آراء

لله أولًا ومن ثمّ للتاريخ ..؟

جمال حمي

إن أزمة قطع رواتب الموظفين في إقليم كوردستان التي إفتعلها النوّاب في البرلمان العراقي يوم أمس ، هي أزمة سياسية مفتعلة وإيران هي التي تقف خلفها وهي من تحرّك أدواتها من العراقيين وغيرهم ضد الإقليم ، والإقليم يدفع ثمن مواقفه المبدئية والوطنية المُشرّفة والرافضة للإنصياع لإيران ورفضها القاطع لأن يكون الإقليم مجرد محافظة تابعة لإيران وأن يكون الإقليم ممرًا لها لتنفيذ المشروع الصفوي الشيعي في المنطقة ، وتفجير أنبوب النفط الذي يمتد من الإقليم إلى ميناء جيهان التركي والذي يُعتبر الشريان الإقتصادي الحيوي لشعب الإقليم في منطقة قريبة من مدينة ديار بكر قبل أسبوعين على يد تنظيم PKK ، يصب أيضًا في خدمة مؤامرات إيران على حكومة الإقليم لتركيعها ويتماهى كليًا مع مسألة قطع رواتب الموظفين ، حتى تنصاع حكومة الإقليم وتخضع للإملاءات الإيرانية .

فمنذ أن أعلن الرئيس مسعود بارزاني عزمه على إجراء إستفتاء شعبي لتقرير المصير للشعب الكوردي ، بدأت إيران في حياكة المؤامرات الواحدة تلوى الأخرى ضد حكومة الإقليم وراحت تحرك أدواتها في العراق وراحت تختلق المشاكل والأزمات بين حكومة الإقليم وحكومة المركز ، وراحت تحرك أدواتها في السليمانية كبافل طلباني وأمه هيرو أحمد وآلاء طلباني وسروت عبد الواحد وبقية جوقة الخونة في السليمانية ضد شخص الرئيس مسعود بارزاني وشنوا عليه حملة شعواء لتشويه صورته وسمعته وهاجموا مقرات الحزب الديموقراطي الكوردستاني وأحرقوا بعضها بحجة حرية الرأي والتعبير !

وعندما لم تنجح هذه الخطة بسبب صلابة موقف الشعب الكوردي وقيادته ، إنتقلت إيران إلى الخطة الثانية فحركت عميلها نوري المالكي الذي كان رئيسًا للوزراء آنذاك ، فأمر نوري المالكي بعض قادات ألوية عسكرية من الجيش العراقي بإخلاء معسكراتهم ومغادرتها وترك كل سلاحهم وعتادهم أمام جحافل داعش لكي يسيطروا على هذه الأسلحة وكذلك منح داعش 11 ألف سيارة بيك آب من صنع شركة تويوتا اليابانية وبإعتراف الشركة نفسها ، وكذلك ترك لهم المجال ليستولوا على ملايين الدولارات من بنوك الموصل ، وبهذا فقد دعم نوري المالكي تنظيم داعش بالمال وبأحدث الأسلحة الأمريكية وسلطهم على الشنكاليين وإرتكبوا بحقهم أفظع الجرائم وذلك لتأليب الرأي العام الكوردي ضد الرئيس مسعود بارزاني وزرع الفتن الداخلية بين الكورد وضرب لحمتهم الوطنية ، لكن الخطة فشلت كسابقاتها بسبب تضحيات البيشمركة البواسل ووعي الشعب الكوردي لحجم المؤامرة وتماسكهم وتصديهم لها ، فتم دحر تنظيم داعش وتمت هزيمته شر هزيمة وبالتعاون مع التحالف الدولي .

ثم لجأت إيران إلى خطة جديدة فجاء قاسم سليماني إلى السليمانية بحجة التعزية بوفاة الراحل جلال طلباني وهناك إجتمع مع قيادات كوردية عميلة ومرتبطة بإيران وتم الإتفاق على تسليم كركوك إلى الجيش العراقي والحشد الشعبي ، وقد إعترف بافل طلباني بنفسه في قناة فرنسا 24 بأن خمسين قياديًا كورديًا وقعوا على ميثاق الغدر والخيانة ، 38 من حزب الإتحاد الوطني الكوردستاني و 8 من تنظيم PKK و 4 من حركة التغيير ، وبالفعل قاموا بتسليم كركوك إلى إيران عبر أدواتها وأزلامها وحصلت خيانة وطنية كبرى .

ولاشك أن إتفاق الشنكال الآخير الذي تم بين الحكومة العراقية وحكومة الإقليم مؤخرًا والرامي إلى إخراج جميع الميليشات من الشنكال بما فيها الحشد الشعبي وتنظيم PKK وتسليمها إلى إدارة الإقليم ، آثار حفيظة إيران وأدواتها في الداخل العراقي ، ولذلك نجد بأن تفجير أنبوب النفط على يد تنظيم PKK المرتهن لإيران ومسألة قطع رواتب الموظفين ، يأتي كل ذلك كرد فعل على إتفاق الشنكال وقد تتبعها خطوات عدائية أخرى تهدف إلى النيل من عزيمة القيادة في إقليم كوردستان وتضاف إلى مؤامرات إيران التي لا تنتهي على حكومة الإقليم بهدف تركيعها .

ومع كل هذا وذاك ، بقيت حكومة الإقليم ثابتة على مواقفها الوطنية المشرفة ولم تتنازل لإيران ولم تقبل أن يكون الإقليم ممرًا لمؤامراتها الشيطانية ضد شعوب المنطقة ، فراحت إيران تنسج المؤامرة تلوى الأخرى ، لكن كل مؤامراتها كانت تتحطم على صخرة مواقف القيادة في إقليم كوردستان ، ولم يبقَ أمام إيران سوى فرض سياسة الحصار والتجويع وقطع رواتب الموظفين في الإقليم وعبر أزلامها الخونة في البرلمان العراقي ، ومن أجل هذا نقول أن الإقليم اليوم يدفع ثمن مواقفه الوطنية المشرّفة .

أعتقد بأن العالم العربي كله مدينٌ للقيادة البارزانية في إقليم كوردستان ، لأنها القلعة الوحيدة في العراق وربما في المنطقة كلها التي لم ترضح لإملاءات إيران ولم تسمح بأن يكون الإقليم الكوردي مجرد محافظة تابعة لإيران وممرًا لتوسعها في المنطقة وكانت عصية على تنفيذ المشروع الصفوي الإيراني أو مايسمى بالهلال الشيعي في المنطقة ، ولذلك يتعرض الإقليم الكوردي إلى مؤامرات ودسائس منذ سنوات على يد إيران تنفذها القوى والحركات السياسية والدينية في العراق مدعومةً بالميليشيات التي تشرف عليها المخابرات الإيرانية داخل العراق كعصائب أهل الحق والحشد الشعبي وغيرها ، ومسألة قطع رواتب الموظفين في كوردستان التي أقرها البرلمان العراقي اليوم بسنتهم قبل شيعتهم تأتي في سياق إستكمال الضغط الإيراني على حكومة الإقليم كي تنصاع لآوامر علي خامنئي وتخضع له ، وكذلك فإن الغرب اليوم أيضًا أمام مسؤولية آخلاقية وإنسانية تجاه شعب الإقليم الذي قدم آلاف الشهداء من أجل دحر أخطر منظمة إرهابية في التاريخ الحديث آلا وهو تنظيم داعش ، ومن أجل هذا فإن العالم العربي والغربي أيضًا أمام مسؤولية آخلاقية وإنسانية تجاه شعب الإقليم الذي يتعرض إلى سياسة الحصار والتجويع والتركيع من قبل إيران وأزلامها في العراق .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى