لذكرى الإستفتاء، عبق وشذى
صبحي ساله يي
عندما أبحرَ الكوردستانيون الأوفياء في يوم الإستفتاء نحو الاتجاه الصحيح المتوقع، وممارسة حقهم الطبيعي عبرعملية ديمقراطية، لتهيئة أسباب الحضارة، وغرس شجرة للولاء ليتفيؤا في ظلها ويحصدوا ثمارها، ويشعلوا الضوء الذي ينير أرجاء وطنهم الشامخ، ويحولوا حلمهم التاريخي الى حقيقة تنعم بالأمن والأمان، وعندما صوت 93% منهم لصالح الرغبة الحقيقية في الإستقلال. زلزلوا الأرض تحت أقدام المخالفين الصريحين للدستور العراقي والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، وسطروا بالاصرار والعزيمة الصادقة والايمان، أسطورة وملحمة وطنية نادرة تحمل بين طياتها أروع صفات الصدق وعمق التلاحم الصميمي بينهم وبين قيادتهم التي قلما شهد التاريخ الإنساني مثيل لها. وأثبتوا أنهم أصحاب صوت هادر يهز عروش الذين يحاولون إقامة الحواجز بينهم، وإنهم أقوياء وقادرين متمرسين على صدّ الهجمات التي تسعى للنيل من كوردستان، وإنهم قادرين على الإتفاق وقول الحق وإتباع سبيل تحدى الصعاب وحماية مكتسبات ثورتي أيلول وكولان وإنتفاضة آذار، وتسخير تلك المكتسبات في سبيل تهيئة مناخ سياسي مشبع بالعطاء والعزة والشموخ .
قبل الإستفتاء، خطط الأعداء التقليديين للكورد، لتمرير مشاريعهم ومعتقداتهم الفردية والجماعية، وزوروا الحقائق في سبيل خرق الدستور وكسر جدار التفاف الشعب الكوردستاني الأبي حول قيادته وبالذات الرئيس مسعود بارزاني الذي حمل بنفسه لواء الاستفتاء، وبدأوا أولاً، بخطوة الدعوة الى إلغاء أو تأجيل الإستفتاء وتذويبه، ففشلوا. ثم حاولوا شخصنة الإستفتاء وراهنوا على كسبها، فخسروا، وبعدها هددوا بالمقاطعة والحصار وفرضوهما، ولكنهم خابوا كما خاب الذين أنفلوا الكورد وقطعوا الموازنة السنوية للإقليم وحولوا وجهة داعش نحو كوردستان وحاربوا البيشمركه وضغطوا على الشركات النفطية والقنصليات الأجنبية للانسحاب من كوردستان.
للأسف كان في كوردستان، في تلك الأيام العظيمة، مجموعة معروفة لكل ذي بصيرة، مرتبكة سياسياً، سعت إلى شق وحدة الكورد والحركة الوطنية الكوردستانية، وممارسة الابتزاز من خلال الهلوسة والحديث عن عدم تهيئة الأرضية المناسبة للإستفتاء، والترويج بصيغ عدة لممانعات الدول الإقليمية، وعدم ملائمة الأجواء السياسية، والأهوال التي تنتظر كوردستان، وحاولت اللعب الساذج في الوقت الضائع، بل قبلت بشد عربات الآخرين إلى ظهورها، ولعب دور الكومبارس الغبي والحصان الأعرج في طبخات الكواليس المظلمة المعادية للإستفتاء ولأصحاب الفكرة والمشروع، وبالذات عندما خلطت كلامها وربطتها بقضايا تتصل باللا عقل والا منطق بقصد الاساءة للمجلس الأعلى للإستفتاء، وأثنت على المعادين للإستفتاء في بغداد، وشدت الرحال اليهم وأعلنت عن برائتها من الإستفتاء. ولكن أدائها المتدني المستوى وهرطقاتها ورطانتها وضحالتها السياسية وأطماعها وغباءها التاريخي، والنكرات المتجمعة حولها، بكل المعايير، جعلتها هزيلة ومشبوهة لدى المؤيدين والمعادين للإستفتاء، في آن واحد. وأصبحت لأسابيع وأشهر عدة، مادة إعلامية مضحكة في تفاصيلها، تفضح مدى سطحيتها وغبائها وحجم تورطها. ووقعت في مستنقعات مابعد السياسة النتنة، وعندما دخلت حلبة الانتخابات البرلمانية العراقية والكوردستانية، تقزمت وأصيبت باليأس وإستعدت مرة أخرى للاستمرار في النهج الخاطىء .
وأخيراً نقول : للذكرى السعيدة البهيجة الراسخة في العقول، والساكنة في أعماق الوجدان، شذاها الفوّاح، وعبقها الباعث عن الانتشاء فخراً واعتزازاً، عبق الجهد والجد والإخلاص الذي يلامس القلب مشاعر فياضة بحبّ الوطن الأشم والمشرق الوضاء، وشرف الانتماء إليه، والوفاء له ، والذّود عنه، والعمل في سبيله.