مجلة نيوز وييك الأمريكية : هل يمكن لكردستان المستقلة أن تعيد صياغة ملامح الشرق الأوسط ؟
ترجمة تمر حسين ابراهيم
عندما هاجم مسلحو الدولة الإسلامية في العراق و الشام مدينة الموصل في شهر حزيران كشف ذلك عن ضعف كارثي في القوات المسلحة العراقية . أوقد ذلك أيضا مسار الأحداث و التي يمكن أن ينتج عنها نشوء أول دولة كردية مستقلة في العالم .
منذ مغادرة القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 ساءت العلاقات بين الإدارة العراقية بقيادة نوري المالكي و الحكومة الإقليمية الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي .
و بحسب المُمثلة العليا لإقليم كردستان في لندن ، بيان عبدالرحمن ، فإن إدارة المالكي قد فرضت ” سياسة التحكم و العقاب ”
في الثالث من شهر تموز طلب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني من البرلمان بأن يتجهز للتصويت على تقرير المصير .
هذه هي الخطوة الأولى في عملية و التي سينتج عنها استفتاء و من ثم إعلان الإستقلال من العراق . مثل هكذا توجه سيكون له عواقب كبيرة على المنطقة بالكامل ، و سترفع من ” التنافس الكبير الجديد ” بين كل من تركيا و ايران من أجل الهيمنة على الهلال الخصيب .
على خلاف الكثير من المجموعات العرقية التي حاربت من غير نجاح لأجل دول خاصة بهم في أواخر القرن العشرين ، فإن كردستان العراق قد حققت شيئا قريبا للإستقلال من دون الإعلان عنه فعليا ،و يعود سبب ذلك ليس لأن كرد العراق لا يرغبون بالإستقلال الرسمي .
و كما يقول الدبلوماسي و الخبير السابق في الشأن العراقي ، بيتر جال برايث ” لمدة ثلاثين عاما و أنا أذهب لكردستان و لم أقابل أبدا كرديا قال بأنه سيفضل بأن يكون مواطنا من العراق على أن يكون مواطنا لكردستان المُستقلة ، و ذلك يشمل الرئيس العراقي نفسه ”
ذلك لأنه حتى الآن قد رأى قادة حكومة إقليم كردستان العراق فوائد في البقاء قانونيا مُرتبطين بالعراق ، و بسبب عقبات الإستقلال و على نحو خاص المعارضة من عرب العراق و التي تبدو مستحيلة التجاوز .
لطالما نظرت انقرة لأي ظُهورللشعور القومي الكردي في المنطقة على أنه خطرلتماسكها الإجتماعي و كانت ترغب بإستخدام القوة للقضاء عليها .
لكن منذ عام 1999 كان هناك تقارب لدرجة أن المسؤولين الأتراك اشاروا بأنهم سيكونون سعداء مع كردستان عراق مستقل .
هذه الأيام أصبحت ايران هي العدو الحاقد للإستقلال الكردي ، كانت سورية ستكون هي الأخرى كذلك لكن نظامها الحاكم مشغول بالقتال في الحرب الأهلية .
كانت ايران صديقة لكردستان العراق عندما كانت الأخيرة مصدرا للدعم في الحرب ضد عراق تحت حكم صدام .
لكن اصبح تعاطفها فاترا لأن طهران أصبحت المُسيطرة على بغداد .
” لو نظرت إلى الإعلام الإيراني هناك حملة بحق الكرد مُشيرة بأن التوجه للإستقلال هي في مُجملها مؤامرة إسرائيلية ”
في تلاق غريب للمصالح فإن البلد الوحيد الذي يبدو بأنه مُعارض أيضا لإستقلال كردستان العراق هي الولايات المتحدة .
يقول الدبلوماسي، بيتر جال برايث بأن إدارة أوباما قد دعمت بغداد و ضغطت على حكومة إقليم كردستان
” بمحاولة منع الناس من شراء نفط كردستان و التهديد بإتخاذ إجراء قانوني بحق الشركات التي التي تحاول استيراده للولايات المتحدة ”
مثل هكذا ضغط اقتصادي ليس تهديدا قليلا بالنسبة لبلد يعيش فيه ستة ملايين شخص و استقبلت 750 الف لاجىء من سورية و حوالي 250 لاجىء من أجزاء أخرى من العراق، لكن ليس واضحا إن هناك تاثير كبير لأمريكا على المسألة ، فمعارضة الولايات المتحدة لم ُتغير كثيرا من تفكك يوغسلافيا و الإتحاد السوفيتي .
بعض الخبراء بمن فيهم الصحافي ، بارتل بوول ، و الذي يقوم بكتابة تاريخ العراق ، ليسوا متأكدين من أن الإستقلال أمر حتمي .
” صحيح بأن حكومة إقليم كردستان العراق هي المستفيد الأكبر من الأحداث الأخيرة و قد تعززت قوتها في خلافاتها مع بغداد لكن إن فازت حكومة إقليم كردستان العراق بالإستفتاء في كركوك ( لأن ذلك تقليديا منطقة كردية غنية بالنفط لتلتحق بكردستان ) فإن نزاعاتها مع بغداد ستنخفض ” .
الإستقلال مع كل تعقيداته و مخاطره سيكون لذلك أمرا أقل ضرورة.
لقد أصبح المالكي أشد عداوة لحكومة إقليم كردستان العراق منذ هزيمة الموصل ، متهما الإقليم بأنه متواطىء مع الدولة الإسلامية في العراق و الشام ، و هذا ما يجعل المصالحة تبدو أمرا حتى ليس واردا لدرجة كبيرة . إذا اعلنت كردستان عن استقلالها فإنها لربما قد تصارع لأجل الإعتراف الدولي .
و بحسب ، بريندان و لياري ، من جامعة بنسيلفانيا ، فإن الدولة الجديدة ربما تنال اعترافا سريعا من جانب تركيا و اسرائيل ” لكن سيكون من الأفضل بكثير أن تنال إعترافا شاملا ”
هو يعتقد بأنه من غير الوارد بان يعترف أي عضو من الجامعة العربية بكردستان مستقلة ، لذلك فإن الولايات المتحدة و الإتحاد الأوربي سيكونان أساسيان .
لكن الإعتراف الأوربي قد يكون مُعقدا “لأن اسبانيا من المؤكد بأنها ستمنع الإعتراف بكردستان بالنظر لموقفها من كوسوفو ”
عموما إنه أمر نادر أن يعترف المجتمع الدولي بدول جديدة إن لم تعترف بها أولا القوى التي كانت تحكمها في السابق .
من المؤكد بأن كردستان المستقلة ستكون قادرة على البقاء إقتصاديا. انتعشت المنطقة من التدمير الذي شنه قوات صدام قبل 1991 و من ثم عقوبات الأمم الممتحدة بسرعة مُلحوظة و يتجلى ذلك في مطاراتها الجديدة، الفنادق و المجمعات التجارية ، إقامة الأمن و الإستقرار ،قوانين محببة للإستثمارات الأجنبية و ذلك جعلها مركز جذب للشركات الأجنبية القلقة بشان العمل في العراق العربي .
سواء إزدهرت كردستان المستقة فتلك مسألة أخرى، و هي ستتعامل ليس فقط مع تهديدات قادمة من الدولة الإسلامية في العراق و الشام و الفوضى القاتلة في سورية ، لكنها ستكون بحاجة للدفاع عن نفسها من أية دولة ستظهر في العراق .
حتى في أفضل الظروف فإن كردستان المستقلة ستحتاج لتكوين صداقات أجنبية أخرى لكي تصبح اقل اعتمادا على انقره. حكومة إقليم كردستان كانت تأمل منذ زمن طويل بتحالفات أوثق مع الولايات المتحدة ، المملكة المتحدة و البلدان الغربية الأخرى ، لكن دول الخليج مثل الإمارات العربية سارعت بالإستثمار بكردستان.
لأن المساعدة الخليجية غالبا ما تأتي بمطالب إسلامية فإن فكرة علاقات أوثق مع دول مثل قطر تجعل من بعض الكرد قلقين .
يختلف الخبراء بشأن سرعة أو حتى إن كانت كردستان ستعلن استقلالها .
في أية حالة كانت يبدو بأنه هناك فرصة ضئيلة للعودة للوضع السابق كما صرح رئيس وزراء كردستان العراق ، نيجرفان برزاني ، ” هناك عراق ما قبل الموصل و عراق ما بعد الموصل ”
بغض النظر إن كانت كردستان ستسعى للسيادة بالإضافة إلى الكونفيدرالية أو إلى استقلال كامل ،فإنها تواجه الآن مشكلة مُحدقة كما أشار إلى ذلك خبراء أدلوا بشهادتهم عن كردستان للبرلمان البريطاني مؤخرا .
تملك حكومة إقليم كردستان العراق حدودا بطول 1000 كم مع دولة الخلافة الإسلامية في العراق و الشام و فقط 50 كم من الحدود مع العراق.
إضافة لذلك تملك الدولة الإسلامية في العراق و الشام الآن مركبات برية مُسلحة و قطع مدفعية استولوا عليها من الجيش العراقين بينما تمتلك القوات الكردية الأقل و هي من الأسلحة الصغيرة .
حيث يقول الدبلوماسي، بيتر جال برايث ” الحقيقة المُتناقضة هي أن الولايات المتحدة قد قامت بتسليح الدولة الإسلامية في العراق و الشام و التي هي عدو لنا و لم تسلح البيشمركة و الذين هم أصدقاء لنا ”
جونثان فوورمان -مجلة نيوز وييك الأمريكية ، الثلاثاء 29 تموز 2014