مواقف جديدة للروس حيال العملية العسكرية التركية المحتملة في سوريا
على الرغم من التوقعات التي سادت قبل أسابيع بغض روسيا الطرف عن العملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري، إلا أن تصريحات المسؤولين الروس التي خرجت للعلن، في الأيام الماضية، وتضمنت توصيف العملية المحتملة بأنها “غير عقلانية”، ولا تساهم في تحقيق الاستقرار في سورية، تعكس تغيراً في النبرة الروسية.
هذا التبدل جاء بعد مرور نحو أسبوع فقط على زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة ولقائه وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، وإبدائه “تفهماً” للقلق التركي من التهديدات التي تواجهها على الحدود مع سورية، وسط توقعات بألا تقدم موسكو على إفساد علاقتها مع تركيا بسبب خططها.
كما تصدرت العملية العسكرية التركية المرتقبة جدول أعمال المحادثات في إطار أستانة التي اختتمت في نور سلطان، عاصمة كازاخستان، أمس الخميس، بينما سعى الدبلوماسيون الروس، المشاركون في أول جولة لأستانة منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، للتشديد على أن أعمال القتال هناك لم تبعد أنظار موسكو عن سورية.
روسيا عاجزة عن تعطيل العملية
يعتبر الأكاديمي السوري المعارض المقيم في موسكو محمود الحمزة أنّ روسيا لن تستطيع تعطيل العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا، من دون أن يستبعد احتمال تحقيق موسكو بعض المكاسب من جرائها، مثل حدوث شرخ بين أنقرة وواشنطن الداعمة لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد).
ويقول الحمزة، في حديث لـ”العربي الجديد”: “بتقديري، يجب قراءة كافة التصريحات الروسية على ضوء الوضع في أوكرانيا، حيث إن روسيا في وضع غير مرتاح، والعملية العسكرية مُكلفة لروسيا وتُكبدها خسائر كبيرة في العتاد والأفراد، وهي عملية متعثرة، لم تحقق من خلالها نتائج كبرى. وحتى في شرق أوكرانيا، لم تسيطر على إقليم دونباس بشكل كامل بعد، وتواجه عقوبات غربية مرهقة على اقتصادها”.
وحول رؤيته لتأثير متاعب موسكو في أوكرانيا على علاقتها مع أنقرة، يضيف: “روسيا الآن بحاجة ماسة إلى تركيا، وحريصة على الحفاظ على العلاقات معها، ولن تفسد هذه العلاقات بسبب العملية العسكرية، وإن كانت ضمنياً غير موافقة عليها”.
وتابع: “لو كانت موسكو في وضع أقوى منه حالياً، لقامت بأعمال من شأنها عرقلة هذه العملية، ولكن الآن سحبت روسيا بعض القوات من شرق الفرات، بما فيها عناصر لشركة فاغنر العسكرية الخاصة وطائرات وقادة عسكريين إلى أوكرانيا”.
ومع ذلك، لا يستبعد الحمزة احتمال تحقيق روسيا بعض المكاسب من العملية التركية، قائلاً: “لا خيار لدى الروس لمجابهة العملية العسكرية، وربما يتمنون أن تسبب شرخاً بين أنقرة وواشنطن، وقد تكون ورقة ضغط على قسد حتى تتفاوض مع النظام، وهو ما تدعو إليه روسيا دائماً”.
ويخلص إلى أن “جميع الدول تحتاج إلى تركيا، التي رأت الوقت مناسباً لتحقيق مشروع المنطقة الآمنة. وحتى إيران غير راضية عن عملياتها العسكرية، لكنها لا تستطيع أن تقوم بشيء ضد تركيا بسبب انشغالها بالملف النووي بعد تعقد أموره”.
تفاهم بلا ضوء أخضر
من جهته، يرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية كيريل سيميونوف أن التفهم الروسي للهموم الأمنية التركية لا يعني ضوءا أخضر للعملية العسكرية التركية، مرجحاً، في الوقت نفسه، أن تسعى أنقرة لعدم تجاوز خطوط روسيا الحمر في تل رفعت ومنبج ومواقع ترابط الدوريات الروسية.
ويقول سيميونوف، في حديث لـ”العربي الجديد”: “لم تغير روسيا لهجتها بشكل جذري، بل عارضت وزارة الخارجية الروسية، في أول بيان لها، أي عملية عسكرية تركية في سورية رغم تفهمها لقضايا الأمن التركي، معتبرة أن إجراءها من دون موافقة دمشق الرسمية يشكل مساساً لوحدة الأراضي السورية وسيادتها”. واعتبر أن “تأكيد لافروف لتفهم قلق أنقرة، لا يعني إعطاء الضوء الأخضر للعملية العسكرية المرتقبة، شأنها في ذلك شأن أي عملية عسكرية تركية سابقة في الشمال السوري”.
وسبق للمتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن أعربت، مطلع يونيو/حزيران الحالي، عن أملها في امتناع أنقرة عن أعمال قد تؤدي إلى تدهور خطير للوضع في سورية، مبدية، في الوقت نفسه، تفهماً لـ”هموم تركيا على خلفية التهديدات لأمنها القومي”.
ويتوقع سيميونوف أن تبدأ القوات التركية تقدمها بمناطق خالية من الوجود العسكري الروسي، وأضاف: “يرابط العسكريون الروس في تل رفعت ومنبج وعين عيسى وتل تمر وعين العرب، ولا ينوون الانسحاب منها في المرحلة الراهنة، ولذلك يمكن لأنقرة البدء بالتقدم في محيط مدينة المالكية بالقرب من الحدود مع العراق، حيث لا تنتشر نقاط تفتيش روسية دائمة، ولكن الأتراك سيضطرون للتفاهم مع الولايات المتحدة في هذه المنطقة”.
تل رفعت ومنبج خط أحمر بالنسبة لروسيا
ويجزم بأن تل رفعت ومنبج تشكلان خطاً أحمر بالنسبة إلى روسيا، قائلاً: “عارضت روسيا دوماً إجراء تركيا أي عمليات عسكرية في هاتين المنطقتين، ومنعت ذلك أثناء عملية “نبع السلام” في العام 2019. لذلك، على الأرجح، ستقتصر العملية العسكرية التركية على مناطق لن تواجه فيها معارضة روسية كبيرة”.
وكان الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف قد أعرب، أول أمس الأربعاء، عن قلق بلاده من تصريحات المسؤولين الأتراك حول عزم تركيا على تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الأكراد في سورية.
واعتبر بيسكوف أن “هذه العملية الخاصة لن تساهم في استقرار سورية وأمنها”، وذلك بعيد وصف مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرينتييف العملية التركية بأنها “غير عقلانية” وحثه أنقرة على حل المسألة بطريقة سلمية.
وقال لافرينتييف، في تصريحات صحافية قبيل انطلاق محادثات أستانة: “يقول كثيرون إن الاهتمام الروسي بسورية تراجع على خلفية إجراء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. يرغب عدد من الدول الأوروبية في رؤية تطور الوضع في سورية وفق مقاييسهم. أريد أن أقول إن النزاع السوري وحله لا يزالان من أولويات السياسة الخارجية الروسية”. وذكر المبعوث الروسي أن موسكو تعتبر إجراء تركيا عملية عسكرية في الشمال السوري خطوة “غير عقلانية” ستؤدي إلى تنامي التوتر في سورية.
العربي الجديد