كُردستان..ترسم حدودها بالدماء !
ولات العلي
لم تُرسم تلك “الحدود” بأمرٍ رباني، ولم تورد حتى في أي كتابٍ سماوي، وخاصة تلك التي شكلت حدود دول الشرق الأوسط، بل وضعها مستعمرٌ احتل هذه الأرض، وأرادها مشرذمة قومياً وعقائدياً، ليسهل إعادة ترسيمها متى ما أراد، وإلا كان بإمكان المستعمر بناء تلك الدول على أساس قومي أو مذهبي سليم، لينتمي كل شخص فيها لملته، وتستمر لأطول فترة ممكنة.
فكرة المستعمر تلك رسختها أنطمة وديكتاتوريين حكموا هذه البلدان لعقود من الزمن، ربما هذه الحقيقة التي لا يريد الكثير من المتعصبين معرفتها، أو تختلط الأوراق لديهم، حينما يتعلق الأمر بأن دولة كُردستان قادمة؛ فالأراضي والمناطق التي يوجد فيها الكُرد حالياً، ويريدون أن يقيموا عليها دولتهم، هي أراضي كُردية، يعيشوا عليها الكُرد منذ مئات السنين وما زالوا.. جاء المستعمر الغربي وقسمها بما يتماشى مع مصالحهم الإستراتيجية، ثم عينوا على كل منطقة ديكتاتور لا يفعل صغيرة ولا كبيرة دون استشارتهم، ولعل أبرز ما صنعته تلك الأنظمة بالنسبة للكُرد، المناطق المتنازع عليها في العراق، وشبيهتها في سوريا – الحزام العربي- فقد وضعها نظاما البعث في كِلا البلدين، كخطوة استباقية لتغير ديمغرافية المنطقة، ولمنع الشعب الكُردي للمطالبة بأي حقوق، ومما لا شك فيه أن نار الحرب التي يعيشها الكُرد حاليا من مفرزات تلك الأنظمة.
أما تركيا التي طالما امتنعت عن إعطاء أي حق لكُرد الداخل، وكذلك رفضت قيام أي كيان كُردي في شمال العراق، باتت اليوم تمنّي النفس بحُكام إقليم كُردستان، بعد سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي – المرتبط بحزب العمال الكُردستاني المحظور في تركيا- على طول الحدود السورية التركية .
كٌردستان الآن مقبلة على مرحلة جديدة، تتجاوز الإقليم المرتبط بالعاصمة بغداد تصنع من خلالها موطئ قدمٍ بين الدول، ورغم رفض الجارة تركيا وسعيها الحثيث لعرقلة أي مشروع من هذا القبيل، فما زالت بينهما علاقات متينة، فالمصالح الإقتصادية لا تتعارض بالضرورة التوجهات السياسية، إلا إذا أصبح الأمر يمس المصالح القومية لأنقرة، وهو ما دفعت هذه الأخيرة – ولو بشكل غير مباشر – بتنظيم داعش لاقتحام حدود كُردستان، عندما لوّح مسعود البارزاني بالإستقلال، لكن أنقرة ذاتها لم تتوقع هذا الإندفاع الغربي لحماية كُردستان العراق، بل إندهشت أكثر عندما رأت الطائرات الأمريكية ترمي بالعتاد لقوات الحماية الشعبية في كُوباني، بعدما رفضت تركيا مؤازرة الكُرد في كٌوباني ضد تهديد عناصر داعش.
أما إيران والذي يبدو فيها الكُرد مغيبين عن الساحة الإعلامية، كون أن حٌكام طهران ما زالوا في آوج طغيانهم العسكري ضد الأقليات الأخرى، يرتبط وضع الكٌرد هناك، بنتائج الاتفاق النووي مع الدول الغربية، ليمهد بعدها تفكيك الجمهورية الإيرانية على ضوء تلك النتائج.
ربما آن الآوان للمستعمرين القدامى، ليجنوا ثمار ما زرعوه، وإعادة تقسيم المنطقة من جديد، بالشكل الذي يناسب مصالحهم، هذه المصالح التي تعتمد بالشكل المطلق على تفكيك الدول الإقليمية التي أخدت تشكل تهديداً مباشراً لمهم، وتتوافق مع الأحلام الكُردية، بدولة حديثة ذات طابع قومي، يدفع من أجلها الكُرد حالياً دماء شبابها،على أمل أن تتحول لواقع.
كاتب كُردي سوري