاجتماعي والتاريخي الطويل بإجراءات ورقية نسميها الدستور، علما أن جميع الدساتير السورية السابقة والحالية تؤكد على حرية المواطن ودولة المواطنة، لكن الواقع العملي كان دوماً عكس ذلك حيث كان الغالب هو سيطرة فئة أو طائفة على مقاليد السلطة وتمارس سلطتها وقمعها الفئوي باسم الوطن والمواطن والشعب وبقي المجتمع السوري أسرى علاقاته الاجتماعية والقومية والدينية و دون تغيير يذكر في بنيته الثقافية والفكرية، كما أن تداعيات الثورة السورية على المجتمع كان كبيراً وحصل تقوقع مخيف حول اوروماتهم الفئوية ما قبل الدولة وهذا الانقسام الحاد لايمكن أن تعالج بالكلمات أو بصيغ دستورية فضفاضة تعيد انتاج الأنظمة السابقة ربما بصورة أسوأ وأبشع من سابقاتها.
كما أن اللامركزية الإدارية للدولة: هي في المحصلة دولة مركزية مع منح بعض الصلاحيات الإدارية للمحافظات وهذا النظام معمول به في الدستورالسوري الحالي من خلال قانون الإدارة المحلية 207 وهي لاتعتبر حلا للقضايا القومية كالقضية الكردية بشكل مقبول حتى وإن توسعت في منح الصلاحيات، كما أن النظام يستطيع التراجع عنها بسهولة سواءً بقانون من البرلمان أو بمرسوم جمهوري متى شاءت، اضافة أن هذا النظام لايستبعد شبح عودة الدكتاتورية والبلاغ رقم واحد لأن السلطة والثروة متمركزة في العاصمة وبمجرد السيطرة على العاصمة حتى تشطب كل ما تم بناءه ونعود لنقطة البدء ويذهب كل هذه التضحيات هدراً تحت أقدام العسكرمجددا ويعيد التاريخ نفسه.
في الدولة الاتحادية(الفيدرالية): إزاء حالة التمزق هذه في النسيج المجتمعي السوري منذ أكثر من خمس سنوات وحتى اليوم لم يبق امامنا سوى النظام الاتحادي لانقاذ ما يمكن انقاذه ولبقاء سوريا موحدة ولوقف إراقة الدماء وهذا الأمر يحتاج إلى اسس ومباديء يجب اتباعها مستفيدا من تجارب الشعوب الأخرى، وهنا لايسعني إلا أن استعرض المباديء الأساسية التي ارتكزت عليها التجربة السودانية والذي عبر عنها بدقة الدكتور عمر عوض الله الجعيد وهو خبير قانوني سوداني في النظم الفدرالية لما لأهميته وقربه عن واقنا السوري حيث يقول:
((الفدرالية في معناها الأساسي هي شكل من أشكال التسويات السياسية، وطريقة ديمقراطية في إدارة الشأن العام، وتضمن تمثيلا نسبيا للأقليات مقارنة بالأغلبية، وهي حل سحري للنزاعات في المجتمعات المتعددة دينيا وقوميا، بل حتى في البلدان المتجانسة نسبيا، إذ هي أيضا طريقة لمعالجة التفاوت الاقتصادي بين ولايات البلد الواحد.
لإقامة نظام فدرالي، لابد من توفّر ست شروط:
أوّلا، لابد من وجود اقليميْن أو ولايتيْن فما أكثر (وجود اقاليم وحكومة مركزية مثل دولة الإمارات العربية والسودان)،
وثانيا، توفّر دستور قومي يحدد سلطات هذه المستويات، وتكون السلطات محددة دستوريا، وليست مجرّد منحة تقدمها الحكومة المركزية، وتتراجع عنها متى أرادت.
وثالثا، أن تتوفّر القدرة للولايات والأقاليم على التأثير في اتخاذ القرار على المستوى المركزي خاصة في ما يكون له انعكاسا على شؤون الاقاليم كتوفّر مجلس للشيوخ أو مجلس للولايات).
ورابعا، وجود محكمة دستورية عليا تفصل في النزاعات إذا ما حدثت بين الأقاليم والحكومية المركزية،
وخامسا، ألا يستأثر مستوى من الحكم دون آخر بإمكانية تعديل الدستور.
وسادسا وأخيرا، التنظيم القانوني للعلاقات التنسيقية. هذه الشروط الست هي الدينيمو المحرّك للنظام الفدرالي.
إذن، الفدرالية هي هيكل للحكم يتسم بالمرونة، ويمكّن الأقاليم أو الولايات أن تحكم نفسها بنفسها بدرجة محددة من الإستقلالية، وفي نفس الوقت تظل في إطار الدولة القطرية الموحدة بما يمنع الانفصال دون التنكّر للمطالب المشروعة للأقليات)).
وعلى ضوء هذه الرؤية الدقيقة والثاقبة، أستطيع أن اضيف إليه بالقول بأنه لايمكن تحقيق كل ذلك إلا بتحقيق الاعتراف المتبادل بين مكونات المجتمع السوري ككل وبين العرب والكرد بشكل خاص وتوفر عنصري الإرادة والثقة بين الطرفين بدلا من الخوف المتبادل بينهما وأن يكون مبدأ التسامح والمصالحة المجتمعية هو السائد في بوصلة عملنا.
وعلى كل ما تقدم فإن الرؤية الكردية للحل يمكن تلخيصها بالتالي (بأن يتم تقسيم سوريا إلى أقاليم منسجمة إلى حد ما في تركيبتها القومية أو الاجتماعية أو الثقافية على ان يتم اعادة النظر في التقسيمات الإدارية الحالية بشكل يحقق هذا الترابط المجتمعي وعليه فإن الكرد في سورية يرغبون في ربط مناطقهم الجغرافية بعضها ببعض (الجزيرة العليا وكوباني وعفرين يإقليم موحد)، رغم معرفتنا التامة بتعقيدات مثل هذا الربط بوجود مناطق ذات الأكثرية العربية او ذات الأكثرية التركمانية ووجود كثافة سريانية/اشورية في منطقة الجزيرة وهذا مايتطلب مشاركة كل هذه المكونات في عملية التأسيس لهذا الإقليم وذلك من خلال عقد مؤتمر وطني خاص بأقليم هذه الجغرافية والتوافق على أفضل صيغة يُرضي الجميع وبما يحقق شراكة حقيقة لهذه المكونات في جميع المفاصل الإدارية والتشريعية وتمثيلهم تمثيلا حقيقيا حسب نسبتهم وهذا يعتمد أساساً على عنصري الإرادة والثقة المتبادلة بين جميع الأطراف كما أسلفنا سابقا
خلاصة القول لا زلنا مقتنعين أن النظام الفيدرالي يعتبر الحل الأمثل للحالة السورية الحالية نتيجة تشظي المجتمع السوري بشكل مخيف ولا يمكن إعادة اللحمة الوطنية إلا بطمأنة كل مكونات المجتمع السورية القومية وتقديم الضمانات الدستورية اللازمة في ذلك وبأنه شريك أساسي في ولادة دولة سوريا الجديدة من بين ركام الدمار الكبير الحاصل،وتقع هذه المهمة الكبيرة على عاتق المثقفين والسياسيين السوريين، وذلك من خلال العمل و البدء بحوار هادئ وبناء، بعيداً عن التجاذبات السياسية الآنية ولغة التشنج السائدة اليوم ، وللانصاف اقول بدأنا نشاهد أقلام عربية جريئة تتناول هذا الجانب بعقلية منفتحة بعيداً عن ردات الفعل هنا وهناك ويقدمون تصورات عملية عن أفضل صيغة للحكم بشكل يحافظ على وحدة سورية وعلى قاعدة سوريا وطن للجميع وتتسع للجميع والمساواة التامة في الحقوق والواجبات ومنع سيطرة العسكر والعودة للدكتاتورية .
الدراسة نشرت في مجلة اليراع الحر العدد6 آب 2016