أخبار - سوريا

(ليس دفاعاً عن هوشنك اوسى) …

فؤاد عليكو

منذ بضع سنين، والكاتب الشاعر” هوشنك اوسي “يضع الإصبع على الجرح النازف، منذ قرابة نصف قرن، أي منذ تأسيس منظمة pkk كتنظيمٍ سياسي كٌردي، راديكالي التوجه في كُردستان تركيا، الذي كان يدعو إلى تحرير وتوحيد كُردستان بأجزائها الأربعة، وإلى النضال من أجل إزالة هذه الأسلاك المصطنعة، أي الحدود السياسية، من قبل الأعداء وتوحيد كُردستان، على أن تكون ساحة الكفاح المسلح أولاً كُردستان تركيا، كما اتهم القوى السياسية  الكُردستانية الأخرى بالخيانة؛ بسبب دعوتها لخلاف ذلك، وعليه يجب محاربتها أيضاً، وهكذا دخل pkk بدايةً في صراعٍ مع الأحزاب الكُردستانية في تركيا، حتى أفرغ الساحة لنفسه تماماً ، كما أنّ هذا الشعار استقطب الآلاف من الشباب الكُرد في كُردستان تركيا وسوريا ؛ نظراً لتعامل الحزب مع النظام السوري ، الذي سهّل له كلّ سبل التحرك اللازم للنشاط في الشارع الكُردي بغية استخدامه كورقةٍ في خلافاته مع تركيا آنذاك، كما ساعده النظام في تدريب مقاتليه في البقاع اللبناني ، بالتنسيق مع حلفائه الفلسطينين هناك، كأحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية – القيادة العامة،  لكنّ هذا الحزب حطّم آمال الآلاف من الشباب الكُرد، خاصةً بعد اعتقال زعيمهم عبدالله أوجلان في شباط ١٩٩٩، وتراجعه في المحكمة عن كلّ ما يتبنّاه الحزب، إضافةً إلى طلب الرأفة به من قبل الحكومة التركية مقابل تعاونه الكامل معها في خدمة تركيا، ثم تلا ذلك تخلّيه الكامل عن جميع الشعارات التي أطلقها، مع تخلّيه عن كلّ ما يمتّ للقضية الكُردية بصلةٍ، بدعوى أنّ عصر القومية قد ولّى، وذهب إلى تبنّي نظريةٍ طوباوية (المجتمع الايكولوجي والأمة الديمقراطية) التي أطلقها الفيلسوف الأمريكي الفوضوي( موراي بوكتشين )، هذا التحول شكّل صدمةً كبيرة لقيادات وكوادر الحزب وأنصاره، ودخلوا في صراعٍ مرير فيما بينهم، بين مؤيّدٍ للتوجه الجديد ومعارضٍ له، ومنهم مَن تمّت تصفيتهم في خضم هذا الصراع، ومنهم مَن تخلّى عن الحزب، وانزوى في بيته بمن فيهم المرحوم أوصمان أوجلان، شقيق رئيس الحزب، الذي فضّل الصمت فترةً طويلة كغيره من الكوادر، لكنّ البعض منهم  واجه الحالة الجديدة بشجاعةٍ، وتحدّثوا بمرارة عن تجربتهم داخل التنظيم.

ويُعتبر الكاتب هوشنك اوسي أحد هؤلاء، لا بل تميّز عن الجميع في فضح أفكار وسياسة الحزب، منذ البدايات بمنهجيةٍ علمية مستفيداً من خبرته الطويلة داخل التنظيم كإعلامي نشط أثناء فترة عمله في مؤسساتهم الإعلامية، واجرائه لقاءات مطولة مع قادتهم من الصف الأول، إضافةً إلى ذهابه إلى البقاع وقنديل معقل القيادة السياسية والعسكرية.

صحيح أنّ العديد من الكُتّاب الكُرد الكبار تناولوا بالنقد  سياسة الحزب، من خلال تحليل خطابهم السياسي وممارساتهم العملية السلبية على الأرض أمثال سليم بركات، إبراهيم اليوسف، ابرهيم محمود ، جان دوست ،جان كرد ،حسين جلبي وو …إلخ مع حفظ الألقاب ، إلا أنّ كتابات الكاتب هوشنك اوسي وفيديوهاته الكثيرة المنشورة تميّزه عن الجميع بتسليطه الضوء على المنطقة المظلمة لهذا التنظيم، أي على الآلية  الداخلية المعقّدة للتنظيم وكيفية إدارة التنظيم ، واتخاذ القرارات من الداخل ، وكيفية التعامل مع كوادرهم المخالفين معهم بالرأي، حتى لو كان جزئياً، وتصفيتهم جسدياً وملاحقة مَن يتركون التنظيم، وكذلك علاقة التنظيم مع الأجهزة الأمنية في دول الجوار، كلّ ذلك بالأدلة والوثائق الدامغة التي معظمها مأخوذة من وثائق وإعلام الحزب نفسه، أو من شهادات حية من قياداتهم سواءً القائمين على رأس عملهم أو الذين قد تركوا التنظيم، وعليه نستطيع القول إنّ مَن يريد أن يتعرّف على هذا التنظيم عن قرب، عليه متابعة ما كتبه هوشنك أوسي، أو ما بثّه من خلال الفيديوهات، والتي تُعتبر بحقٍّ مرجعاً لاغنى عنه، خاصةً وأنه عمل في صفوفهم طيلة عشرين عاماً، كناشط سياسي وكإعلامي متميز، إضافةً إلى أنه ابتعد ما أمكن عن السرديات دون أدلة كافية، وتناول الموضوع بمهنية ومنهجية علمية، بعيداً عن الانفعالية وردود الأفعال، و يبدي استعداده الدائم لمناقشة هذه الأفكار والمعلومات مع الآخرين.

أقول هذا الكلام ليس من باب الانحياز الشخصي للرجل الذي لا تربطني معه أية علاقة، حتى على صفحة التواصل الاجتماعي، لا بل تعرّفت عليه في زمنٍ سيء وفي مكانٍ أسوأ وكان ذلك في قاعة المحكمة العسكرية، حيث كنا نتحاكم أمام القضاء العسكري أنا والأستاذ حسن صالح طليقاً بتهمة التعاون مع pyd مع مجموعة من كوادر وأنصار حزب الاتحاد الديمقرطي منهم الشهيد عيسى حسو والمرحوم عباس خلو والمختطف من قبل pkk جميل أبو عادل في 2012 وحُكم عليّ بثمانية أشهر وعلى الأستاذ حسن بثلاثة عشر شهراً ، لكن أثناء استئناف الحكم صدر إعفاء رئاسي ولم ينفّذ الحكم، وأثناء خروجي من قاعة المحكمة تهجّم علي هوشنك أوسي واستخدم كلمات نابية ولم أكن أعرفه حتى حينها، لكن فيما بعد عرفته وعرفت سبب تهجمه علي ، ذلك حيث كان قد سلّمه أحد الوشاة الحاقدين مقالاً فيه تطاول سخيف على عائلته الكريمة و تمّ تنسيبها إلي، وبعد ثمان سنوات تفاجأت ببوست اعتذار منه على ما بدر منه، وبدوري شكرته على هذا الموقف الجريء النادر في مجتمعنا، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على  مدى احترام الرجل لنفسه وللآخرين، وبمناسبة هذا القول فقد وقع الفنّان القدير المرحوم سعيد كاباري بنفس الخطأ، حيث تهجّم عليّّ ببثّ مباشر ثم اعتذر أيضا ببث مباشر نتيجة إدراكه لخطئه، وما نُقل له عني زوراً من واشٍ سخيف، أمثال هؤلاء الرجال نادرون اليوم في مجتمعنا.

أما عن هوشنك اوسى فهو ابن مدينتي الدرباسية وتعرّفت على جده المرحوم سليمو في 1970 الذي كان أحد المقاتلين في ثورة الشيخ سعيد 1925 وقد نزح من تركيا مع عائلة قدري جميل باشا اللذين استقرّوا بدايةً في الدرباسية، وكنا نذهب إليه أحياناً  ونجالسه ليتحدّث لنا عن الثورة، وما آلت إليه الأوضاع ثم النزوح إلى سوريا.

وكان ذلك قبل ولادة هوشنك أوسي.

من هنا استطيع القول بأنّ ماكتبته ليس دفاعاً عن هوشنك، فهو ليس بحاجةٍ لمنّ يدافع عنه، إنما هو تسليط للضوء على رؤيةٍ نقدية بطريقةٍ مغايرة عما اعتدناه، ومثل هذا النقد البنّاء يصبّ بالتأكيد في خدمة القضية الكُردية بشكلٍ عام، و في خدمة كوادر pkk بشكلٍ خاص، إذا ما قرّروا قراءة الموضوع بموضوعيةٍ بعيداً عن التشنج الحزبي والنظرة الضيقة،ربما يشكّل لهم حافزاً للمراجعة وتصحيح المسار ، فيما إذا تناولوا الموضوع من زاوية البحث عن الحقائق،وبعيداً عن المقدّس وردود الأفعال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى