لماذا استقبلت الدول الأوروبية آلاف الشبيحة السوريين كلاجئين؟
فيصل القاسم
لا بد طبعاً في البداية من توجيه الشكرللبلدان الأوروبية كألمانيا وبريطانيا وفرنسا والسويد وهولندا وفنلندا وإيطاليا وإسبانيا وتركيا وغيرها على استقبال ملايين اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم النظام الذي قتل حتى الآن أكثر من مليون سوري وشرد أكثر من نصف الشعب، ودمر ملايين البيوت بطائراته ودباباته، ونهب عشرات الألوف من المنازل.
ولو نظرتم إلى شكل الدمار في سوريا لوجدتم أن معظم البيوت مقصوفة من الجو، وهذا يعني أن كل ما نشاهده من مظاهر الخراب التي حلت بسوريا وتكاد تتفوق على مشاهد الحرب العالمية الثانية ببشاعتها، هي من أفعال الجهات التي تملك قوى جوية كالنظام السوري والروس تحديداً. ومن الغريب أن روسيا التي شاركت في تدمير سوريا بمئات الأنواع من الأسلحة التي استخدمتها على الأرض السورية بشهادتهاهي نفسها، لم تستقبل لاجئاً سورياً واحداً، ووضعت مئات العراقيل أمام أي سوري يريد أن يحصل على تأشيرة لدخول أراضيها، مع العلم أن طائراتها استهدفت حتى المشافي والمدارس السورية. بعبارة أخرى، فإن المسؤول الأول عن تدمير سوريا وتهجير شعبها هو صاحب اليد العليا من الجو، مع الاعتراف طبعاً أن بعض الفصائل الشيطانية ساهمت بطريقتها في التدميروالتهجير والنهب والسلب.
لكن لا يمكن مقارنة التدمير الذي مارسه النظام وحلفاؤه الروسمن الجو بما فعلته بعض الفصائل على قذاراتها.
ماذا يفعل أهالي المناطق التي سوّاها الطيران السوري بالأرض كحمص وحلب ودرعا وريف حماة ودير الزور وغوطة دمشق وغيرها الكثير من المناطق السورية المنكوبة؟ ليس أمامهم طبعاً سوى الهرب من سوريا لأن النظام استهدف مناطقهم حصراً، ودفعهم للهجرة خارج البلد. أما المناطق المؤيدة للنظام فلم يُسقط عليها الطيران السوري برميلاً واحداً. وظل سكانها يدخنون الشيشة حتى الصباح، وخاصة في مدن الساحل ودمشق. ويتذرع بعض سكان المناطق المؤيدة أنهم كانوا يتعرضون لهجمات من داعش وغيرها،لهذا طلب بعضهم اللجوء. ولو صدقنا مثل هذه المزاعم المشكوك فيها، من حقنا الآن أن نسأل:ماذا يفعل آلاف اللاجئين المؤيدين للنظام الذين هاجروا إلى أوروبا بحجة الخوف من داعش والنصرة وغيرها؟ لم يعد هناك أي وجود لداعش لا في الساحل السوري ولا في الجنوب ولافي أي منطقة مؤيدة أخرى. وحتى الدواعش الذين هجموا على محافظة السويداء قبل فترة، وقتلواأكثر من ثلاثمائة شخص واختطفوا العشرات، كانوا من منسوبي المخابرات السورية بشهادةأهل السويداء أنفسهم. بعبارة أخرى، لقد كانت مناطق النظام التي هاجر منها ألوف المؤيدين إلى أوروبا بحجة الهرب من الدواعش، كانت آمنة إلى حد بعيد.
لقد وقعت الدول الأوروبية التي استقبلت اللاجئين السوريين في حيرة من أمرها قبل سنوات، وكانت تستقبل الهاربين من داعش قبلالهاربين من جحيم النظام الذي تفوق وحشيته الوحشية الداعشية بعشرات المرات. وحسب إحصائيات الأمم المتحدة فقد اتضح أن نسبة الذين هربوا من خطر داعش لم تتجاوز خمسة بالمائة على أرض الواقع، بينما كانت نسبة الهاربين من المناطق التي دمرها النظام تفوق التسعين بالمائة.
وكان الأوروبيون يتضامنون مع أي شخص يقول إنه هارب من الإرهابيين الدواعش وغيرهم، وكانيحصل على اللجوء فوراً. لا بل إن بعض الأشخاص كانوا يُخبرون بعضهم البعض عندما يصلونإلى أوروبا بأن يقولوا للسلطات الأوروبية إنهم تركوا سوريا بسبب الإرهاب الداعشي، لأنالسلطات هناك كانت تمنحهم حق اللجوء بسرعة أكبر. وقد اضطر كثيرون أن يكذبوا على السلطاتالأوربية ويقولوا لها إنهم هاربون من داعش وليس من النظام لتسريع إجراءات الحصول علىحق اللجوء.
ولو افترضنا أن بعض اللاجئين الذين حصلواعلى حق اللجوء في أوروبا كانوا فعلاً هاربين من الإرهاب الداعشي وغيره، فلماذا لا تبدأالحكومات الغربية بالنظر في أوضاعهم مرة أخرى كي يعودوا إلى سوريا، خاصة وأنهم من أكثرالمؤيدين للنظام، ويخرجون في مظاهرات تدافع عنه في الساحات والميادين الأوروبية علىالملأ؟ لماذا تنفق تلك الدول ملايين اليوروهات على أشخاص ينتمون إلى النظام وربما شارك بعضهم في قتل وتهجير اللاجئين الحقيقيين؟ كيف تسمح الدول الأوروبية لعشرات الألوف من مؤيدي النظام السوري أن يحصلوا على حق اللجوء وما يتبعه من امتيازات في السكن والتربية والرواتب وغيرها، بينما باستطاعتهم سالمين آمنين تحت سيطرة النظام في سوريا؟ لماذالا تقول لهم إن النظام الذي تدافعون عنه وتحبونه أولى بكم، ويجب أن تعودوا للعيش في أحضانه، فهو قارد على حمايتكم، لا بل يحتاجكم الآن في صفوف جيشه المنهار؟
لقد كان وزير داخلية مقاطعة بايرن الألمانية«يواخي هيرمن» محقاً عندما قال إن «هناك العديد من اللاجئين السوريين المؤيدين للأسدفي ألمانيا، وهم غير مهددين بالقتل والتعذيب في حال ترحيلهم إلى سوريا». وأضاف الوزيرفي مقابلة تلفزيونية، أنه «يجب على المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين التفريق بين اللاجئين السوريين المؤيّدين للأسد، وبين المُهددين فعلاً من نظامه». أليس من الأفضل للدول الأوروبية وللاجئين السوريين الحقيقيين أن يأخذوا الأموال الطائلة المرصودة للاجئين المزيفين الذين يعمل الكثير منهم بوظيفة مخبرين وجواسيس لصالح النظام؟ لماذا تدفع أوروبا ملايين اليورهات على أشخاص يتجسسون على اللاجئين الحقيقيين، ويكتبون التقارير للنظام من أوروباكي يلاحق أهلهم أو من تبقى منهم في سوريا والسطو على ما بقي من أرزاقهم؟ إن منح حقاللجوء لأتباع النظام السوري لا يشكل عبئاً مالياً فقط على الدول الأوروبية، بل يشكل أيضاً عبئاً أمنياً خطيراً على الدول الأوروبية وعلى اللاجئين السوريين الحقيقيين الذين هربوا من سوريا من الشبيحة، فوجودهم أمامهم في أوروبا. نترك هذا الكلام برسم السلطات الأوروبية كي تعيد النظر وتتحرك في أقرب وقت ممكن توفيراً للمال وتعزيزاً للأمن. ولاتنسوا أن مفتي النظام السوري أحمد حسون هدد الدول الأوروبية قائلاً بالحرف الواحد:«أقولها لكل أوروبا وأقولها لأمريكا سنعد استشهاديين هم الآن عندكم ليضربوكم. وبعداليوم العين بالعين، والسن بالسن».
القدس العربي
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media