لا انتماء كمي للهوية، لسنا بأقلية وأكثرية
– د. سميرة مبيض
يقع كثيرون، عن عمد أو عن جهل، في خطأ توصيف فئة من مكونات الشعب السوري بالأقلية أو بالأكثرية من منطلق كون عدد الافراد المشكلين لهذه الفئة قد يكون أقل أو أكثر من سواها في إطار زمني ما وإطار مكاني ما غير ثابتين هما أيضاً ضمن هذا المفهوم الكمي الضبابي، وهو مفهوم لا يمكن اعتماده بأي حال من الأحوال في تعريف هوية الفرد فلا انتماء كمي في الهوية الفردية. كذلك يعتبر هذا التعريف غير سوي لتوصيف ماهية الشعب وينطلق من أسس تراتبية كمية لا مكان لها في الهوية الجماعية من جهة فالعامل الكمي العددي ليس مرتكزاً لبناء روابط تشكل هوية جماعية، دوناً عن تناقض هذا المفهوم مع جوهر المواطنة المتساوية القادرة على بناء الدول الحديثة.
فعلى خلاف صحة التعريف الكمي ضمن التيارات السياسية المشكلة للبرلمانات أو للحكومات، كالتيار السياسي للأغلبية البرلمانية أو للأقلية البرلمانية، فان توظيف هذا المفهوم لتوصيف مكونات مذهبية او عرقية لشعب هو مفهوم منحرف على عدة صعد أهمها هو أن تعريف الشعب من هذا المنطلق هو تعريف تقسيمي وليس تكاملي أي لا ينطلق من كون المعنيين يشكلون مكونات متكاملة في شعب واحد أساساً حتى وان امتلكوا المقومات الكافية لتحقيق هذا التوصيف، والثاني هو أن لا صحة لتعريف أي انسان بناء على عدد الأفراد الذين يتشارك معهم في سمة ما، فهي صفة ضمن عشرات الصفات التي قد تشكل هوية الانسان في أي موقع من العالم منها الهوية المهنية، الثقافية، اللغوية، الجندرية، المكانية والسياسية وغيرها فالصفات المكونة للهوية متعددة بشكل لا تقبل معه الانحصار بتوجه واحد.
من جهة أُخرى يُستخدم الانتماء الكمي في الإطار السوري، أو في أطر أخرى تقع تحت وزر نظم قمعية، كأدوات لتحكم السلطة بالمجتمعات عبر التحريض البيني وتغذية الصراعات المستمرة التي تستهلك إمكانيات وطاقات المجتمع وتحرف مسار بنائه المدني الذاتي نحو ما يعطي الأولوية لتحسين شروط التنمية والاستقرار، والسلطة هنا لا تعني نظام الحكم المتمكن ظاهراً وحسب بل مجمل المنظومة والتيارات السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية المُشكلة له بكونها المُستفيدة من توظيف مثل هذه المصطلحات لتسخيرها لأهداف سياسية وسلطوية.
ينجرف كثيرون بوهم القوة التي توحي بها هوية كميّة بقطبيها الأكثري والاقلّي المتضادين، في حين أن لا قوة لمثل هذا التعريف خارج الأطر السياسية كما ورد آنفاً، أما تحويل المفهوم الكمي قسراً لقوة ترتبط بانتماء مذهبي او عرقي او سواه فهو يعتمد حصراً على اشعال الحروب الاهلية، على المجازر، على الاستقواء بقوى عسكرية الى ما هنالك من موبقات قادرة على أن تهدم أي أثر للمدنية والتحضّر في أي مجتمع. يبقى الأثر الأشد سلبية لمثل هذه الانحرافات كامناً في التراكمات المتصلبة في المجتمع فبمجرد اعتماد أي فئة لنفسها انتماء كمي سيولد انتماءات كمية مضادة لها ويولد المجموع صراعات بين الانتماء لهويات كمية بما تتضمنه من سلبيات، ويبقى المنتمون لهوية المواطنة والهوية الطبيعية الجامعة خارج هذا الإطار حتماً وبالتالي خارج نطاق التأثير الفاعل.
اذاً ولتجاوز المنظور الكمي التضليلي للكثيرين وننتقل لمفهوم المكونات السورية المتكاملة لا بد أن نمتلك أدوات فكرية وتطبيقية تدعم توجهات مدنية حديثة، فكرياً لا بد من تحييد كل من لا يستطيع الخروج عن منظور منحرف بتقييم الآخر وفقاً لهوية مفُترضة ذات بعد كمي تمنحه أفضلية وهمية على الآخرين، فالأفضلية الوحيدة هي فيما يقدمه المواطن والمسؤول كلاهما على حد سواء من دفع بالمجتمع نحو الاستقرار والامن والتنمية، تطبيقياً يحتاج ذلك لمسارات سياسية لا أيديولوجية ولا تضليلية تفعل للتأسيس لدولة مواطنة.
مقياس انتهاء وهم الانتماء الكمي هو حين يصبح منطلق ومصب دعم المواطن لأي قرار على مستوى الدولة ينطلق من ويصب في المصلحة العامة، ولا زالت عتبة الوصول لهذا المعيار بعيدة للأسف وقد تكون سمة جيل قادم ينشأ على إدراك دور كل فرد دون استثناء في المجتمع ودور كل المكونات دون استثناء على صعيد الدولة ودور جميع الدول دون استثناء على صعيد الإنسانية حينها ستبدو له تفاهة الانتماءات الكمية واضحة بعدمية دورها الوظيفي في خلق التوازن والتقدم.
ليس في هذه الطروحات أي طوباويات كما قد يتصور للبعض، فهذه الانتماءات الكمية مُصنعة من قبل جهات سلطوية استفادت منها لزمن طويل جداً، بانتهاء هذه الجهات ستنتهي هذه الانتماءات لأن لا دافع ذاتي لإنتاجها والعكس صحيح فبانتهاء هذه الانتماءات الكمية الوهمية ستنتهي الجهات التي تعتاش على وجودها المُفترض، ولنا الخيار، كما كان منذ الأزل للإنسان العاقل.
nawatsyria