آراء

مقاربة بين الدعم للفلسطينيين والكُرد

د. محمد جمعان

نتيجةً للتطورات الأخيرة التي حصلت وتحصل على الصعيد الميداني حول القضيتين للشعبين الفلسطيني والكُردي والتطورات العسكرية والأمنية المحيطة بأماكن تواجد الشعبين، بالإضافة إلى عدم ايجاد حل عادل للقضيتين ، برز من جديد وضع غير مستقر ،حيث انبرت الحركات المتطرفة لقيادة جزء من العمل الوطني لهذين الشعبين، وهذا يجرّ المنطقة إلى أهوال خطيرة، وبالتالي يشوّهه من وجهة وعدالة وشرعية القضيتين كقضايا شعوبٍ أعطتها الشرعية الدولية حق النضال في سبيل التحرير وتقرير المصير.

ولإيجاد الاستقرار والأمان للمنطقة لابدّ من إيجاد حلول مستدامة تفرض لحل تلك القضيتين بشكل نهائي .

إنّ انعدام الحلول العادلة في الشرق الأوسط يخلق منطقة ملتهبة ، وبالتالي تنشط حركات التطرف والإرهاب على إدارة أمور تلك المناطق وخلق الفوضى وعدم الاستقرار ؛ ولذلك لا بدّ من إيجاد حلول لتلك القضايا المعقدة. وإلا قد يخرج الوضع من تحت السيطرة .

ولأنّ القضيتين لهما امتدادات عديدة ودولية ، يتطلّب الوضع ايجاد حلول سلمية دائمة وضامنة ، تعزّز الاستقرار والأمان للمنطقة ولصالح جميع الاطراف.

وبالرغم من تشابه الكثير من جوانب القضية الفلسطينية والكُردية ولكن تبقى القضيتان مختلفتان من نواح عدة ، منها الدعم القادم إليهما ، وهنا نريد التركيز على الجوانب الإيجابية أو حظوظها من الدعم القادم من شعوب أو دول المنطقة و من دول العالم والمنظمات الدولية .

هناك دعم كبير يحصل عليه الفلسطينيون ومنظماتهم المختلفة، من الكثير من الدول والمنظمات الدولية ، من الدينية المتطرفة وحتى اليسارية من العالم كله.

انّ الدعم المقدّم للفلسطينين له أسباب كثيرة منها دينية و قومية وتاريخية ، و بالتالي تلتقي بها مصالح وأهداف كثيرة ، ولكنّ الكُرد والقضية الكُردية ، وبالرغم من كبر حجمها و جغرافيتها، ولكن نتيجة لتقسيم الكُرد بين عدة دول ،وكذلك انشقاقاتها الداخلية، كلّ هذا يسبّب لها صعوبات وتعقيدات أكثر ، حيث تصعب الحلول وتقلّ المساعدات و الدعم بشكلٍ ملحوظ.

فالدعم الذي يحصل عليه الكُرد لا يقارن البتة مع الذي يحصل عليه الفلسطينيون.

ولا بدّ من ذكر أسباب هذا الدعم وجوانبه، ولو بعجالة:

الدعم السياسي : تحظى القضية الفلسطينية بدعمٍ دولي كبير ، ففي جميع المحافل الدولية فإنّ الدول العربية والاسلامية تدافع عن الفلسطينيين ، ويظهرون عدالة قضيتهم ، ويطالبون بضرورة إيجاد حل عادل لها.

الدول العربية والتي يبلغ عددها 22 دولة والاسلامية التي يبلغ عدد ها 57 دولة و سكانها الأكثر من مليار ونصف فإنها تجتمع و تتظاهر لدعم الشعب الفلسطيني، إلى درجة أنّ تلك الدول مجتمعة جعلت من القضية الفلسطينية هي قضيتها الأولى.

الفلسطينيون يحقّ لهم المطالبة في تشكيل دولتهم المستقلة، وهذا المطلب مدعوم من أغلبية دول العالم والتي تطالب بحل الدولتين ؛ دولة فلسطينية بجانب اسرائيل .

أما ذكر حق الكُرد في تشكيل دولتهم، فهذا غير وارد في قواميس العالم. وإنّ ذكر اسم استقلال كُردستان وتشكيل الدولة الكُردية المستقلة يعتبر من الكبائر لدى جميع الدول العربية والاسلامية، وحتى الكثير من دول العالم، وليس هناك أي دعمٍ دولي لهذا المطلب .

والذي يناضل الكُرد من أجله لأكثر من مائة عام.

ولما جاء الاستفتاء على استقلال كُردستان العراق والذي عقد في يوم 25 سبتمبر/أيلول 2017، مع إظهار النتائج ، حيث أدلت الغالبية العظمى من الأصوات (92%) لصالح الاستقلال ، فكانت أن قامت الدنيا على رأسهم ولم تقعد ، فقد حورب الإقليم ، ولا زال يعاني من عقوبات ونتائج كارثية تهدّد وجوده الفيدرالي المعترف به دوليً ،ا وجاء الضغط من جميع الدول والشعوب المجاورة، ولم تدعم أية جهة دولية حق الكُرد في العيش بحرية، وكأنّ القوانين الدولية لحقوق الإنسان و حق الشعوب في تقرير مصيرها لا تشمل الكٌرد إطلاقا.

وان كان هناك دعمٌ فيبقى سريًا وخجولاً.

على صعيد المنظمات الدولية فإنّ للقضية الفلسطينية لها نصيب غير مسبوق من الدعم والتأييد ، فالقضية الفلسطينية هي إحدى أهم القضايا التي تناقش في جميع اجتماعات الأمم المتحدة ،وكذلك في مجلس الأمن الدولي .

لقد بلغ عدد الاجتماعات الدورية للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي ( 78 ) اجتماعاً ماعدا الاجتماعات الطارئة . ففي آخر اجتماع طارئ طلبته الدول العربية والذي عقد في ( 27.10.2023 ) في سبيل وقف الهجوم الإسرائيلي على غزة، بعد هجوم حماس على اسرائيل في ( 07.10.23 )، صوّتت ( 120 ) دولة لصالح الفلسطينين و 14 ضد و امتناع 12 دولة . هذا على سبيل المثال لا الحصر، أما نصيب الكُرد من هكذا دعم أو تأييد فهو لا شيء؛ لأنّ الكُرد يُحارَبون من دولٍ وجهات عدة، فبالرغم من أنّ المناطق الكُردية في سوريا : عفرين وسرى كانيه و گرى سبي، ينال أهلها الكُرد، و بشكلٍ يومي، التعسف و السجن والتغيير الديموغرافي، و كذلك الحملات العسكرية شبه اليومية من تركيا على جنوب و غرب كُردستان ، إلا أنه لا صوتٌ حر يدعم حق الكُرد في الأمن والأمان.

الدعم الإنساني :

أما على صعيد المنظمات الدولية الإنسانية فإنّ هناك منظمات كثيرة تقدّم الدعم الإنساني من مساعدات عينية من مأكل ومشرب وفتح المدارس والمستشفيات وإدارتها وتأمين الموارد الضرورية من الدول الداعمة . تعمل بعض المنظمات على تشغيل الآلاف من الفلسطينيين في اعمال مختلفة . فالأونروا مثلاً ، المنظمة الدولية الخاصة بمساعدة الفلسطينيين و متخصصة بدعم اللاجنين الفلسطينيين في كافة مجالات الحياة و تشغيلهم ، فهي تسمّى : “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، والتي تأسّست في سبتمبر عام 1949 .

الاونروا متخصصة في التنمية البشرية والخدمات الإنسانية تشمل التعليم الابتدائي والمهني والرعاية الصحية الأولية، شبكة الأمان الاجتماعي والدعم والبنية التحتية وتحسين المخيمات المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابات الطارئة.

أكبر المانحين للأونروا هي أمريكا والمفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة ودول الخليج العربي والدول الإسكندنافية واليابان وكندا.

ولكن أن تدعم منظمة إنسانية أو دولية الكُرد مباشرةً فهذا حلم بالنسبة للكُرد لا زال بعيد المنال ؛ لأنّ الدول التي تقتسم كُردستان تعتبر أنّ هكذا دعم هو ” تدخل في شؤونها الداخلية” .

فهل منع الفلسطيني من أن يقول إنه فلسطيني أو منع من التكلم والتعلم بلغته ؟ نعم الكُردي يمنع عليه أن يقول إنه من كُردستان ويمنع عليه حق التعلم بلغته.

فالدول التي شرعت القوانين الدولية واإانسانية في حق الشعوب الطبيعي في التكلم بلغاتها هذه الدول نفسها تمنع على الكُردي ممارسة هذا الحق كبقية شعوب العالم . وحتى في الدول الأوروبية حينما يذكر الكُردي انه من كُردستان فما عليه إلا أن يربط كُردستان باحدى الدول التي تغتصبها . فهل يقبل الفلسطيني أن يقول أنا فلسطيني من إسرائيل !

الشعب الكُردي أبيد في حلبچة بالغازات السامة والمحرمة دولياً ، ولكن لم يتمّ تشكيل أية منظمة أو جمعية دولية لمساعدة المصابين، ولم تأتِ أية ردة فعل ضد مجازر الأنفال ، و في الفترة الأخيرة حينما احتلّت مدن كُردية وطرد أهلها في جميع أجزاء كُردستان، كلّ هذا يحدث أمام أعين العالم دون ردة فعل دولية، لا بل في كثيرٍ من الاحيان تصدر تصريحات من دول كثيرة بأنها تتفهّم الدول التي تحتل المدن والمناطق الكُردية .

الدعم العسكري :

الفلسطينيون يهاجمون في كثير من الأحيان الجيش الاسرائيلي عسكرياً ، كما حدث في ( 07.10.2023 ) وهذا دليل على أنه هناك دول تدعمهم بالسلاح والعتاد و لكن هذا الواقع مفقود لدى الكُرد، فالكُرد يسكتون حتى ولو هوجموا . ولا بدّ من الذكر أنّ الكُرد حصلوا على دعم عسكري في السنين الأخيرة من دول التحالف، وذلك لمحاربة داعش فقط.

ليس حسداً بل بنظرة واقعية لتلك المقارنات التي ذكرناها والكثير من الجوانب الأخرى التي نتجنّب ذكرها ولكي لا نطيل الحديث على القارئ فإنّ وضع الفلسطينيين، مهما عانوا من الحروب والقتل، فهو أفضل من وضع الكُرد، ولولا أنّ بعض المنظمات الفلسطينية التي تعمل لصالح بعض الدول ، والتي بالنتيجة لا تخدم القضية الفلسطينية لكان وضعهمأافضل بكثيرٍ من الآن ، وطبيعي نحن الكُرد نعاني من نفس المشكلة مع ب ك ك.

وختاماً وبنظرة سريعة على الظروف الصعبة التي تمرّ بها قضية الشعبين يبقى الدعم المقدّم للشعب الفلسطيني كبير جداً من جميع النواحي فهناك مجموعة دول تسمّى الدول المانحة ، والتي تقدّم مساعدات دائمة ومستمرّة للفلسطينيين ولا يقارن بالدعم المقدّم للشعب الكُردي إطلاقاً.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “314

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى