آراء

من يحاصر الكُرد اليوم يحاصر مستقبل سوريا كلّها

عاكف حسن

أنا رجل أؤمن بالتعايش. أؤمن أن سوريا لا يمكن أن تنهض إلا إذا عاش جميع أبنائها بسلام، مهما اختلفت أصولهم وانتماءاتهم. لكن ما أراه اليوم في حيي شيخ مقصود والأشرفية من حصارٍ واستهدافٍ للكرد المدنيين يجرح القلب، ويهزّ ضمير كل من بقي فيه ذرة إنسانية.

لا أكتب بدافع السياسة، ولا أبحث عن موقع في صفٍّ ضد آخر. أكتب لأنّي أرى ما لا يمكن السكوت عنه. ما يجري اليوم هو امتحان أخلاقي قبل أن يكون سياسيًا. ومن المؤلم أن من يُفترض أن يكون قائدًا للمرحلة المؤقتة في سوريا، أحمد الشرع، اختار الطريق الخطأ: طريق العنف والتبعية بدل طريق الحوار والعقلانية.

 

إرضاء تركيا… على حساب السوريين

من حق أي دولة أن تسعى لعلاقات إقليمية، لكن ليس على حساب دم السوريين. حين يتحوّل استهداف الكرد إلى وسيلة “لإرضاء” هذا الطرف أو ذاك، فذلك يعني أننا لم نتعلّم شيئًا من تاريخنا، وأننا نعيد إنتاج المأساة نفسها التي دمّرت هذا البلد لعقدٍ كامل.

من يقصف الأحياء الكردية اليوم بحجة الأمن، يزرع بذور حرب جديدة، ويفتح جرحًا لا يُغلق. الكرد ليسوا أعداء الوطن، بل شركاء في الأرض والمصير، قاتلوا داعش وقدموا آلاف الشهداء دفاعًا عن سوريا كلّها، لا عن كردستان فحسب.

 

القائد الذي يخاف من التنوّع لا يستحق القيادة

القائد الحقيقي لا يبني سلطته على الخوف، بل على الثقة. لا يطلب الولاء بالدم، بل بالمحبة والاحترام. كل من يختار العنف طريقًا لإثبات القوة إنما يوقّع على نهاية نفسه.

العنف ضد المدنيين، أياً كان مبرّره، لا يصنع استقرارًا بل يولّد أجيالاً من الغضب والانتقام.

 

دعوة للعقل والضمير

أقولها بصدق: إن استمرار أحمد الشرع في هذه السياسات الطائشة ضد الكرد سيقوده إلى نهايته السياسية والأخلاقية. التاريخ لا يرحم، والذاكرة الكردية — كما ذاكرة السوريين جميعًا — لا تنسى من سفك دماء الأبرياء.

لكنّي لا أكتب بدافع الكراهية، بل بدافع الأمل. الأمل في أن يستيقظ من بقي لديه ضمير، أن يتراجع عن الحصار، أن يفتح أبواب الحوار بدل أبواب الحرب. لا تزال هناك فرصة لوقف هذا الانحدار نحو الجنون.

 

سوريا لا تُبنى بالعنف

سوريا التي نحلم بها ليست سوريا المقابر الجماعية ولا المعتقلات ولا الحصارات.

سوريا التي نحلم بها هي سوريا التنوّع، حيث يعيش الكرد والعرب والدروز والعلويون والمسيحيون جنبًا إلى جنب دون خوف.

كل قطرة دم تُسفك اليوم تُؤخّر ولادة تلك البلاد التي نريدها: سوريا الإنسانية، لا سوريا الثأر.

في النهاية، أقولها لكل من ما زال يسمع:

لا تضحّوا بالبشر من أجل السياسة.

لا تجعلوا من المدن رهائن لمعادلات إقليمية باردة.

من يحاصر الكرد اليوم يحاصر مستقبل سوريا كلّها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى