ماذا يعني تعيين بومبيو وبولتون للشرق الأوسط؟
روبرت فـورد
شاهدنا في الفترة الأخيرة تغييرات هائلة في آلة السياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، على رأسها رحيل الجنرال هربرت ماكماستر من مجلس الأمن القومي داخل البيت الأبيض، وانضمام جون بولتون، المحافظ صاحب الدعوات المتكررة إلى عمل عسكري لتغيير النظام في إيران. علاوة على ذلك، يحل المحافظ مايكل بومبيو محل رجل الأعمال البراغماتي ريكس تيلرسون في منصب وزير الخارجية.
جدير بالذكر أن بومبيو حض إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في 2015 على دراسة شن ضربة عسكرية مفاجئة ضد إيران، وحذر من ظهور محور روسي – إيراني في الشرق الأوسط. ويذكرني ذلك بأسلوب تفكير نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني في ما يخص السياسة الخارجية، الذي قاد تكتلاً داخل إدارة جورج بوش الابن مؤيداً لشن الحرب ضد صدام حسين في العراق.
ومن أولى القضايا التي من المحتمل أن نعاين فيها تحولاً في السياسة الخارجية الأميركية هي سوريا. في 19 مارس (آذار) الحالي، كتب خبير أميركي رفيع المستوى معني بالأمن القومي، ويتميز باتصالاته مع مصادر عليمة داخل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ووزارة الدفاع، مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست»، أكد خلاله على ضرورة تعزيز واشنطن موقفها في شرق سوريا، وتقديم الدعم لـ«وحدات حماية الشعب»، الخاصة بالسوريين الأكراد، وأضاف أنه من الضروري وقف روسيا في خضم «التنافس المستعر بين القوى الكبرى» داخل سوريا، وكذلك منع إيران من السيطرة على طريق بري من إيران حتى لبنان.
كما أعرب عن اعتقاده بأن وجود قوات أميركية، وأخرى يقودها الأكراد، سيمنح واشنطن مزيداً من النفوذ في إطار مفاوضات جنيف. ويكشف المقال طبيعة التفكير السائد داخل الفريق المحافظ من إدارة ترمب، الذي يبدي استعداده لخوض مخاطرة الدخول في حرب مع روسيا وإيران حول سوريا. وآمل أن يكون القارئ قد لاحظ أن المقال لم يتحدث كثيراً عن تنظيم داعش.
عندما كنت سفيراً لدى سوريا بين عامي 2011 و2014، لم يكن هناك أي تفكير في العمل على أن يحل النفوذ الأميركي محل النفوذ الروسي داخل سوريا. وفي الواقع، لم تكن سوريا قط ذات أهمية تذكر بالنسبة إلينا لدرجة تدفعنا لخوض مخاطرة التورط في حرب مع روسيا من أجل السيطرة على سوريا.
وبالمثل، لم نفكر جدياً في فكرة الطريق البري بين إيران ولبنان، خصوصاً في ظل استغلال طهران مطار دمشق في رحلاتها الجوية المتعلقة بالإمداد. والمؤكد أن ثمة تغييراً كبيراً طرأ على المهمة الأميركية داخل سوريا من مجرد قتال «داعش» إلى العمل على تغيير نتيجة الحرب الأهلية المستعرة هناك. وليس مفاجئاً أنْ تقدم القوات الجوية الأميركية على قصف قوات حكومية سورية قرب حقل غاز طبيعي في محافظة دير الزور، وهي المنطقة ذاتها التي قصفت فيها قوات أميركية في 22 فبراير (شباط) الماضي قوات حكومية سورية وأخرى روسية مرتزقة. والواضح أن هذه الضربات الجوية ترمي إلى السيطرة على عائدات إنتاج الغاز الطبيعي، وليس قتال «داعش». وبذلك يتضح أن إدارة ترمب شرعت بالفعل في تغيير السياسة الأميركية إزاء سوريا.
ومن المتوقع أن يضغط كل من بولتون وبومبيو باتجاه إجراءات أكثر صرامة حيال إيران وروسيا في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، سيسعى الاثنان نحو فرض مزيد من العقوبات ضد إيران وسوريا وروسيا. كما سيطالبان بتخلي واشنطن عن الاتفاق النووي مع طهران، وسيرفضان توجيه أموال أميركية لإعادة إعمار سوريا ما ظلت تحت حكم بشار الأسد. وسيحضان على إجراء تحقيقات، بل وربما تشكيل محكمة خاصة داخل أوروبا بهدف النظر في جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات سورية وإيرانية وروسية.
ومع هذا، هل هذا سيكون كافياً إلى درجة التخلص من النفوذ الروسي أو الإيراني في سوريا، أو منح الأميركيين قوة جديدة في مفاوضات جنيف المتعلقة برسم مستقبل سوريا؟ وإذا كانت دمشق وطهران وموسكو رفضت جميعها تقديم تنازلات سياسية في وقت كان فيه مقاتلو المعارضة السورية يتقدمون باتجاه اللاذقية في 2013 و2015، هل سيقدمون تنازلات بعد سيطرتهم على الغوطة الشرقية؟ واليوم، لا تزال كمائن قائمة ومناوشات دائرة داخل محافظة دير الزور، ولا يزال الأمل يراود الأميركيين في أن ينجح مقاتلو «وحدات حماية الشعب» في العودة من قتال تركيا في شمال سوريا لقيادة «قوات سوريا الديمقراطية» ومعاونتها في القضاء على فلول «داعش»، في جنوب شرقي سوريا.
من جهتها، تحتاج إدارة ترمب إلى السوريين الأكراد للقضاء على «داعش»، لكن التحالف معهم يثير غضب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وتحتاج إدارة ترمب إلى إردوغان من أجل المعاونة في احتواء روسيا وإيران داخل سوريا. وفي وقت تفكر فيه واشنطن في هذه المعضلة، سقط زعيم محلي في الرقة يدعى عمر علوش قتيلاً، وكان أحد الأصوات الداعية إلى المصالحة بين الأكراد والعرب، وقد ينتمي القاتل إلى الاستخبارات التركية أو السورية أو الروسية. ويكشف مثل هذا الحادث حجم التعقيد الذي يتسم به الصراع الذي يقف الأميركيون في قلبه اليوم، وأجندات المشاركين في الحرب السورية، ومجمل قدرات القوى الكثيرة المنخرطة في الحرب، والنقاط التي يمكن للأجندات التحول عندها فجأة.
المؤكد أن هذا الصراع سيشكل اختباراً هائلاً لمسؤولين مثل بومبيو وبولتون وترمب لإمعان النظر في ما وراء الأبيض والأسود، وأن ثمة أطيافاً كثيرة من اللون الرمادي بين اللونين، وتحديد أولويات السياسة الخارجية، وتصميم استراتيجيات لتحقيق الأهداف طويلة الأمد.
هناك من يريد استخدام القوة العسكرية الأميركية للحصول على نتائج سريعة وبسيطة، لكن لا بد من ممارسة الصبر في مواجهة مشكلات السياسة الخارجية المعقدة لتجنب مخاطرة الوقوع في حسابات خاطئة، وتكبد خسائر في الشرق الأوسط على امتداد العامين المقبلين. ونحن ندرك تماماً ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط.. فلا تزال أحداث عامي 2002 و2003 حية في ذهني.
الشرق الأوسط