مرض الطفولة (القومي والديني) في الحركات القومية والاسلامية
عبدالغني علي يحيى
مرض الطفولة اليساري في الشيوعية الذي انتقده لينين وفضحه في كتاباته، له ما يقابله الآن ومنذ عقود، أمراض في الحركات القومية العربية سابقاً والحركات الأسلامية والمذهبية حالياً، وكذلك في مجالات أخرى غيرهما، والتي تلتقي مع الذي فنده لينين في المحتوى وتختلف في الشكل، إلا أنها أشد صبيانية وسخفاً منه وبما لايقاس، ومن غير أن ينبري أحد لدحضه وفضحه، لذا أصبحت معدية وتحولت إلى وباء ان جاز القول.
حزب الدعوة الحاكم في العراق، حمل بعنف على الدكتور فؤاد معصوم رئيس الجمهورية العراقية للقائه بمفتي الديار العراقية الدكتور رافع الرفاعي في السليمانية وبشخصيات أخرى من المغضوب عليهم لدى الحزب المذكور، فيما هاجمه ائتلاف دولة القانون الكتلة النيابية الشيعة الأكبر في البرلمان العراقي ودعاه الى تقديم إعتذار، في وقت أن اللقاء بين الرجلين يندرج بشكل غير مباشر، ضمن المساعي لتحقيق المصالحة الوطنية بين الفرقاء العراقيين المختلفين فيما بينهم، واذا لم يكن شخص الرفاعي مشمولاً بتلك المساعي، فمن يكون أحق منه بذلك؟ دع جانباً القول، ان اللقاء بينهما يدخل في باب العلاقات الأنسانية والحضارية، ثم أنه ليس هناك نص قانوني أو دستوري يحرم مثل هكذا لقاءات. عدا ذلك لماذا لم تحتج حكومة بغداد على ايواء تركيا للمعارض العراقي المتشدد الدكتور حارث الضاري الذي كان مقيما في تركيا الى ان وافاه الاجل قبل ايام.
خالد الملا رئيس جماعة علماء العراق طلب بدوره من حكومة أقليم كردستان بيان موقفها من تواجد الرفاعي فوق أراضيها، داعياً في الوقت عينه إلى أتخاذ اجراءات رادعة وعاجلة لأيقاف ماسماه (هكذا تصرفات)!!
لا اللقاء المذكور ولا التواجد الذي إنتقده الملا، بقادرين على تقويض النظام القائم في العراق، فهما مهما بلغا من الخطورة، (اللقاء والتواجد) فلا يرتقيان الى أشكال الفساد المالي والأداري الذي يهدد بانهيار العراق والذي يكشف عنها بين حين وحين في فترات جد متقاربة، ولا الى جرائم تعد بمثابة الخيانة العظمى، كتسليم الموصل الى داعش أو مذبحة سبايكر ومذابح أخرى لا تعد ولاتحصى فضلاً عن كل ما ذكرناه فأن اعطاء الحرية لمعارضي نظام ما معمول به في جميع الدول الديمقراطية العريقة، وأن نظام الحكم في كردستان ديمقراطي وحر وسبق للعديد من رموز النظام العراقي الحالي وأن مارسوا انشطة معارضة في أقليم كردستان ضد النظام العراقي السابق، من غير ان يعترض عليهم أحد. وفوق هذا وذاك فان ما قيل عن الرفاعي من انه اهان الميليشيات الشيعية لا يصل الى ما قاله مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الشيعي بحقها حين وصفها تارة (بالقذرة) وأخرى (بالوقحة).
وأذكر أنه قبل نحو عامين من الآن أساء رجل الدين الشيعي جلال الدين الصغير ومن منطلق جد عنصري، الى الكرد. ومع ذلك فأن الكرد أكتفوا بالرد عليه. عدا الصغير فأن أشخاصاً مثل حنان الفتلاوي وعاليه نصيف وآخرون غيرهما يتناولون بشكل شبه يومي حكومة وقادة اقليم كردستان بالطعن والقذف والتشهير من دون ان تطالب حكومة الأقليم او الأحزاب الكردية بوضع حد لهم أو ايقافهم عند حدهم أو الأحتجاج عليهم مثلما تفعل حكومة بغداد التي احتجت مرارا على حكومة كردستان لسماحها بعقد مؤترات لرموز من العرب السنة في أربيل، ثم ان الخطب والكلمات التي تلقى في مؤتمرات اربيل السنية، تكاد تتطابق مع تلك التي القيث و تلقى في مؤتمرات الكتل النيابية في البرلمان العراقي.
ومن التصرفات المحسوبة على تلك الأمراض تنديد مقتدى الصدر بزيارة السفير الأمريكي لدى بغداد ستيوارت جونز الى ضريح الأمام علي بن ابي طالب(رض) وهدد اي الصدر بالرد. ترى هل تعتبر زيارات الاجانب من الشخصيات المرموقة الى مراقد المشاهير و الاعلام في بلدما انتقاصا واساءة لها أم تعظيماً.؟.
ضريح لينين في موسكو وماركس في لندن واضرحة كبار زعماء ومفكري العالم تجلب الزوار اليها على مدار العام مع افتخار الشعوب بمثل هكذا زوار، لقد نسي الصدر في رده لزيارة جونز ان العراق يرتبط باتفاقية استرايتجية مع الولايات المتحدة ولولا الأخيرة لما كان بوسع احد من العراقيين عام 2003 اسقاط النظام العراقي السابق بل ولولا الأخيرة لما كان يقوم نظام شيعي في العراق ولما كان الصدر يتمكن من البروز على الساحة السياسية ومما اذكره، انه قبل سنوات تعرض مثال الالوسي رئيس حزب الأمة العراقي الى حملة شعواء بسبب زيارة نفذها الى اسرائيل. في وقت يعلم الكل ان لأسرائيل علاقات دبلوماسية وتجارية وغيرهما مع دول مثل مصر والأردن ولسنوات مع موريتانيا ناهيكم عن مكاتب تجارية لها في عدد من الدول العربية. ولدى الحكومة العراقية ان تلك الدول شقيقة وزعمائها اشقاء ولا يغيب عن البال ان الاكثرية من الحكام العرب و الدول العربية ترتبط بعلاقات سرية مع اسرائيل ووصل الأمر حد اقامة اسرائيل لمعرض بالهدايا للزعماء العرب و شخصيات عربية الى القادة الاسرائيليين في تل أبيب.
تركيا من جانبها لم تنج من المرض الصبياني موضوع البحث،حين تقدم بين فينة و فينة على تصرفات مخجلة صبيانية حيال الكرد بالأخص اذ توعدتهم اكثر من مرة بضرب اي كيان كردي لكرد سوريا،ليس هذا فحسب بل صرحت بأنها ستقضي عليه حتى اذا قام في الأرجنتين. ومن تصرفاتها الصبيانية تجاهلها لمصطلح كردستان. وكان الأولى بها ان تكون سباقة الى الأعتراف بالمصطلح اذا علمنا ان المساحة الأكبر لكردستان والقسم الاكبر من الشعب الكردي هما في تركيا. أوهكذا تنفتح الحكومة التركية على الشعب الكردي وتطبق العملية السياسية؟
بعض من التركمان العراقيين يسيرون على النهج نفسه للحكومة التركية ازاء الكرد في العراق. فقبل ايام من تقدم البيشمركة لتحرير المناطق والمدن الخاضعة لداعش بمحافظة كركوك. كانت فضائية تركمانية تنقل الاحداث من دون ذكر البيشمركة مكتفية بان القوات الأمنية حررت كذا وكذا من المناطق. بالمقابل وقف عرب كركوك موقفا نبيلا من البيشمركة فالسياسي العربي اسماعيل الحديدي وزعماء عشائر عرب هناك اهابوا بالعرب الى مساندة ودعم البيشمركة واطلقت عشيرة الجبور اسم الشهيدين الكرديين العميد شيركو فاتح على وحسين منصور على تشكيلة قتالية لها.
في نهاية الستينات من القرن الماضي وفي صيف عام 1969 قطع الرئيس العراقي أنذاك المرحوم أحمد حسن البكر عهدا على نفسه وأمام حشد من أنصاره، من أنه لن يتفق مع شاه ايران ابداو و..الخ ولكن وفيما بعد اتفقت حكومته معه وتنازلت عن اراض عراقية واسعة لأيران في اتفاقية مهينة سميت باتفاقية الجزائر، فيما نعت خلفه صدام حسين بعد ذلك الفرس بالمجوسية و عبدة النار وارغم العراقيين من المتزوجين بالأيرانيات على تطليق زوجاتهم..الخ من الأفعال الجد صبيانية. الطريف أنه في حرب الخليج الثانية وفي عام 1990 نقل طائرانه الحربية إلى ايران وليس الى اية دولة عربية اخرى لأجل حمايتها من نيران الطائرات الحربية الأمريكية!!
اكتفي بايراد هذه الأمثلة على الافعال والممارسات الصبيانية لقادة عرب ومسلمين والتي تعود اصلا إلى الخمسينات والستينات من القرن الماضي وراحت تمارس الأن بشكل أشد من ذي قبل، ومما اذكره ايضا كيف أنه عد عيبا التحدث الى زعيم اسرائيلي أو الجلوس معه أو مصافحته.الخ من سلوكيات جعلت منهم أضحوكة ومهزلة امام العالم المتحضر المثقف والمتطور.
ترى هل يحل يوم يسموا فيه القادة العرب والمسلمون عن الترهات و السخافات وصغائر الأمور في اقوالهم وافعالهم؟
إن المرض الذي نحن بصدده، استفحل في أيامنا هذه بشكل صارخ جراء شيوع ظاهرة الاسلام السياسي و التطرف الديني، فبعد أن كان مقتصرا على القادة والنخب من السياسيين من العرب والمسلمين في السابق نلقاه الأن وقد تفشى على أوسع نطاق. اذ ترى الملايين من المسلمين يمتنعون عن تناول الطعام في بيوت المسيحيين والأيزيديين واليهود والبوذيين وكل معتنقي الديانات الأخرى بدعوى انه حرام! كما ان الالاف يمتنعون عن مصافحة المرأة وبالمقابل امتناع المرأة عن مصافحة الرجل. أو لم يمتنع القذافي في حينه عن مصافحة كوندا ليزا راليس عندما مدت الأخيرة يدها إليه بغية مصافحته؟ لقد شاهد الملايين من الناس ومن على شاشات التلفزة ذلك التصرف الصبياني والجاهل للقذافي.
Al_botani2008@yahoo.com