لماذا قاطع مسعود بارزاني الانتخابات العراقية؟!
إدريس سالم
إن أكثر ما يلفت الانتباه في الانتخابات البرلمانية العراقية منذ بدايتها، ووصولاً إلى ظهور نتائجها، هو عدم مشاركة رئيس إقليم كوردستان السابق ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، مسعود بارزاني، في هذه الانتخابات “هو الوحيد الذي لم يشارك في الحملة الانتخابية”، سواء سياسياً أو إعلامياً، وما مشاركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الانتخابات، وفوزه الكاسح على الأحزاب الكوردية المشبوهة بتحالفاتها وإملاءاتها، إلا لتوجيه رسالة عميقة وسياسية إلى حكّام بغداد، فحواها: “إنها فرصتكم الأخيرة”، فلماذا قاطع مسعود بارزاني هذه الانتخابات، بصفته رئيساً سابقاً للإقليم وزعيماً وبيشمركة؟، ما السرّ وراء ذلك؟، وماذا يعني؟، وعدم مشاركته أتخدم تطلّعات الكورد في الاستقلال والتحرّر، أم قبول العيش مع عراق موحّد، يحكمه قادة قم؟.
لعلّ مشاركة السيد مسعود بارزاني في الانتخابات البرلمانية العراقية سواء بصفة خاصة أو عامة تعني الكثير من الدلالات والرسائل، فمشاركته تعني أنه يوافق على إلغاء نتائج استفتاء استقلال كوردستان، وقبوله الضمني بوحدة العراق الجغرافية والسياسية، ورضوخه لتسليم كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها إلى حكّام بغداد، الغارقين في وحل الفساد وتنفيذ سياسات القم الإيراني، ومن فم ساكت، وهذا ما لن يفعله قائد اختبر كل المحن والنكسات.
لقد قاطع مسعود بارزاني الانتخابات البرلمانية العراقية، ليثبت وبدليل واضح للقاصي والداني، للخائن والوطني، للصديق والعدوّ أنه إنسان صاحب مبدأ وموقف، وحامل لراية الاستقلال، ومدافع عن مواقفه السابقة بإصرار وعِناد لافتين، ورفضه لمبادئ الشراكة والتوافق والتوازن وكل قرارات الدستور العراقي الشيعي، الدستور الذي تنفذ موادّه من داخل أروقة مراكز صنع القرار في بغداد بمزاجية وانتقائية.
إن إعلان الحزب الديمقراطي الكوردستاني مقاطعة الانتخابات البرلمانية في محافظة كركوك يشير إلى وجود مفاجآت سياسية ساخنة قريبة الظهور والتفجير، وأن وضع كركوك الراهن – بحسب تصريحات مسعود بارزاني – هو وضع مؤقت، وكان على بقية الأحزاب الكوردية الأخرى ومجموعة 16 أكتوبر أن تدرك هذه الحقيقة، وتقتنع أن عمق القرار الكوردي هو في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وأن جميع مراكز القرار في الدول العظمى تتعامل كلها مع هذا الحزب، لا مع الذين يتعاملون مع الحكّام الفاسدين في بغداد، والذين باعوهم اليوم في الانتخابات البرلمانية، أولئك الذين شخّصوا مبدأ تقرير المصير والاستفتاء على أنه خطأ كبير “يتحدّثون وكأنهم أبواق لنظام صدام البائد أو حكومة بغداد الشيعية”.
إن المشروع الذي يحمله مسعود بارزاني يلعب دوراً كبيراً في التأثير على قناعات الشعب الكوردي بالتمسك بالاستقلال والحرية وعدم التفريط بهما، وليس خياراته، بعكس بعض الأحزاب والقيادات الكوردية المسيّرةِ من قبل حكّام بغداد وطهران، الذين بمالهم السياسي المحدود أثروا على خيارات الناس فقط وليس قناعاتهم، حيث أجبروا الكثيرين على الانتخاب خارج قناعاتهم، بسبب الضخ المالي وديمقراطية الولائم.
على ضوء كل ما سبق، أرى أن انتصاراً حقيقياً يقترب من أبواب القلاع الكوردية، سيصل صداها الإيجابي لأبواب السجون في غربي كوردستان، وأن انغماس إصبع الرئيس مسعود بارزاني بحبر استفتاء الاستقلال ورفضه لحبر الانتخابات البرلمانية العراقية لا يعني أن مشاركة الكورد في هذه الانتخابات كانت مشاركة خاطئة، بل على العكس، هي حقبة جديدة لكوردستان، تطل هذه المرة على التحرير والاستقلال، فهذه المشاركة هي استفتاء آخر وأخير للوصول إلى الاستقلال.
RUDAW