من هم لاأعداء الكرد السوريين ؟

عبدالله كدو

هناك عدد كبير من الكُرد السوريين، من الحزبيين والمستقلين الذين يصرّحون في السياسة أو يكتبون فيها أبحاثاً أو مقالات أوبوستات…إلخ، من الهواة والمحترفين، يرون بأنّ الشعب الكُردي في سوريا تعصف به – راهناً – تحدياتٌ من جهات عدة، داخلية و خارجية، ليعتبروها خصوماً أو أعداء، ذلك بدون أن تترافق معها كتابات موازية حول إمكانية عقد التحالفات و ضروراتها أو طرح أسماء أطرافٌ للتحالف معها، ليتفاءل نصير الحقوق القومية الكُردية المتتبع للحالة الكُردية العامة بأنّ السياسة، التي إحدى أهم تجلياتها هي التحالفات، بدأت تستقرّ، ولو بشكلٍ أولي، في مساحاتٍ متفرقة في مجتمعنا الكُردي، وبشكلٍ أفقي في طريقها لتصبح هي الحالة العامة، وعليه تَقرأ طرح التصدي لما يَرونها تحديات، جميعها وفي آنٍ واحد، ذلك بدون إعطاء، حتى ، الأولوية في الترتيب الزمني لها، في تجاهلٍ واضح لجدلية التكتيك والاستراتيجيا، فيعدّدون التحديات ويشخّصونها ويعرّفونها كما يلي :

1- النظام السوري قد نَفّذ، بحق الكُرد،سياسات ومشاريع عنصرية، ويرون بأنه يشكّل خطرا مستمراً عليهم .

2- تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش ) الإرهابي، يرون بأنه يستهدف الكُرد قبل غيرهم، وعلى الكُرد ملاقاته على امتداد الأراضي السورية، قبل اقترابه من المناطق الكُردية.

3- يرون بأن منظومة حزب العمال الكُردستاني، بما تنطوي على استطالاتها المدنية و المسلحة، تستخدم الكُرد السوريين في معاركها المستمرّة ولا تخدمهم، فتستثمر عنوان قضيتهم الوطنية العادلة خدمةً لأجنداتها الخاصة غير السورية، وهي لا تُخفي احترامها للنظام السوري وحرصها على استمرار علاقاتها القديمة معه، حيث يجاهر مسؤولوها بأنهم مَدِيْنون للنظام الذي أوى مؤسس حزبهم ” أوجلان” لسنواتٍ طويلة .

4 – يرون بأنّ المعارضة السورية الحالية، و خاصةً تلك الرسمية الممَثلة بالائتلاف الوطني السوري و غيره من مكونات هيئة التفاوض السورية، غير وفيّة ولا تقبل الشراكة الحقيقية مع الكُرد، و تقول بأنها تحمل نفس ذهنية النظام تجاه الكُرد، وأنّ المعارضة السورية الجيدة لم تتبلور بعد، وثَمّةَ متشائمون منهم يرون بأنها لم ولن تتبلور .

_5_- على الصعيد الخارجي، يرون بأنّ الدولة التركية الواقعة على الحدود الشمالية للمناطق الكُردية، لا يُوثق بها و لها أطماع تاريخية ضد بلاد الكُرد عامةً، و من المطلوب التصدي لها.

▪︎ أي أنّ هذه الأصوات و الأقلام الكُردية السورية المشار إليها، ترى بأنّ على الشعب الكُردي في سوريا أن يبقى حذراً و يتصدّى للأطراف المذكورة أعلاه، على الأقل، و كأنّ مقولة ” لا أصدقاء للكُرد سوى الجبال ” بديهية ثابتة أبدياً، علماً أنّ أولئك يعرفون جيداً بأنّ هناك نسبة لا يستهان بها، من الذين يخاطبونهم، من الكُرد المتبقّين في الداخل السوري تبحث عن سبل ما للهجرة.. .وأنّ النسبة الكبرى من كُرد المهجر، كغيرهم من باقي السوريين هناك، لن يختاروا، على الأغلب، العودة إلى الوطن، حتى لو تحسّنت الظروف في الداخل، لأسبابٍ كثيرة لا مجال لذكرها في هذه العجالة.

أمام هذا العدد من الاِفتراضات، التي يطرحها أولئك والتآكل الكبير في عَدَد ِالكُرد السوريين وعُدَدِهِم بفعل تداعيات الأزمة السورية الطويلة، تُرى من سيقوم بتحقيق الشعارات والأهداف التي يطلقها نفس أولئك الذين نحن بصددهم قبل غيرهم، ذلك مع وجود دعوات مستمرة موجهة للكُرد السوريين لتغذية المعارك التي تُقام تحت مسمّى مكافحة الإرهاب في عموم سوريا “بدلاً من كلّ العالم” لجعل الكُرد السوريين ” رُسُلاً للعالمين ” ، إلى جانب دعوات أخرى لتغذية المعارك الدائرة في أجزاء كُردستانية، تحت يافطة ” تكامل الدفاع القومي الكُردستاني” تلك المعارك التي يُراد للكُرد السوريين الزجَّ بها، على خلفية اعتبارهم جماعة استثنائية من حملة الرسالة، جماعة عليها أن تؤدّي ( واجبات) قومية كُردستانية و عالمية آيديولوجية، قبل ان تفكّر في نيل حقوقها الوطنية، السياسية و الإنسانية المشروعة، التي طالما تمّتْ المطالبة بتأجيلها نزولاً عند تفضيل تلك الواجبات ( ما بعد الوطنية و الحداثة ) فهل الكُرد السوريين يمتلكون من الاإمكانات الفائضة لأداء كلّ هذه المهام، لو افتُرِضت على أنها صحيحة أو محقّة؟.

أم أن المعادلة التي ينطلق منها أولئك مستحيلة الحل، وثمة خطأ في التشخيص و التوصيف؟.

هنا لا بدّ من التأكيد على أنّ ثمة من يعمل، باسم الكُرد، لتحويل الساحة الكُردية السورية إلى ساحة استثمارٍ حزبي و ايديولوجي، و ساحة تصفية الحسابات لصالح أجندات لا ناقة للكُرد السوريين فيها ولا جمل.

لابدّ من القول بأنّ الخطأ لا يكمن، فقط، في التوصيف الارتجالي وغير المقترن بالقرائن الكافية، لدى تلك النسبة المشار إليها من الكُرد ، لو افترضنا أنّ نواياها حسنة، إنما الخطأ تتحمّله ، أيضاً وسائل إعلام كُردية، حيث أنّ نسبةً كبيرة من كوادرها غير مهنية، هذا لو اعتبرنا أنّ نواياها، هي الأخرى، حسنة، ذلك عندما يقومون بمنح ألقابٍ و رتبٍ سياسية وثقافية بالمجّان لبعضٍ من أولئك الذين يسيئون لتركيز النضال الوطني الكُردي و يعملون على تشتيته بطرح توسيع الجبهات أمامه، لأنهم، ببساطة، لا يتمتّعون بتلك الألقاب فعلياً،لا اختصاصاً و لا خبرة،ذلك في ظلّ غياب المؤسسات المنظّمة، مما يؤثّر على نفسية ( المحلِّل المُدَّعي ) ويُفسدها فيصدّق نفسه و يتمادى، و كذلك يؤثّر سلباً على نفسية نسبةٍ من المُتلقّين، في ظلّ ضعف الإعلام الكُردي المسؤول، فتنال منهم التّأمّلات و التّكهنات الارتجالية التي تأتي عدوانية ومحبِطة بسبب غياب روح المحاكمة المنطقية ومقومات البحث العلمي، من الإحصائيات و التواريخ و غيرها من الوثائق .

▪︎كلّ هذا، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع بأنّ الوطنيين الكُرد السوريين – شأنهم شأن غيرهم من الوطنيين السوريين، خرجوا في ثورةٍ ضد نظام الحكم، وطالبوا بالتغيير الديمقراطي، في إطار عملية سياسية تنهي احتكار السلطة و الثروة و تحترم الخصوصيات الثقافية الدينية و القومية لجميع السوريين أفراداً و جماعاتٍ، بما فيها الحقوق القومية للشعب الكُردي…

و بالتالي فإنّ أيّ محاولةٍ لصرف الأنظار عن ذلك الهدف الأساس، إنما تصبّ في خانة النظام والأجندات غير الوطنية .

فالمحاولات المحمومة لاستخدام الكُرد السوريين لغايات آيديولوجية أو حزبية أو شخصية بالضد من مصالحهم ، إنما هي محاولات تدميرية، لن ترحم الأجيال عرابيها، سواءً كانوا من الكُرد أو غيرهم من السوريين المنتفعين، و الأحداث المتلاحقة تُظهر لجماهير شعبنا، مََنْ خدم و يخدم ثقافة الثورة، و مََنْ يتمسّك بروح الثورة السورية الواحدة و شعاراتها و أهدافها، الثورة التي هي عنوان و تاريخ يفصل مابين مرحلة سوريا اللّادولة و سوريا الدولة التي يطمح إليها كلّ شرفاء سوريا.