لقاءات وحوارات

لمحات من مسيرة المناضلة فاطمة شرنخي

مع انطلاقة الحركة السياسية وتأسيس البارتي ظهرت للمرأة الكردية دور فاعل ومؤثر، وان لم ترتق الى درجة جماهيرية واسعة وايضا آفاق كبيرة ، لكنها كانت او اصبحت القاعدة التي على اساسها بنيت الأرضيات التنظيمية للنساء في الحركة السياسية الكردية ، ولعل السيدة – فاطمة شرنخي – ستكون الإسم الاكثر شهرة كواحدة من النساء الرائدات فعلا والتي كان بيتها بالفعل أشبه بمقر للحزب ولم يبق اي ملاحق او ضيف إلا وعبر من خلال ذلك البيت الى محطات أخرى، ناهيك عن نشاطها التنظيمي وهي تعد اول مسؤولة لتنظيم المرأة في الحركة الكوردية .. ونظرا” لدور هذه الأم العظيمة ارتأينا الحوار عبر جريدة ( يكيتي ) لتوجيه بعض الأسئلة إلى نجلها الاستاذ صديق شرنخي، الشخصية السياسية والثقافية المعروفة شاكرين له عن منحه لنا جزءا من وقته الثمين.

كانت للمناضلة فاطمة شرنخي دورا رياديا بارزا في النشاط السياسي الكردي في ادق واصعب المراحل الحزبية والسياسية.

– عاصرت المناضلة فاطمة شرنخي اعتقالات ١٩٦٠ وكانت صلة الوصل بين القيادات الملاحقة، وعايشت مرحلة الخلافات الحادة والتي ادت الى تقسيمات عديدة.
يقال بأن الراحلة حتى آخر لحظات حياتها كانت تحلم بوحدة الحركة السياسية الكُردية؟ كيف تقرؤون ذلك؟وهل لايزال وحدة الحركة السياسية حلماً؟

لقد تفضل السياسي الكردي الاستاذ صديق شرنخي، نجل المناضلة الراحلة، في الإجابة التالية مقدرين الجهد ونبل مشاعره وهو يستذكر والدته الراحلة وكواحدة من رواد العمل النسوي السياسي ، ونثمن فيه سرده المسهب وتجاوزه لنمط الحوار الى سرد حقيقي لنضال أسرة يعرفها كثيرون ممن واكبوا العمل النضالي، مما قدمته هذه العائلة المناضلة، فيقول الأستاذ شرنخي:
في مقابله يكيتي ميديا مع الاستاذة سعاد جكرخوين تقول:
بدأت اعمل كمعلمة وكيلة في حارة قدوربك بشهادتي الكفاءة وهناك تعرفت على المناضله فاطمه شرنخي وترددت على بيتها.. وأصبحت علاقتي مع النساء مباشره حيث اجمعهم لأقرا عليهم بيانات الحزب التي كانت تاتيني من هيئة الحزب لأشرح لهم مضمون البيان.. ومن تلك النساء البارعات فاطمة شرنخي ،كجا كرد ونساء أخريات مناضلات.

وتتابع: أسسنا فرع الشبيبة للفتيات عيننا فيها مزكين ابنة فاطمه شرنخي مسؤوله عنهن.
ومن ثم يقول في نبذة عن حياة وبدايات النضال السياسي لوالديه:
فاطمة شرنخي: ولدت هذه السيدة المناضلة سنة 1917 في شرنخ التابعة لجزيرة بوطان في كوردستان تركيا ، نزلا الى كوردستان سوريا (بن خه ت ) في أوائل الاربعينات، الى قرية حداد التي كانت تقيم فيها عائلة الشيخ ابراهيم حقي.. هذه العائلة التي كانت لها مكانة مرموقة وحظوة دينية عند الكثير من ابناء المنطقة ، وهناك وفي ذلك المحيط توسعت الافاق المعرفية عند الوالدة والوالد خاصة ان لهم جذور ثورية ، فقد كان جدي صوفي ابراهيم من المشايخ الذين شاركوا في ثورة الشيخ سعيد بيران ومن الذين التجؤوا إلى كوردستان سوريا نتيجة الملاحقة الأمنية لهم.

وفي سنة 1950 توجهت العائلة الى مدينة القامشلي وسكنت حي قدور بك الذي كان يقطن فيها رجالات من منظمة خويبون ، وأيضا اعلام كوردية مثل احمد نامي و عبدي تيلو وملا احمد شوزي والكثير من العائلات البرجوازية الكوردية مما فتح امام العائلة آفاقا سياسية أوسع.

لقد كان والدي أحمد شرنخي وأمي فاطمة شرنخي يفتخران جدا بلقبهما وانتمائهما الى شرنخ ، هذا اللقب الذي كان سببا في تجريدهما من الجنسية السورية نتيجة للإحصاء المشؤوم الذي تم في عام 1962 وظلم فيه الكثيرون من ابناء الشعب الكردي.

تمسكت عائلة شرنخي بأصالتها ونمت في مستوى وعيها القومي بقوة واستندت على وعيها العميق بمأساة الشعب الكوردي الذي حرم من كافة حقوقه ، هذا الشعب الذي رفض الرضوخ وسعى للنضال في سبيلها ، وحيث ان الحزب الشيوعي السوري والذي كان نشطا حينها وتميز بشعاراته البراقة مثل : الاشتراكية والحرية والمساواة ومساعدة الحركات التحررية ، فانخرطت فاطمة شرنخي في صفوف هذا الحزب وتعرفت وقتها الى خالد بكداش ورمو شيخو.

ويضيف الاستاذ شرنخي: وقد حدثتنا الوالدة كثيرا عن بداية الحزب الشيوعي وانطلاقتها القوية ، وكانت بالفعل حركة نزيهة ، وانضم إليها الكثير من الشباب الكورد المتعطشين للنضال من اجل حقوقهم ، لقد كان الحزب الوحيد امامهم وتوجهوا إليه كي يرووا عطشهم لنيل الحقوق المهدورة ..وهكذا توسعت قاعدة الحزب الشيوعي في مناطقنا الكوردية.

وفي تلك المرحلة كانت منظمة خويبون قد اخذت تتنشط في في دمشق والقامشلي وعفرين وكوباني وفي14 حزيران عام 1957 اعلن عن تأسيس اول تنظيم كوردي محلي ذو برنامج قومي وكوردستاني ، وكان قد تنبه الكورد المنضوون في الحزب الشيوعي الى زيف شعاراتهم المنادية بحقوق جميع الشعوب وظهر للعلن تقصير الحزب في تبني المطامح الكوردية ومطالبتهم بنيل حقوقهم المشروعة أسوة ببقية الشعوب.

ويضيف الأستاذ صديقي شرنخي :
استدرك والدي خطأ الإنضمام الى الحزب الشيوعي
فتركاه وانتسبا الى البارتي الديمقراطي الكوردستاني الذي كان سريع الانتشار بين الكورد في الجزيرة ودمشق وعفرين .. وطبيعي أن الوالدة كانت قد استفادت من تجربتها التنظيمية في الحزب الشيوعي لتتقدم الصفوف النسائية في البارتي واستمر نضال المرأة التي شهدت مرحلة النشاط في ذلك الوقت ونشطت فاطمة شرنخي بين صفوف النساء في الحي. ثم في المدينة وعلى اثر ذلك تأسست المنظمة النسائية التي قادتها في عام 1961.

ويضيف الاستاذ شرنخي:
تحملت الوالدة مسؤولية قيادة هذه المنظمة الفتية .وعلى الرغم من انها لم تكن تجيد القراءة والكتابة لكنها كانت تتمتع بذاكرة حية وقدرة على التحليل السياسي فنالت ثقة الرجال والنساء من حولها ، وعُرف عنها الصلابة والإرادة والشجاعة في إبداء الرأي ، وكانت خير مثال عن المرأة الكوردية القادرة على تحمل المسؤولية وان يكون لها مشاركة في النضال السياسي وحتى في صنع القرار.

كانت وبدعم قوي من والدي تنشط في المدينة والضواحي ، هذا النشاط الذي برز كظاهرة جديدة حينها عند النساء ، هذه الصورة التي ساهمت في تغيير الكثير من المظاهر البالية عن المرأة ، خاصة أنها استطاعت ان تعطي مثالا عن توافقها كإمرأة تنشط سياسيا وأم تربي اولادها وتهتم بهم أيضاً.

ويضيف الأستاذ صديق شرنخي:
مع دخول مرحلة الوحدة بين مصر وسوريا والتي ساد فيه حكم الطغيان بكافة اشكاله ، ومعه استهداف البارتي حيث اصبح غالبية الرفاق ملاحقين امنياً من قبل سلطة المكتب الثاني الناصري الشرس . مما اضطر الحزب للجوء الى اقصى درجات السرية ، فتحركت المرأة لتعمل كساعي بريد في نقل المناشير والمطبوعات والمراسلات الحزبية ، وذلك لبعدها عن دائرة شك اجهزة الأمن . وكذلك مع ازدياد الملاحقات التجأ الكثيرون منهم الى منزل فاطمة شرنخي ، وازداد الحمل عليها ، ومع هذا شكلت مع مجموعة من النساء لجنة لجمع التبرعات العينية من مواد ونقود ومن ثم توزيعها على العوائل حسب حاجتهم ، واستمر الوضع هكذا الى سنة الأعتقالات الكبيرة في عامي 1961 و 1962 .. وقد صدف أن بقي الكثير من المعتقلين في سجن قامشلو فكانت تطبخ الطعام لهم في منزلها وتعمل على ايصال الطعام الى المساجين في السجن بإنتظام وقد مرضت خلال هذه الفترة بسبب الإرهاق وللجهد الكبير الذي بذلته.

ومن ذكرياته يضيف الاستاذ شرنخي يقول:
مما أذكره في تلك المرحلة : ان امي احتفظت بأدوات المطبخ كالصحون والكاسات والطناجر في قبو المنزل كي تستلمها قيادة الحزب ، ولكن للاسف ! عصفت الخلافات بهم ، وذهبت القيادة وبقيت تلك الادوات دون ان يستلمها أحد.

ولم يقتصر دور المناضلة فاطمة شرنخي على الشأن الداخلي الكردي السوري ، بل الى كوردستان العراق ايضا ، فمع انطلاقة ثورة ايلول في كوردستان العراق سعى الحزب الى مساعدة الثورة الكوردية قدر استطاعتها ، وكانت الوسيلة الأكثر ضمانا لذلك ، هي نساء جريئات لوصول التبرعات عبر الحدود .وهكذا كانت الوالدة ترافق تلك المساعدات الى الجهة الاخرى وتسلمها بأمان وتعود بوصولات استلام . ناهيك بأنها كانت تكلف بعض النساء بخياطة ملابس البيشمركه وتوصلها ايضا الى الحدود.

ويضيف الأستاذ شرنخي:
ولقد تحدث الكاتب المعاصر بافه روشن عن تلك المرحلة في كتابه عن تاريخ الحركة الكوردية وذكر نضال فاطمة شرنخي وما قدمته للحركة مستذكرا ايضا امثلة عن مواقف جريئة لها.

وبعد دخول الحزب الى مرحلة الخلافات الحادة ، والوصول الى مرحلة الإنشقاق عام 1965 التزمت هي بالخط اليساري واستمرت بعملها الى جانب تنظيم المرأة ونقل المناشير ومن المفيد استذكار هذه الحادثة التي جرت معها حيث كانت في مهمة لنقل المناشير وكانت قد لفتها على بطنها وهي جالسة في السيارة ، واستوقفتهم دورية للهجانة ، ولفت نظر واحد من عناصر الدورية مظهرها وخاطب زميله قائلا : انظر الى وجه هذه المرأة النحيفة وبطنها الكبير .. ولكن الأمر تم بخير.

ويضيف الاستاذ شرنخي:
كانت تشارك دائما مع مجموعتها في الإحتفال بعيد المرأة وعيد نوروز الذي كان ممنوعا ، فكان يموه على أساس أنه حفلة خطبة او عرس وكانت تتم فيها قراءة كلمات الحزب والكلمات الوطنية وتوزع الحلويات والسكاكر وفي اليوم التالي تخرج العائلات للاحتفال في الطبيعة . ويستذكر كثيرون الآن كيف انهم حضروا نورز في طفولتهم مع امهاتهم في منزل آل الشرنخي ، وكلنا يعرف ما شكله نورز من وعي جمعي وأيضا من أهمية في الاحتفال بتلك المرحلة.

ويضيف الاستاذ صديق شرنخي:
في عام 1970 وبعد المؤتمر الذي وحد شقي الحزب اليمين واليسار والذي ترأسه دهام ميرو ( وطفت ممارسات كيدية الى السطح حيث تم عزل قياديي وكوادر اليسار الكوردي ) .
ولمرات عديدة ذهبت فاطمة شرنخي الى منزل دهام ميرو في القامشلي بحي قدوربك وناقشته حول تلك الممارسات وذكرته بعدم التزام الحزب بالخط المرسوم له وبقيت تناضل مع مجموعة للمحافظة على الخط الصحيح للحزب.

ويستذكر الأستاذ صديق شرنخي بعض من النسوة اللاتي شاركن المناضلة فاطمة شرنخي ومنهن: كلسن عبد المجيد.. فاطمة أومري.. سورية سيامندو.. حنيفة.. زوجة عمر زرو.. سلطانة زوجة ملا أحمد نيو.. وبنات ملا احمد شوزي وزوجة خالد مشايخ.. وزوجة حسن بشار.. ولفيف من النساء الكورد النشيطات.. وأخريات.. وقد جرت العادة في الاجتماعات انها كانت تختار احدى المتعلمات لتقرأ لهن منشورات الحزب وتدون ما يلزم من تقارير وما شابه .. ويضيف الاستاذ شرنخي : وكثيرا ما كانت تطلب منا نحن اولادها ان نقرأ لها جرائد ومنشورات الحزب.

وفي الختام يؤكد الأستاذ شرنخي بان المناضلة الراحلة بقيت وفية لقضيتها القومية ولحركتها على الرغم من حالة التشرذم والفرقة ، وبقيت مواظبة ايضا على عملها التوعوي للفتيات والنسوة تحثهن على الإنخراط في العمل السياسي دفاعا عن القضية ، وتستذكر معهن وبتحليل وتسلسل زمني لمجريات الاحداث ومآلات الحركة الكوردية ، وظلت هكذا حتى مرحلة اشتداد مرضها أيضاً.

ويضيف استاذ صديق في استرساله عن والدته المناضلة عتبا حول قصور الحركة السياسية الكوردية في سوريا بحق مناضليها ومناضلاتها وكتوثيق هام لمجمل الحركة فيقول:
بكل أسف الحركة الكوردية لم تكرمها كما يفترض لأمثالها ، ومما (أذكر فأن الحزب الديمقراطي التقدمي كانوا يدعونها في المناسبات لتلقي كلمة وقد منحت اوسمة من بعض الصحفيين الذين أجروا مقابلات مطولة معها مثل جريدة بوير.. وحزب الوحدة أصدر منشور عن النساء الكورديات وذكرها).

ويختتم الاستاذ صديق شرنخي عن هذه المناضلة الرائدة رحمها الله : كانت تستحق أن تولي اهتمام أكثر بها كأول امرأة قادت تنظيما نسائياً.

 

الحوار منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٣”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى