آراء

قاسملو الفارس الذي ترجّل 1930 – 1989م

محمد زكي أوسي

ترى ما الذي دفع محمد آغا وثوق صاحب المركز والمقام ومن رجال الكُرد المعروفين, والمرتبطين بالحركة القومية الكُردية وإحدى الشخصيات المعروفة والذي أصبح عضواً في الوفد الكُردي المتوجّه من مهاباد إلى باكور وبرفقة الشهيد الرئيس محمد علي قاسم (قاضي محمد), أن يتزوّج من آثورية وأن يأيته منها وهو في الثالثة والستين من عمره ولدٌ دخل التاريخ الكُردي عظيماً وأظهر اسمه الكُردَ في بابٍ آخر من أبواب العالم , نعم ولد عبد الرحمن أو رحمان بن محمد آغا وثوق الذي عُرِفَ فيما بعد في صفحة رائعة من التاريخ الكُردي والعالمي بعبد الرحمن قاسملو في 12/12/1930م, في ليلة يلدا (أطول ليلة في السنة) بمدينة أرومية في شرق كُردستان, دفعه والده إلى طريق العلم والدراسة في مدارس أورمية وتبريز وطهران وأنهى مراحل دراسته الأولى.

دفعت بيئة قاسملو الأسرية الوطنية المناضلة به نحو النضال الوطني في سنٍّ مبكرة, حيث التقى القائد الكُردي البارزاني الخالد برفقة الدكتور عزالدين مصطفى رسول عام 1958م, في بغداد, شغل أيام شبابه مسؤولية لجنة شبيبة أورمية أيام جمهورية كُردستان الشعبية, ولدى سقوط الجمهورية الكُردية نتيجة تآمر الرجعية والإقطاعيين الكُرد بتعاونٍ وثيق مع الغرب والشرق, كان رحمان واحداً من الشباب الثائر ،وبذل مساعي جبّارة لإعادة تكوين الحزب الديمقراطي الكُردستاني في شرق كُردستان.

كانت الحركة القومية في كُردستان عامةً وشرقها خاصةً جزءاً من الحركة الوطنية والديمقراطية في البلاد, ودفع تطور تلك الحركة نضال الكُرد إلى الأمام, ولم تكن إعادة تنظيم الحزب الديمقراطي الكُردستاني ببعيدة عن ازدهار حزب توده, ونشأ تعاون متين بين الحزبين, حتى أنّ الكُرد البعيدين عن مهاباد والمقيمين في المناطق الفارسية يعتبرون أنفسهم أعضاء في حزب توده ، وهم في نفس الوقت أعضاء في الحزب الديمقراطي الكُردستاني، ومنهم الشهيد قاسملو وحمل تلك الصفة مدة بقاء الاتحاد والتعاون بين هذين الحزبين, وهكذا كان النضال الوطني والقومي الكُردي يتّحد في فكر وجهد الشهيد قاسملو ورفاقه منذ البداية من أجل الديمقراطية وتحقيق نظامٍ ديمقراطي تقدمي, وإلى جانب هذا خطا قادة الحركة الكُردية للتعاون مع الحركة الكُردية عامةً، فخلال سنين ثورة مصدق (1951 – 1953)م, قاموا بزيارةٍ سرية إلى كُردستان العراق لأجل توحيد الحركات والأحزاب الوطنية في كُردستان وفي العراق عامةً, وكان للشهيد قاسملو ورفاقه أثرٌ بارزٌ في وحدة الأجنحة الثلاثة للحزب الديمقراطي الكُردستاني (العراق) عام 1956م. وكذلك في وحدة أجنحة الحزب الشيوعي العراقي أيضاً.

لقد توحّدت خطوط الكفاح والدراسة والتنامي عند الشهيد قاسملو, فقد سافر إلى باريس بعد سقوط الجمهورية الكُردية للدراسة وهناك بنى علاقات متينة مع الشيوعيين والاشتراكيين الفرنسيين ،وقد يسّرت له علاقاته مع الحركة الوطنية والقومية في إيران السفر إلى تشيكوسلوافاكيا بعد العام 1949م واستقرّ في براغ وأكمل دراسة الاقتصاد في الجامعة وتزوّج السيدة هلينيا (الأخت نسرين) وعاد برفقتها إلى إيران أيام ثورة مصدق وأحبت هذه السيدة الشعب الكُردي حباً كبيراً, وحملت راية قاسملو بشرفٍ بعد استشهاده وأثناء هذه العودة فكّ ارتباطه بحزب توده واحتلّ مكانةً مرموقة بين قادة الحزب الديمقراطي الكُردستاني في كُردستان.

استحدث منصب السكرتير الام في الحزب الديمقراطي الكُردستاني (إيران) في سبعينيات القرن الماضي وكان الشهيد قاسملو أول من تسلّم المنصب وكان يسمّى قبل ذلك بالمسؤول الأول للحزب ويذكر التاريخ له جهوداً جبارة لتحقيق وحدة صفوف الحركة القومية الكُردية والوطنية في كلٍّ من إيران والعراق, عاد الشهيد عام 1957م إلى براغ لإكمال الدراسة إلى جانب النضال والعمل على تقوية صلات حزبه مع الحركات الثورية في العالم, وساعد الكوادر المتقدمة في حزبه كثيراً و في مقدمتهم عبد الله اسحاقي (أحمد توفيق) وكريم حسامي حيث لحقا الدراسة في العاصمة التشيكية براغ.

أثناء قيام ثورة 14/7/1958م في العراق قدم إلى بغداد عبر الشام وبرفقته رضا راده منش السكرتير الأول لحزب توده وخاض أثناء تلك الفترة الدكتور قاسملو نضالاً ونشاطاً تمثّل في:

1- إدراكه منذ البداية وحدة واختلاف التكوين والمهام والفكر بين حزب توده والديمقراطي الكُردستاني, وكان يريد أن تكون العلاقة بين الحزبين على أساسٍ صحيح رغم وجود خطين مختفين تجاه الشعب الكُردي في توده خط صحيح يقوده الدكتور راده منش ورفاقه, وآخر شوفيني يقوده كيا نوري وقد أثبت الواقع صحة هذا فيما بعد.

2- فهمه الواضح لوحدة واختلاف نشاط التنظيمات المختلفة في عموم كُردستان, وكان يريد أن يضع وحزبه العلاقات مع الأحزاب في عموم كُردستان على أساس الحكم الذاتي لكُردستان والديمقراطية لإيران, وقد أدّت مساندته لعمل الحزب الديمقراطي الكُردستاني (العراق) إلى طرده بمعية مناضلين آخرين (كرم حسامي – حسن قزلجي) من قبل عبد الكريم قاسم وكان له وفتها نشاط تعليمي وثقافي في بغداد فقد كان استاذاً للتاريخ الكُردي في جامعة بغداد باسم (عباس أنوري) كما نشر العديد من المقالات الهامة عن ذكرى جمهورية كُردستان بتوقيع (ع. وربا) وعاد الشهيد للمرة الثالثة إلى براغ ومكث ستوات وانشغل بعدة مهام:

أ- الارتباط بمنظمات توده من جهة ومن جهة أخرى توثيق العلاقات برفاقه الذين حملوا مشعل النضال في الحزب (الديمقراطي الكُردستاني إ) وفي العراق, وأصدر بالتعاون مع كريم حسامي وحسن قزلجي بإصدار جريدة (كُردستان) في باكور (أذربيجان) رغم إصرار قادة توده والفرقة الأذربيجانية (غلام يحيى وجماعته) على عدم وجود الديمقراطي الكُردستاني بصيغته النضالية وبقي هذا حتى بداية الثمانينات.

ب- أنجز رسالته (كُردستان والكُرد) عام 1962م ومنح مباشرةً مرتبة أستاذ مساعد للاقتصاد في جامعة براغ.

ج- قدّم مجموعة من المقالات القيمة عن الأدب الكُردي للمواطنين التشيك في جريدة اتحاد كتاب تشيكوسلوفاكيا.

د- الاسهام في نشاطات الطلبة الكُرد في أوروبا وأسهم بنشاط في الصراعات الآيدلوجية الناشئة في أوربا وتشيكوسوفاكيا حيث كان الفيغاري منتشراً.

وقد شهدت المدة من 1967 – 1979م تقربه من الديمقراطيين الاشتراكيين والشيوعية الأوربية, عاد في عام 1968م في شهر تموز إلى العراق ومارس نشاطه النضالي إلى جانب الفئات والجماعات الأخرى في كُردستان وإيران محافظاً على وحدة واستقلالية حزبه, وتوطّد النهج الديمقراطي في هذا الحزب رغم المصاعب وعُقدت مؤتمرات وكونفرانسات له وانتخب قاسملو سكرتيراً عاماً للحزب، وأسهم بفعاليةٍ في تحرير وتوجيه جريدة (كُردستان) فكرياً وأصدرها بانتظام, عاد إلى أوربا في ربيع 1974م, واستقرّ في براغ، ومن هناك يرشد رفاقه دون كللٍ أو ملل، ويوطّد علاقات حزبه وشعبه في الخارج بشكلٍ واسع، ولكنّ قوى الثورة المضادة ضاقت به ذرعاً عقب ربيع براغ 1968م فاتجه إلى باريس مركز الحركة وتلاطم الفكر والمناهج ،حيث تقارب الأوروشيوعية والاشتراكية الديمقراطية وهنا غدا الشهيد قاسملو واحداً من رافعي راية التحولات والتجديد حتى قبل الغلاسنوست والبيريسترويكا كما تشير إلى ذلك الوثائق التاريخية، ويكفينا فخراً أنّ عالماً ومفكراً وخبيراً كُردياً تمكّن من البحث في حوادث عالمية، وتحقّقت نبؤاته عنها, أقام الدكتور قاسملو علاقاتٍ واسعة مع الكُرد المعارضين والإيرانيين وتيارات وأشخاص مشهورين، ولم ينسَ الدكتور قاسملو الجانب العلمي في مسيرته متحمّلاً أعباء كثيرة، فعمل باحثاً في معهد الدراسات الكُردية بباريس, عاد إلى إيران أيام ثورة شعوبها وكان سبّاقاً ومؤثّراً في قيادة الشعب الكُردي والحزب الديمقراطي الكُردستاني ومساهماً بفعاليةٍ في الانتفاضة، وبعد انتصارها كان موقفه أكثر وعياً من المواقف الأخرى, فلا الثقة المطلقة بالنظام الجديد ولا التسرع في هدم الجسور، وحمل السلاح, اتسم بالنفَس الطويل في المفاوضات, وقاد الكفاح المسلح باقتدارٍ عندما تبيّن النهج الرجعي والشوفيني لدى رجال الدين وظهر أنهم لا يقرّون بأيّ حقٍ للكُرد, أثبت الشهيد قدرةً وخبرة وقابلية في قيادة وتنظيم واستيعاب الجماهير الواسعة, وأثبت في مجال الكفاح المسلح أنه فارس مقدام وبطل كُردي، احتلّ موقعاً ريادياً في صف القادة البارعين لكفاح الأنصار في تاريخ الشعوب, لم يلجأ قاسملو في أيٍٍّ من الأحوال إلى الإرهاب، ولم يعرف الغرور طريقاً إلى نفسه لدى الانتصار ولا اليأس لدى الاخفاق, ولجأ إلى جميع أشكال الكفاح, أظهر نوايا مخلصة ورغبةً في التوصل إلى حلٍّ للقضية الكُردية عن طريق التفاوض, لكنّ نظام الإرهاب والولي السفيه الذي كان ومايزال على درجةٍ كبيرة من قصر النظر والتعطش للدم أبى إلا أن يغتال الدكتور الشهيد ورفيقيه الكبيرين عبد الله قادري آزار والدكتور فاضل محمود الحاج ملا رسول, فكان موتاً تراجيدياً هزّ العالم, استشهد العالم, المثقف, السياسي, الأستاذ البارع المتقن لعشر لغات إلى جانب لغته الكُردية الكرمانجية وصوّره صديقه ورفيق دربه الكاتب الكُردي المقتدر والأشهر عبد الله حسن زاده لدى تشييعه ودفنه في مقبرة بييرلاشيه المقدسة, إلى جانب شهداء كومونة باريس قائلاً:

(كان الشهيد قاسملو, شهيد درب خلاص كُردستان وإيران عامةً قائداً بارعاً ومناضلاً لا يعرف الكلل, قلّما وجد تاريخ الحركة التحررية للشعب الكُردي وشعوب الشرق الأوسط مثيلاً له, كان قاسملو سياسياً يملك فكراً ثابتاً وقدرةً في العمل, مكافحاً صامداً وشخصية علمية كبيرة وثورياً بكلّ معنى الكلمة). لقد كانت الفاجعة في 13/تموز 1989م.

طابت ذكراك يا رحمان الحبيب
طابت ذكراك يا عبد الله
طابت ذكراك يا فاضل, وأسفاً للرحيل المبكر
لم يمت الدكتور قاسملو, هو باقٍ مجيد.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 300

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى