في استيلاد العداوة البينية
وليد حاج عبدالقادر / دبي
بالتوازي مع ازدياد وتيرة الظلم والقمع الممنهج الذي مورس بحقّ الشعب الكُردي في كلّ جزءٍ من أجزاء كُردستان ، وما أنتجتها تلك الممارسات كردّة فعلٍ من أشكال وآليات نضالية مختلفة ، فأوجدت منظمات متعدّدة تباينت فيها الطروحات والآراء التي تتأطّر فيها الأهداف والحقوق ، وأوجدت معها أرضيةً موائمة أفرزت حالات انفصام بينية و أسّست لقاعدة صراعٍ طويلٍ ومحتدم رغم هول وفظاعة الكوارث بانكساراتها ، التي أضافت سيلاً جديداً لممارساتٍ شوفينيةٍ ، استهدفت كامل الوجود القومي ، ومع هذا ! بقي السؤال ذاته يراود كلّ غيورٍ على شعبه و يتكرّر ، فعلى الرغم من تماسك البنيان الاجتماعي بتكافله البيني حتى لفترةٍ قريبةٍ جداً ، إلّا أنّ المخاضات الحزبية وصراعاتها التي تجاوزت كلّ الحدود في انحدارها ، وأبدعت في تنميط وتغليف استهدافها للنسيج المجتمعي ومعها فكفكة المصير المشترك بزعم البحث عن وشائج جديدة ، وفق رؤى وعلاقاتٍ أيضآ جديدة ! وكهدفٍ أولي – كديكورٍ – كان لا بدّ من هدم البنى القديمة سعياً لبناء أطر ، هذا الأمر الذي استجلب معه تساؤل هام ، تمحور حول ماهية الخلاف ! هل هو الذي يُفترض به أن يكون حول جوهر القضية الكُردية ، ومنه يتفرع إلى سلسلة أسئلةٍ متتالية لن تبتدئ من ؟ هل نحن طُلّاب حقوقٍ لشعبٍ وغوطنٍ بمسمّىً صريحٍ وواضحٍ ؟ أم نهدف لتطبيق مبادئ ومفاهيم تصبو لإعادة بناء وتأطير مجتمع مخيالي ؟ لا بل لعلها الغاية الرئيسة فيها هي إعادة صياغة وانتاج شعوبٍ محدثةٍ للتآخي ؟! . والمزعج في هذه الحالة العبثية هي غوغائيتها ، وسعيها التغييبي لتعاريف مثلى والمفرَّغة بمهنيةٍ راقية من كلّ مفاهيمها وطروحاتها وذلك بالاختفاء وراء ظلٍّ واهٍ ومتنقّلٍ ، وبالعودة الحميدة من جديدٍ إلى التباهي بالمنجزات الخارقة القادمة بلا أدنى شكٍّ .
إنّ الاحتماء بأيّة طهرانيةٍ لا تعني ولا تجيز مطلقاً العبث بقدسية الحقّ القومي من أرضٍ وشعبٍ ، وخلاف ذلك هو مساسٌ لجوهر تلك الطهرانية التي تأسّست عليها . وفي واقعنا سنلاحظ بوضوحٍ ، ومنذ تأسيس الدولة السورية سنة ١٩٢٠ ومعها فرض الانتداب الفرنسي ، بأنّ كلْ الإجراءات والممارسات التي وضعت كانت أهدافها تتلخّص في دفع الشعب الكُردي في كُردستان سوريا ، بأساليب عديدة لتغييب أيّة ظاهرةٍ يتمثّل فيها كيانياً وليتتالى هذا إلى درجة الاغتراب الذي تنامى كثيراً في الفترات اللاحقة ، وهنا ، من الطبيعي جداً أن يتبادر إلى الأذهان مهما كانت نسبة حالات الاغتراب بعد مزاعم تقلّصها ، لكنها لاتزال تشكّل ظاهرةً حقيقيةً .
- وفي دول الاستبداد ! قابلها تهافت السلطة المركزية في تعزيز استبدادها وتبريرها بقوننتها ؟ وهي ذات النظم الشوفينية والعنصرية المتمثّلة بهيمنة عرق أو إثنية واحدة تمارس طغيانها وتفرض هيمنتها على الآخرين !! فتغدو الوطنية في عهودها مطوّبة ، والنضال الوطني بكافة أشكاله وتجليّاته شركة ذات مسؤولية خاصة ومحدودة . إنّ الاحتماء بهذه النمطية هو عبث مغلّف بتقيّةٍ طوباوية تساوي صفر قيمتها في أيّ جدلٍ منطقي ، وتسقط معها كلّ الركائز الباهتة لهكذا خياراتٍ بتقياتها الزائفة . ومع هذا ؟ أو ليس من حقّنا طرح تساؤل مهم ؟ ما الذي جعل هذه اللغة مشتركة بين هكذا أنماط على مساحة الكرة الأرضية ؟ أو ليس هو الطغيان والاستئثار والاستبداد ونفي الآخر لا بل وبتجريده حتى من الأنسنة !! أو ليست هي نمطية الانسلاخ عن الواقع ؟ من يخوّن الناس ماذا يُتوقَّع أن يكونه هو في نظرهم ؟ . ولكن مع كلّ هذا الضخّ من الإحباط كمتلازمة عملية للمظاهر السابقة ، علينا الإقرار ايضاً بأنّ هناك رموز فكرية عملت وبظروفٍ قهريةٍ وقمعية واشتغلت بجرأةٍ مشهودةٍ لها على تأسيس رؤى جريئة ، تطرح جملةً من القضايا التي أسّست لنظرياتٍ فتحت آفاقاً رائعة في الوعي المنهجي وآليات مواجهة وإزاحة الترسّبات التي ربّما تكون قد تكلّست عميقاً في الذهنية المجتمعية ، ولكن !! وبكلّ أسفٍ – بعضها – وفي التطبيق الواقعي وبخصائصية انتمائية تناست / أغفلت مدى انعكاس قناعاتهم في الواقع العمليّ حينما يتعلّق الأمر بحقوق آخرين وبالتضاد مع رؤية فئته الجمعيّة ، وهنا – بتصوّري – ستنكشف السقطة الكبرى كما حدث لقاماتٍ كبيرةٍ بقي لها حضورها ولكنها خسرت في الواقع العملي مبدأيتها ، خاصةً في الأزمات البينية الكبرى والتي تفترض على الشعوب أن تلتجئ وتعزّز البينيات الجامعة لها لا تحويل النكسات إلى ذنوبٍ يحملها كجرائم على المختلف !! وكمثالٍ بسيط من الواقع الكُردي المعاصر ؟ الردّ على الداعشية و التكفيرية والنزعة العروبية والاستبداد والاحتلال التركي بتهديداته المستمرّة ؟ وعوضاً عن الشفافية المفترضة أمام هكذا معضلات ، وممارسة النقد الذاتي ومدّ يد التوافق الفعليّ على ايجاد مصدرٍ حقيقي لقرارٍ مصيري للأغلبية ! تتمّ الاستعاضة عن ذلك في البحث عمّن يمكن تحميله أسباب كلّ الانتكاسات في تنفيذٍ ساذجٍ لتوجّهاتٍ صارمةٍ مازالت تُنفّذ كواحدةٍ من أهمّ الأجندات التي تمّ الشغل عليها من قبل أعداء كُردستان والشعب الكُردي منذ عقودّ طويلة . وختاماً ! لابدّ من التذكير أيضاً ببعضٍ من القضايا التي تتأطّر خارج مفهوم نظرية المؤامرة على أنّ التوتّر وزيادة حدّة الخلافات ، وحتى ظهور بوادر أزماتٍ تنظيميةٍ حادة ، ستكون ظاهرة اعتيادية في حالات التفاوض مع العدو الرئيسي ، لا بل أنّ غالبية الانشقاقات والصراعات الدموية بين الأجنحة التي كانت سابقاً جسداً واحداً هي واحدة من أهمّ إفرازات المفاوضات والاتفاقات ، وما يبعث الآن على شيءٍ من الأمل في وقائع هكذا أزمات ، لا بل وكضرورةٍ حتمية هي تغليب الوعي والتشبّث بمقولة صراع الأضداد على قاعدة وحدة الهدف كمثالٍ .