
قيادة المرأة للمنظّمات النّسائية
نارين عمر
بعد الأحداث التي عصفت بغربي كُردستان وعموم سوريا في السّنوات الأخيرة بدأ النّاس يتلمّسون نسائم الحرّية تهبّ عليهم، وشيئاً فشيئاً أدركوا أنّ بإمكانهم التّعبير عن آرائهم والقيام بأنشطة مختلفة وعلى مختلف الأصعدة السّياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها؛ وانطلاقاً من ذلك بدأت المرأة الكُردية تخلع رداء الخوف والضغط النّفسي والاجتماعي، كما فعل معظم الرّجال، ولجأت إلى تأسيس المنظّمات والجمعيات والتّجمعات النّسائية ؛ لتساهم في بناء المجتمع واسترجاع حقوقنا المشروعة.
لكي نتمكّن نحن النّساء من المساهمة في كل ذلك لا بدّ من أن تتوفّر فينا شروط ومقوّمات القيادة والرّيادة، وبذلك نتمكّن من الانتصار لقضية المرأة وتحقيق الأهداف التي نسعى إليها ونؤسّس لجيلٍ من النّساء والفتيات المؤهّلات لتكوين مجتمع كُردي قادر على تجاوز المعوّقات والعراقيل التي تعيق مسار ومسيرة تطوّرنا وتقدّمنا؛ فكيف لامرأة هي ذاتها بحاجة إلى التّأهيل والتدريب والممارسة الفعلية لشؤون وقضايا الحياة المتباينة والمتشعبة أن تقود مجتمع المرأة الذي هو في الأساس نواة المجتمع البشري ككلّ على اعتبار أنّ المرأة هي الزّوجة والأمّ وبيدها تنشئة وتربية كلّ أفراد المجتمع مع الأب الذي يكون معها عماد الأسرة المنشودة؟
على كل امرأة منّا أن تؤمن هي بذاتها وبتعاملها مع الآخرين وبأخلاقيات المجتمع الذي تعيش فيه قبل تطبيق ذلك على غيرها من النّساء والفتيات، لأنّنا سنواجه أخطاراً حين نسلّم مؤسّساتنا التي نودّ تشكيلها حديثاً إلى غير أهلها.
من هنا يمكن الإشارة إلى أبرز الشّروط والمقوّمات والمرتكزات الواجب توفّرها وتوفيرها في المرأة القيادية الرّائدة نستطيع أن نجملها في الآتي:
أوّلاً: أوّلاً وقبل كلّ شيء يفضّل أن تكون هذه المرأة مؤمنة بذاتها وبقدراتها على أداء مهامها بالشّكل اللائق، وأن تكون مؤمنة بقضيّة المرأة إيماناً مطلقاً، ومؤمنة بأنّ المرأة صاحبة حقّ لها من الحقوق ما لها من الواجبات، وعلى أنّها كائن عاقل في المجتمع شريك لنصفها الرّجل في العقل والعاطفة، وكائن نافع إذا أوكل إليها أيّ أمور أو مهام قادرة على القيام بها وأدائها ضمن الحدود والإمكانات المتاحة لها.
ثانياً: أن تكون هذه المرأة على قدرٍ وافٍ من الوعي والإدراك بمجمل قضايا المرأة، ومطّلعة على نضال نساء الشّعوب والمجتمعات الأخرى لتستطيع الاعتماد على البراهين والنّصوص التي تدعم بها دفاعها عن قضيّتها.
ثالثاً: من الجيد أن تكون ذات خبرةٍ ودراية كافية في مجمل المجالات والمناحي التي تخصّ المرأة، ولها باع في مجال حقوق الإنسان والمجتمع والطّفولة ومتمتّعة بثقافة عامّة في هذه الجوانب والمجالات لأنّها سوف تمثّل نساء مجتمعها وشعبها في مناسبات محلية ووطنية ودوليّة وعليها أن تكون خير مثل لهنّ وهذه علّة نعاني منها في معظم جوانب حياتنا الكُرديّة الاجتماعيّة، الأسرية، الأدبيّة والفكرية وخاصةً الحزبية والسّياسية منها، حيث الشّخص غير المناسب يكون في المكان المناسب والشّخص المناسب نحاول وبكلّ ما أوتينا من قوّة مشبعة الانقضاض عليه وسحقه وتحطيم معنوياته وقدراته رجلاً كان أم امرأة.
رابعاً: أن تدرك وتتفهّم أنّ ما تقوم به من عمل وجهد هو في خير المرأة والمجتمع وليس لتحقيق غايات شخصيّة أو أسرية أو عائلية، وأنّ المصلحة العامّة يجب أن تسبق المصلحة الخاصة في كلّ ما تقوم به، ليكون النّجاح حليفها دوماً والتّوفيق رفيق دربها.
خامساً: أن تكون مستعدة للتّضحيّة، وهذا من أبرز المقوّمات التي يجب أن تتمتّع بها، أيّاً كان نوع وشكل هذه التّضحية مادية أو معنوية أو مثالية، فالتي ترضى مثل هذه المهمّة الشّاقة والصّعبة عليها تحمّل كلّ نتائجها وعواقبها السّلبية منها قبل الإيجابية، الصّعبة منها قبل السّهلة والهيّنة؛ فقد تتعرّض للأذى والإهانة والاتهامات وشائعات المجتمع ولكن عليها الصّمود والمثابرة.
إنّ مجتمعنا الكُردي عموماً بحاجة إلى التّأسيس لهيكلية متجدّدة تتوافق مع الأحداث المتسارعة والتّغيرات التي تطرأ على المنطقة والعالم والشّعوب، لأنّ مجتمعنا هو نواة شعبنا الذي كان وما يزال يعاني من مختلف أنواع الظّلم ومحاولة طمس الهوية، والمرأة الواعية القادرة تستطيع أن تساهم بشكلٍ فعّال في تحقيق ما تمّ الحديث عنه، ومجتمعنا بحدّ ذاته بحاجة إلى بناء إنساننا الكُردي من النّساء والرّجال معاً.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “337”






