
مدينة العمادية
سولاف العمادي
العمادية من المدن القديمة جداً في إقليم كُردستان، ويذكر المؤرخون أنها وجدت قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وتقع شمال محافظة دهوك ، وتبعد عنها بسبعين كيلومتر، وتبعد عن الحدود التركية بحوالي عشر كيلومترات ، وتعلو عن مستوى سطح البحر ب ١٤٠٠ متر،
العمادية هي قلعة بنيت على سطح جبل صخري ويحيطها جرف حاد خصوصاً من الشمال والغرب، وهذا ما جعلها حصينة أمام الغزوات المتعددة التي واجهتها القلعة، كان فيها ثلاث بوابات أحدها باب الباشا والذي يحمل شعار الإمارة ويقع في الجهة الشرقية المشرفة على طريق الزيبار، وباب الموصل ويقع إلى الجهة الغربية ويؤّدّي الى الموصل ، حيث يسلكه التجار والحجاج وكل من يسافر الى الموصل، ويتميّز هذا الباب بصموده رغم قدمه، وفيه أماكن للحرس وفتحات للدفاع عن القلعة وعلى الجانب الأيمن هناك منحوتات للحرس ولكن ملامحهم تأثرت بعوامل التعرية وزالت تقريباً، لكن قاماتهم وأجسادهم لا زالت تعطي انطباعاً عن تماثيل حراس الطريق، وهذا يؤكّد أنّ الباب بني قبل الإسلام، والباب الثالث كان باب طريق الحرير الذي لم يبقَ وزالت آثاره ٠
ومن الجدير بالذكر أنّ المدينة تقع بين سلسلة جبال متينا الصخرية الوعرة وسلسلة جبال گارة التي تقع الى الجنوب، وتتميّز بكثافة أشجارها وغاباتها٠
منذ الازل كان للمدينة تميزها الثقافي والفكري وازدهرت أكثر خلال العصر العباسي الذي تشكّلت فيها إمارة بهدينان، وتأسس جامع العمادية الكبير عام ١٣٧٦ م وفي زمن السلطان حسين والي تمّ بناء منارة الجامع ويبلغ ارتفاعها ٣٠ متر وعرض القاعدة ٣ أمتار ومساحة الجامع كليا ٢٠٠٠ متر٠( ويفيد التاريخ المتداول شفاهياً أنّ المنارة بنيت بمادة الكلس المخلوط بالبيض لتكتسب المتانة والصلابة وكان على كل دار من سكان المدينة أن يساهم يومياً ببيضة واحدة) وقد تمّ قصف المنارة بالطائرات أيام ثورة أيلول وتهدّم الجزء العلوي منها لكن المدينة أعادت ترميمها،
ومن المعالم الأثرية المهمة مدرسة قبهان وتقع في الوادي الأخضر الذي يحيط بالعمادية وكان يأتي إليها طلاب العلم من كل مكان ،إذ كان يدرّس بها علوم الدين واللغة العربية والعلوم والطب، وكان فيها غرف لإقامة الطلبة ومطبخ يقدّم الطعام للطلبة ، وحسب تاريخ المدينة كان سكان العمادية يدعمون المدرسة بمشاركتهم في تزويدها بالمواد الغذائية مثل الطحين والرز والبقول، وكانت المدرسة تملك علاقات قوية مع الأزهر ويتبادلون الأفكار والآراء والتزاور٠
يحيط المدينة وادي جميل وتقع فيه أغلب بساتين السكان ويزرعون فيها كل احتياجاتهم من الخضروات وكذلك الجوز والتوث والعنب والمشمش والتفاح والسماق، وتكثر في الوادي عيون الماء ،وسميت المنطقة بالريبار حيث تلتقي مياه العيون وتشكّل مجرى مائي في أسفل الوادي الأخضر الجميل
وهناك السولاف الذي يقع أمام العمادية ويفصل بينهما وادي الريبار، وهو يتشكّل من منعطف صخري شاهق وتكثر فيه المياه والعيون وكان سابقاً يحوي بعض بساتين العماديين لكن مع التطور والتعمير امتدّت يد الحضارة لتشكّل أجمل المنتجعات والتي يؤمّها الكثير من السياح من كل المحافظات العراقية وهذا ما يدعم اقتصاد المدينة٠
من أهم منتجات المدينة هي الطحينية أو الراشي وهو من النوع الجيد جداً، وهناك مطاحن إعداد الراشي في الريبار والتي تعتمد على الماء في طحن وقلي السمسم الجيد الذي يتهافت عليه الناس .
أبرز صفات سكان العمادية هي حب المعرفة والأدب والثقافة ويمتلكون حيوية شديدة في فنهم وإبداعهم الغزير ، وقد أنجبت المدينة الكثير من الأدباء والفنانين، كما خدموا في جميع أجهزة الدولة ومنهم السيد عصمت كتاني الذي كان مندوب العراق الدائم منذ الخمسينات وإلى الثمانينات، رحمه الله، ومن الفنانين المشهورين تحسين طه المطرب الوطني المشهور بغنائه ونضاله الصلب رحمه الله
تتميّز نساء المدينة بالأناقة والنظافة والجمال، نظافة المرأة ملفتة للنظر لأنها من أولويات المرأة العمادية ، وقد لفت ذلك نظر الطاغية صدام عندما زار المدينة وذكر أمام التلفزيون أنّ هذه المدينة هي الأنظف من كل المدن العراقية، وكان طامعاً أن يتملكّها ويسمّيها قلعة صدام لكن الله خيّب مخططاته ونجت مدينة الأجداد والأصالة من مصير كان سيلوّثها والحمد لله.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “337”









