قصة وعبرة.. (mîratê jî di sênîkê de mîst – حتى الكلبة تبول في صحن طعامي)
أحمد رستم
يُقال إنه كان في جزيرة بوطان تاجر كبير يحظى باحترام أميرها، يتنقّل بقافلته بين الهند والسند، ويزور أماكن كثيرة وغريبة.
وأثناء وجوده في إحدى المدن؛ وجد في سوق تلك المدينة فنجان جميل وكأنه تحفة أثرية معروضة للبيع، فاشتراها هديةً لأمير جزيرة بوطان.
وفي طريق العودة مع بضاعته المحمّلة على الجمال والأحصنة، وتصادف استراحة القافلة بجانب نهرٍ جاري …
وبعد الاستراحة وتناول الطعام، أراد التاجر أن يغسل يديه في النهر، وحين انحنائه وقع منه الفنجان الذي كان قد وضعه في جيبه خوفاً من الضياع أو الكسر، وعندما حاول أن يمدّ يده ليلتقطه وقع خاتمه الألماس أيضاً من إصبعه.
فاستنجد برجال القافلة حتى يستعيد مقتنياته ..
وحين غطس أحدهم في ذلك النهر الجاري وبقدرة قادر خرج يحمل الفنجان وبداخله خاتم التاجر ..
استغرب جميع أفراد القافلة من حظ التاجر ومحبة الله له ..
وبعد وصول القافلة للديار ووضعت رحالها ..
قام التاجر ومعه أصحابه من التجار بزيارة ديوان أمير جزيرة بوطان ومعه ذلك الفنجان الجميل.
وبعد الجلوس في حضرة الأمير وكبار رجال الإمارة والحديث عن المدن والبلدان التي مرّوا بها، أخرج التاجر الفنجان من جيبه، وقال للأمير: وهذه التحفة وجدتها في إحدى المدن وأنها تليق بمقامكم، ثم سلّمها له، فنالت إعجاب الأمير وجميع الحضور ولكن أحد المقرّبين من الأمير يدعى(بكو عوان) غارَ من إعجاب الأمير بهدية التاجر.
وأثناء وليمة الطعام التي أقامها الأمير لضيوفه، وضع ذلك الفنجان أمامه، علّق (بكو عوان) وقال: مولاي الفنجان جميل ولكن الأفضل لو كان عددها ستة فناجين ..
وفي حديث أخذ ورد بين التاجر و ( بكو عوان ) أمر الأمير بتوقيف التاجر.
ولكن بعد التوقيف وضيق المكان تمّ نقله إلى سجن آخر ومن سجن إلى سجن نسي الأمير أمر التاجر ومضى على سجنه شهور، لاقى فيها التاجر كلّ شيء فظيع من مهانة وعذاب.
وآخر الأمر كان سجنه في منطقة نائية، ويضع السجّان لهم الطعام أمام الباب ، فيأخذونه من تحت الباب ، وفي أحد الأيام بعد أن وضع السجّان الطعام أمام الباب، وقبل أن يسحبها التاجر جاءت الكلبة وأكلت طعامه وتبوّلت في صحنه، فتمتم التاجر يندب مصيره وقال ( حتى الكلبة تبول في صحن طعامي mîratê jî di sênîkê de mîst )
وهنا نادى التاجر للمساجين، وقال لهم :أعتقد سوف أخرج من السجن.
فتعجّب أصدقاؤه، وضحكوا عليه مستهزئين بعقله.
ويقال إنّ الأمير بهذا اليوم وبعد مرور شهور من السجن، سأل عن كبير التجار ؟
فقالوا له: إنه بالسجن.
فردّ الأمير: نعم، ولكنني نسيت أمره، لماذا لم تذكروني به؟
فأمر وزيره بأن يطلق سراح التاجر فوراً .
وفعلاً ثاني يوم جاءه أمر الإفراج .
فسأله أصدقاؤه : كيف عرفت أنك ستخرج من السجن ؟
فقصّ عليهم حياته التي كان يعيشها في رفاهية وله من الحظ الوافر، وأنه كان يشارك الأمير في طعامه، وبالأخير وصلت به الحال أنّ الكلبة من دون كلّ الصحون تبوّلت في صحن طعامي، فهذه أقصى درجات المهانة، ولابدّ من الفرج بعدها .
* خلاصة الكلام أنّ الإنسان يمرّ بأقصى درجات الرفاهية فتنتهي ويمرّ بأدنى درجات المذلة، ولابدّ من بعدها الفرج .
والعبرة نحن السوريين أصبحنا في حالةٍ يُرثى لها وقد بالت الكلبة في صحن طعامنا ونتمنّى من الله الفرج بعد كلّ هذه التضحيات من قتل واعتقالات ودمار وهجرة وتشرد ومجاعة وانهيار المبادئ والأخلاق، إن شاء الله قرّبت تنحلّ وتنفرج عن السوريين.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “312“