لله أولًا ومن ثمّ للتاريخ …؟
بقلم : جمال حمي
الكورد وعبر التاريخ كله لم يكونوا أوفياء لقوميتهم مثل بقية شعوب المنطقة ، فهم سريعو الذوبان في بوتقة الآخرين ، وكانوا ومايزالون على هذه الحال ، يضعون كل رأسمالهم الفكري في خدمة الثقافات والقوميات الأخرى فكتبوا وأبدعوا باللغة العربية والتركية والفارسية ولم يكتبوا مخزونهم الفكري بلغتهم الكوردية ، فأغنوا مكتبات الآخرين بالأدب والفكر والشعر والدين وغيرها من علومٍ ومعارف إلى درجة أن كورديًا صار أمير شعراء العرب وهو الشاعر الكبير أحمد شوقي وكوردي آخر صار عملاق الأدب العربي وهو الأديب عباس محمود العقاد وكوردي آخر صار شيخ قُرَّاء القرآن الكريم في العالم الإسلامي وهو الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وكوردي آخر صار من أكبر الداعمين لحقوق المرأة وهو قاسم أمين وكوردي آخر صار رائدًا للفكر وهو الشيخ محمد عبده وكورد آخرين كثر صاروا من روّاد الفكر والأدب والفن في العالم العربي وهم عائشة التيمورية ومحمود تيمور والمخرج السينمائي علي بدرخان وسعاد حسني ونجاة الصغيرة ورشدي آباظة ومحمود المليجي ونجيب الريحاني وغيرهم الكثير ، إضافةً إلى محمد علي باشا صانع مصر الحديثة وباني نهضتها هو وأبناؤه وأحفاده العشرة الذين حكموا مصر قرابة 150 سنة وكان عصرهم وباعتراف المصريين أنفسهم العصر الذهبي لمصر الحديثة ، فكان للكورد دور كبير في النهضة الفكرية في مصر .
أما في سوريا ، فكان محمد كرد علي أول وزير للمعارف والتربية في سوريا وكان مفكرًا وأديبًا وأسس أول مجمع للغة العربية وكان مدافعًا عن هذه اللغة ربما أكثر من العرب أنفسهم ، ناهيكم عن الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي كان كل أهل سوريا يشاهدون دروسه التي كان يلقيها في التلفزيون السوري كي يتعلموا أمور دينهم منه إضافةً إلى مفتى الجمهورية الأسبق أحمد كفتارو الذي أسس مجمع كفتارو للعلوم الشرعية والدينية وغيرهما الكثير الكثير من علماء الدين الذين كان لهم دور كبير في خدمة الإسلام في سوريا وخارجها ، أما على الصعيد الفني ، فأكبر ممثلي سوريا وعمالقتها كانوا من الكورد كأمثال عبد الرحمن آل رشي وخالد تاجا ومنى واصف جلميران وغيرهم الكثير والحديث في هذا طويل وله شجون .
خلاصة القول : نستخلص مما سبق الآتي : أولًا الكورد لم يكونوا عنصريين يومًا ولم يكونوا أوفياء لقوميتهم أيضًا والأمثلة في هذا الصدد أكثر من أن يتسعها مقال ، ثانيًا : هذا يقودنا إلى حقيقة لا يشكك فيها إلا معاند ومكابر ، أن الكورد لم يكونوا عالة على أحد يومًا ، فأينما ذهبوا وأينما حلّوا ، تجدهم عناصر فاعلة ونشطة في المجتمعات التي يعيشون فيها وفي كثير من الأحيان على حساب قوميتهم وعلى جميع الأصعدة ، ثقافيًا وفكريًا وأدبيًا وفنيًا وسياسيًا ودينيًا وعسكريًا وأعطوا كل مخزونهم الفكري للآخرين ولم يبخلوا عليهم بشيء ، لكن ماذا قدمت الشعوب الأخرى للكورد غير المآسي والعنصرية والإنكار وطمس الهوية ونكران القومية الكوردية وعشرات المجازر والمذابح عبر التاريخ ؟
وكشهادة أدلي بها أمام الله أولًا ومن ثم أمام التاريخ ، الشعب المصري هو الوحيد الذي لم يتعامل مع الكورد بعنصرية ، فما أن تدخل المواقع الإخبارية والثقافية والفنية المصرية ، تجد عشرات المقالات والكتابات لمصريين ، يقرون ويعترفون بأسماء الشخصيات الكوردية البارزة التي ساهمت بشكل كبير في نهضة مصر الفكرية فيقولون بكل صراحة وشجاعة وبصدق ، هؤلاء مشاهير الكورد الذين عاشوا في مصر وكان لهم دور كبير في بناء مصر الحديثة ، أما عرب سوريا والعراق على وجه التحديد ولا نعمم طبعًا ، فحدّث عن عنصريتهم تجاه الكورد ولا حرج !