آراء

نساء كُردستان مناضلات بالفطرة

محمد زنكنة

لا يمكن أن نعرّج على تاريخ شعب كُردستان النضالي دون التطرق إلى دور المرأة، والتي لم تكن فقط متمّمة لدور الرجل ، بل كانت تلعب أيضاً ذات الدور، وتواجدت في الصفوف الأولى مع قوات البيشمركة لحمل السلاح ولمقاتلة العدو ، بل وبمجرد المتابعة لصفحات التاريخ، سيتضح لنا بأنّ نساءً كُرديات وصلن لسدة الحكم، حيث لاتنسى كتب التاريخ ذكر خانزاد أميرة سوران والتي ثأرت من قتلة شقيقها الذي سُمِّم من قبل العثمانيين في بغداد بوشايةٍ وخيانة، لتكون نتيجة الانتقام تخليص الإمارة من الأعداء والخونة وإعادة رسم السياسات العامة لإدارتها.

ومع أنّ الانفتاح العالمي ووجود التواصل بين الشعوب فتح أبواباً للتقارب بينها، إلا أنّ هذا التطور والنضج الفكري تواجد لدى المجتمع الكُردستاني بالفطرة دون أن تكون هناك أية إرادات خارجية تفرض هذا التطور، حيث كانت المرأة الكُردستانية شريكة على طول الطريق مع الرجل في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالعمل واتخاذ القرار.

وفي فترة كان العالم الغربي الذي وصف بالعالم المتطور، يمنع النساء من المشاركة في العمل السياسي ويحرمهنّ من التصويت في العمليات الانتخابية، كان الشيخ الشهيد عبدالسلام بارزاني يفتي بعدم جواز تزويج البنات قسراً، إن كنّ قاصرات أو بالغات ، وسبقت قوانينه كلّ الأعراف والقوانين التي أقرّتها الأمم المتحدة وأصبحت دستوراً مهملاً لدى العديد من الدول ولايعمل بها أصلاً.

لقد عانت المرأة بسبب السياسات الخاطئة للحكومات التي اقتسمت بينها كُردستان ، وكانت هي الضحية الأولى لهذه السياسات الخاطئة لأنها كانت تترمّل أو تتيتّم باستشهاد زوجها أو ابيها وتبقى بلا معيل، لكن هذه الظروف ضاعفت من قوة المرأة الكُردية وخصوصاً النساء من ذوي المؤنفلين سواءً في كرميان أو بارزان أو سهل أربيل واللاتي تحملن أصعب وأحلك الظروف ليعددن أجيالاً تضرب بهم أمثال البطولة والشجاعة طيلة العقود الماضية.

لكن مجتمعاتنا الكُردية، لم تخلُ أيضاً من مشاكل اجتماعية سببها الثقافات المكتسبة من جراء الاختلاط بشعوب المنطقة، والاحتكام إلى بعض التفسيرات الخاطئة للمجتمع ، وما يخرج عن بعض المحسوبين على رجال الدين أو أصحاب السلطة العائلية والعشائرية، كما لعبت بعض المنظمات الباحثة عن الشهرة دوراً سلبياً في مزيدٍ من التشويه لصورة المجتمع الكُردستاني وخصوصاً حول ما يتعلّق بقتل المرأة والجرائم التي ترتكب ضدها باستغلال عباءة الدين أو العادات والتقاليد.

وهذا ما أدّى بحكومة إقليم كُردستان إلى أن تسارع ،وفي بدايات القرن الحادي والعشرين ، إلى تقديم مقترحات ومشاريع قوانين لبرلمان كُردستان للتخفيف من هذه الظاهرة، وكان برلمان الاقليم قد أوقف في اغسطس/آب 2002 العمل بثلاث مواد من قانون العقوبات العراقي الصادر العام 1969 وأهمها القانون الخاص بالقتل بدافع غسل العار أو ما يعرف بجرائم الشرف، وكان القانون ينصّ على الحكم بالإعدام أو السجن مدى الحياة لكلّ من يرتكب جريمة القتل العمد باستثناء القتل دفاعاً عن الشرف، حيث ينصّ علي السجن فترةً لا تتجاوز ثلاث سنوات ، كما أنّ للقاضي حق إصدار العقوبة مع وقف التنفيذ.

وعلى الرغم من أنّ هذه الظواهر السلبية لم تنته، إلا أنّ إرادة التحدي لدى الحكومة موجودة ومازالت الجهات الرسمية تتخذ كافة الإجراءات التي نصّت عليها القوانين الصادرة في الإقليم حول هذه الجرائم التي لاتمتّ للمجتمع الكُردستاني بصلة.

وبرغم كلّ هذه السلبيات، أثبتت الحرب ضد إرهابيي داعش بأنّ النساء مازلن يحتفظن بالشجاعة التي تعوّدنا عليها منهنّ، حيث كان الرئيس مسعود بارزاني يشيد دوماً بالمقاتلات في صفوف قوات البيشمركة وأمهات الشهداء وخصوصاً مَن فقدن أبناءهن دفاعاً عن أرض كُردستان ضد الإرهاب الذي مازال يهدّد الإقليم واستقراره.

لقد أثبتت المرأة الكُردستانية بأنها أهل لكلّ مهمة توكل إليها حيث تبوّأت مناصب عالية وحسّاسة كرئاسة برلمان كُردستان والعديد من الوزارات والدوائر والمؤسسات في الاقليم تُدار من قبل نساء كفوءات في كُردستان، وعلى المستوى الاقتصادي ايضاً تتواجد المرأة في ميادين العمل والقطاع الخاص بمشاريع كبيرة خاصة تعتمد من خلالها على ذاتها وطاقاتها وتبني لها استقلالها الاقتصادي والذي يضعها في مواجهة التحديات الكبيرة.

وفي السلك العسكري أيضاً تتواجد النساء وبأعداد كبيرة في الصفوف الأمامية للجبهات كمقاتلة وضابطة بمختلف الرتب، وأثناء الحرب ضد التنظيم الإرهابي لم تذخر النساء جهداً لمقارعة هذا العدو ومازالت بنات ونساء كُردستان يتواجدن في مختلف الأصناف والألوية والقوات العسكرية التابعة لقوات البيشمركة دون أن يشعرن بأية فروق بينهن وبين الرجال.

إنّ هذا السرد يثبت بأنّ الشجاعة لدى نساء كُردستان والروح النضالية كانت ومازالت روحاً فطرية، لكن كلّ هذه الإيجابيات لايجب أن يسمح لها بالاختفاء والاضمحلال في ظلّ التطورات التي يشهدها العالم كما لايمكن الاستسلام لظواهر سلبية بحجج لايقبلها العقل والمنطق، لكن ومع كلّ ذلك تبقى للمراة الكُردستانية بصمتها وقوتها التي لايمكن للمجتمع أن يتطوّر من دونها.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “317”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى