في رتابة ساعات الغربة
غسان جانكير
باكراً حين يتثاقل الصباح في الاستيقاظ من نومه، وقد بات على شبه يقين أنّ الغد يحمل ملامح سابقه من الايام، ثمة طير توحي تصرفاته بالبلاهة، أو هكذا تبدو للمراقب، تأخذه الحيرة مدة تُقارب النصف ساعة في التنقّل بين كوخٍ مهجور، كان يُستخدم فيما سبق لتربية الغنم، وساحته التي تتواجد فيها بقايا أعواد القش.
بلاهة الطائر تبدو لا في عجزه عن اتخاذ قرار صائب في النصف ساعة، لتحديد مكان تأسيس العش، وانما في انه يحمل عود القش الطويل نسبياً بمنقاره من طرفه وليس من منتصفه.
على كلّ حال يشكر الطير المرأة على مساهمتها في تأجيل عمله في بناء العش، وإنهاء حيرته الى اليوم التالي، بنفس الامتنان الذي يشكرها كما كلّ الايام.
المرأة أيضاً تحلم ببناء عش يحوي أُسرتها المهاجرة والهاربة من الحرب في افغانستان، وقطعت آلاف الكيلومترات البرية منها والجوية، وحدود لا يعلم بها سوى المُتبحّر في علم الجغرافيا.
المرأة التي تُسابق الصُبح في الانتهاء من تنظيف ساحة الفندق، الذي أتُخذ كمركز للجوء من قِبل بعض الاخيار في هذه المدينة السياحية في النمسا، وبالضد من رغبة البعض الآخر وتخوّفهم من ( مشاكل ) الأجانب، المرأة ايضاً مرتبكة في التنظيف و الترتيب الذي يُصاحبه ضجيج غير مُحبّذ في الصباح، والسبب كي تُحضر أولادها للذهاب الى المدرسة، ومن ثم تحضر هي ايضاً الى دروس اللغة الالمانية التي لا تُجيد منها، بعد حوالي السنتين، ما يؤهلها كي تردّ بنفس القوة والنبرة على العجوز النمساوية، التي تعيش مع زوجها العجوز في البيت المجاور لمركز اللجوء، التي توحي طرطنتها الى ان الوقت لايسمح باحداث الضجيج.
عند الظهيرة تفوح روائح الاطعمة الاممية، مُحمّلة بنكهة التوابل الشرقية، التي تُعيد المذاق الطيب، لأغذية مُنتهية أو تكاد أن تكون مُنتهية الصلاحية، تستجرها مؤسسة للإعانة الاجتماعية، فتجود بها على اللاجئين بأسعار زهيدة تُساعدهم على الاكتفاء بدخلٍ يومي يوازي ثمن علبة دخان .
عند العصر تترقّب العيون وصول السيارة الصفراء، التي تحمل البريد، الكل ينتظر رسالة فيها موافقة الحكومة المحلية على طلب اللجوء، لكن عبثاً، ربما تأتي غداً .
في المساء يفعل الحنين فعله في الحناجر، هذه مليئة بغصّة توقف الكلام عن الاسترسال، وتلك تُحمّل الاغنية نبرة الحزن الحزن، وهكذا، لتتمازج عصارة حزن الشرق، فتُشكّل سيمفونية الضياع في هذا العمر القصير .
Ghassan.can@gmail.com