كي لاتبقى الحقيقة غائبة (رداً على هذيان صلاح بدرالدين )…….
فؤاد عليكو
بدايةً لابدّ من التوضيح بأنني تجنّبتُ ،ولازلتُ، الحديث عن الجوانب الشخصية للرفاق الذين اختلفنا معهم سياسياً أو تنظيمياً ، و أدّى ذلك إلى حصول تباعدٍ بيننا حزبياً ، واعتمدتُ دائماً مبدأ التفريق بين الخلاف الحزبي والحالة الاجتماعية العادية والتي تتطلّب الحفاظ على تلك العلاقة التي جمعتنا معاً و أكلنا معاً، ونترك للزمن أحقية كلّ طرفٍ منا سياسياً. عاملاً بمبدأ (لايفسد للودّ قضية ).
وهناك الكثيرون من رفاق الأمس اختلفنا معهم وتباعدنا سياسياً، لكننا بقينا أصدقاء حقيقيين حتى اليوم،
باستثناء هذا الشخص الموتور الذي لفظته الحركة الكُردية كلياً ، ودخل في دائرة النسيان، لكنه لايزال يرمي بتهمه السخيفة على الحركة الكُردية بشكلٍ عام وبعض الشخصيات في الحركة الكُردية ،ومن بين مَن ورد اسمهم كان اسمي مع اثنين من رفاقي دون ذكرهما صراحةً، وكان يقصد بهما الأستاذ حسن صالح والأستاذ عبدالباقي يوسف ،وكذلك اسم المرحوم الأستاذ عبد الحميد درويش سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي وبأنه كان عرّاب الأمن السوري وذلك في آخر مقابلةٍ له قبل أيامٍ على قناة سوريا اليوم مع الصحافي شعبان عبود، والمقابلة موجودة على اليوتيوب في الجزء الثاني منها. إضافةً إلى انتقاده لدور الحركة الكُردية في انتفاضات 2004 ، والذي يسمّيها (هبّة ) ، وكذلك دوره في تداعيات اغتيال الشهيد شيخ معشوق 2005.
ولكي لا تبقى الحقيقة غائبة وأن يصبح كلامه هو الحقيقة مع مرور الزمن، اضطررت للردّ على هذا الهذيان ،وبما تسعفني به الذاكرة، وسأختصر حالياً على متابعة الخط اليساري في الحركة الكُردية في المرحلة التي كان صلاح بدر الدين سكرتيراً للحزب ،سواءً في مرحلة الحزب اليساري أو الاتحاد الشعبي ، والذي كنتُ مواكباً لهذه المرحلة سواءً بصفتي عضواً عادياً أو قيادياً.
وإذا ما أسعفتني الظروف وعدت للوطن، حينها سأتفرّغ لكتابة تجربتي في مواكبة هذه التطورات التي حصلت داخل الحركة الكُردية من الجوانب السياسية والتنظيمية والاجتماعية والثقافية، لأنني أملك الكثير من الوثائق عن سيرورة تلك المراحل.
1- صلاح في الستينات:
في تلك الفترة كنتُ طالباً في التاسع الأعدادي، وانتسبتُ للحزب اليساري 1968، وكان الانشقاق قد حصل ولم أكن أفهم معنى اليمين واليسار وانتسبت لليسار بسبب وجود أقرباء لي مثل الأستاذ المرحوم إسماعيل عمو والأستاذ محمود عمو وغيرهم كانوا موجودين في هذا الحزب لا أكثر .
لكن وبعد فترةٍ طويلة من العمل وتواصلي مع الشخصيات القيادية في تلك المرحلة والاستماع لآرائهم ،وإذا ما استبعدنا مواقف المرحوم حميد درويش وقيادة التقدمي حينذاك واعتبارهم منحازين، لكنّ شهادة شخصيتين تاريخيتين كانا قياديين في تلك الفترة ويحظيان باحترام الشارع الكُردي ، وتركوا العمل الحزبي بعد الانشقاق كلياً عزز لدي القناعة بأنّ (صلاح ) كان رأس الحربة في انشقاق الحزب 1965، والشخصيتان هما السيد خالد مشايخ والسيد كمال عبدي من عفرين الذي انتقل الى جوار ربه العام المنصرم.
بعدها عقد صلاح بدر الدين كونفرنس الحزب 1968 في منزل والد الرفيق إبراهيم برو في عامودا ،وفي ذلك الكونفرانس اتّهم صلاح بدر الدين العم أوصمان صبري بالعمالة لجهةٍ خارجية، وتمّ إبعاده من الحزب، لكي يشبع غروره ويصبح سكرتيراً للحزب لا أكثر ، هذا ما أكّده العديد ممّن حضروا الكونفرانس وأتمنّى عليهم أن يتحدّثوا عن هذه النقطة بكلّ صراحةٍ ،لأنّ صلاح يقول في مقابلته مع القناة : إنّ العم أوصمان ترك الحزب بمحض إرادته، وإننا ترجّينا منه أن يعدل عن قراره.
ولتبيان كذبه أيضاً، ففي المؤتمر السادس للحزب 1987 اتخذ المؤتمر قراراً بإعادة الاعتبار للعم أوصمان وبأنّ الحزب أخطأ في حقه، لكنّ صلاح بعث برسالةٍ للجنة المركزية، وكان مغتاظاً جداً من هذا القرار ‘ وبأنكم اتخذتم هذا القرار دون استشارتنا ودون توفر معلومات لديكم” .. وأتمنّى أن يكون الأستاذ حسن صالح محتفظًا بهذه الرسالة.
ثم كُلّفتُ بإبلاغ العم أوصمان بمضمون القرار كوني أصبحت عضوًا في اللجنة المركزية في الموتمر ومسؤولاً عن منظمة دمشق ولمعرفةٍ سابقة به ،ذهبت إلى بيته بمعية أحد رفاق المنطقية في دمشق وما أن سمع بأنّ سكرتير الحزب صلاح استشاط غضباً وتفوّه بكلمةٍ نابية قاسية(قونك)، ثم قال: لقد تأخّرتم كثيراً، أولادي، ومع ذلك وطالما تعملون مع صلاح؛ فلن تحقّقوا شيئاً لشعبكم.
هذا يؤكّد أنّ العم أوصمان لم يترك الحزب طواعيةً كما يدّعي صلاح في المقابلة وإنما أُرغٍم على ترك الحزب وهناك شهادات كثيرة على ذلك ممّن حضروا المؤتمر أتمنّى أن يتكلّموا دون أن أحرجهم في ذكر أسمائهم.
2- مرحلة السبعينات :
شهدت هذه المرحلة تطورات عاصفة حصلت داخل الحزب ،ففي تموز 1970 طلب قائد الثورة الكُردية المرحوم ملا مصطفى البرزاني من جناحي الحزب(اليمين واليسار ) إعادة توحيد الحزب وعقد مؤتمر توحيدي في كُردستان العراق دون مشاركة أطراف الخلاف الأساسيين في قيادة الحزب ،وهم مع حفظ الألقاب (حميد درويش، رشيد حميد،صلاح بدرالدين، ملامحمد نيو)، ولمّا كان خيار الرفض للاقتراح صعباً من أي جهةٍ،فقد وافق الطرفان على ذلك على مضض ،وهكذا عُقِد المؤتمر التوحيدي في إقليم كُردستان العراق في آب 1970 وتشكّلت قيادة جديدة تتكوّن من 4 أشخاص من كلّ جناح وخمسة من المستقلين، واختير المرحوم دهام ميرو سكرتيراً للحزب الموحّد مع إبقاء الأربعة في كُرستان دون السماح لهم بالعودة ريثما يتحقّق دمج الجناحين بشكلٍ كامل .لكنّ الخلاف دبّ بين الطرفين أثناء عملية الدمج ممّا دفع بالتقدمي للانسحاب من عملية الوحدة نهائياً.
اما الجناح اليساري فقد استمرّ لفترةٍ أخرى وفي هذه الأثناء طلب صلاح من القائد البارزاني السماح له بالذهاب إلى أوربا لمتابعة دراسته هناك، لكنّ ذلك كان خديعة وكذبة كبرى، فما أن وطأت قدماه أوربا حتى باشر باتصالاته مع قيادة الداخل، وحثّهم على ترك الحزب الفتي، وإحياء حزب اليسار من جديد، وقد تجاوب معه القياديان في القيادة المرحلية المرحومان عصمت سيدا ويوسف ديبو بالإضافة لمرشح اللجنة المركزية السيد رفعت من عفرين مع تجاوب ملا محمد نيو معهم فيما بعد، لكن بنفس الوقت فقد رفض القيادي المرحوم بهجت ملا محمد ملا حامد السير باتجاه التقسيم ،وكان لبهجت تأثير كبير على قاعدة اليسار ،ونتيجة لذلك فقد انشطر الحزب عامودياً وأفقياً بشكلٍ كبير بين موالٍ للقيادة المرحلية وبين مَن التزم من جديد بالحزب اليساري وهكذا ما أن انتهى عام 1971م حتى وجد الشعب الكُردي نفسه أمام ثلاثة أحزاب، بعد أن كان الأمل معقوداً على توحيد الجناحين.
في الحلقة الثانية سأتطرّق إلى مرحلة الانطلاقة الثانية لليسار بقيادة صلاح.