هل بدأ العد العكسي لتأهيل النظام السوري دولياً؟
فؤاد عليكو
إن المتتبع لتطور مجريات الثورة السورية منذ أن فشل مؤتمر جنيف2 في بداية 2014م بين النظام والمعارضة وحتى اليوم، يدرك بوضوح أن المجتمع الدولي وتحديداً القوى التي كانت تدّعي بأنها صديقة الشعب السوري قد نفضت يدها وتراجعت عن دعمها المزعوم أو المحدود أحياناً للثورة السورية، وأدارت ظهرها للشعب السوري مكتفية بإصدار بيانات الشجب والاستنكار لممارسات النظام الهمجية بحق الشعب السوري، التي وصلت في مراحل منها إلى استخدام السلاح الكيميائي مجدداً ضد المدنيين كما حصل في جوبر والمليحة في ريف دمشق، تاركة الشعب السوري والثورة السورية بين مطرقة النظام وسندان المنظمات المتطرفة كداعش وأخواتها، اللذان تمددا جغرافياً في المناطق التي كانت محررة من قبل الثوار دون تصادم يذكر بينهما وبإيقاع منظم، لدرجة توحي للمتابع للأحداث بأن تفاهماً أو تنسيقاً منظماً جرى ويجري بينهما من تحت الطاولة حول تقسيم مناطق النفوذ.
فقد حصل ما يشبه عملية تسليم واستلام بينهما في بعض المناطق، كما حصل للفرقة 17 ومطار الطبقة في محافظة الرقة، ولم يحرك المجتمع الدولي ساكناً وبقي متفرجاً وغير مبالٍ بهذه التطورات، إلا بعد أن تم احتلال الموصل وتكريت وريفهما بطريقة كرنفالية يعتريها الكثير من الشكوك وإشارات الاستفهام، وكذلك تهديد إقليم كردستان العراق وبغداد أيضاً، عندها فقط تحرك المجتمع الدولي سريعاً، وأصدر مجلس الأمن وبالإجماع القرار 1270 بتاريخ 18/8/2014م تحت البند السابع لمحاربة داعش وجبهة النصرة مستثنياً النظام السوري من تبعات القرار، لا بل رحب النظام بالقرار وأبدى استعداده للمشاركة فيه عملياً، وهكذا احتلت محاربة الإرهاب الأهمية الأولى مقابل تراجع الاهتمام بممارسات وإرهاب النظام بحق الشعب السوري، كما ارتفعت أصوات هنا وهناك مطالبة بإشراك النظام وإيران في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، لكن الطلب كان محرجاً لأمريكا فرفض، ومقابل ذلك حصل تنسيق أمريكي غير معلن مع إيران في العراق وتجاهل لممارسات النظام في سوريا، تزامناً مع تبني المجتمع الدولي مشروع المبعوث الدولي دي مستورا وسياسة تجميد بعض المناطق الساخنة، والتي يجد النظام نفسه ضعيفاً فيها، كما ترافق كل ذلك مع دعوة روسيا لإحياء الحوار بين بعض الشخصيات من المعارضة والنظام دون شروط مسبقة، وإشراك بعض الشخصيات التي لها قدم عند النظام وقدم عند المعارضة، متجاهلة الأطر الرسمية للمعارضة وخاصة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والذي حتى الأمس القريب اعتبر الممثل الشرعي للثورة السورية من قبل (أصدقاء) سورية على الأقل، وسط غض نظر واضح من قبل أمريكا لتحرك الكرملين ولعبه دور الوسيط باتجاه تلميع صورة النظام دولياً إن لم نقل بمباركة منها لهذا التحرك، ووسط صمت مريب في الموقف الفرنسي ودول الخليج المتشدد تجاه النظام، لا بل هناك تسريبات إعلامية بأن بعض دول الخليج ومصر والأردن بصدد إعادة العلاقات مع النظام السوري، مع اختفاء تام لمشاريع عدة كانت تتعلق بمعالجة الأزمة السورية كتنحي الأسد وتشكيل حكومة توافقية انتقالية، وشروط جنيف1، والملاذ الآمن، والحظر الجوي، والتساوي في الجرائم بين النظام وداعش، وهكذا يبدو المشهد مقلقاً للغاية، فهناك تخوف مشروع من أن المصالح الإقليمية والدولية تتقاطع عند نقطة وأد الثورة السورية والتضحية بدماء الشهداء وإعادة إنتاج النظام من جديد من خلال مايطلق عليه مؤتمر الحوار بين النظام والمعارضة في موسكو في نهاية هذا الشهر دون شروط مسبقة، وهذا يعني إبقاء الأسد وطاقمه الأمني بعيداً عن مسار الحوار، ويتطابق هذا التوجه مع الرؤية الروسية والإيرانية للحل في سورية منذ أربع سنوات وحتى اليوم، كل ذلك تحت ذريعة أولوية محاربة الإرهاب، ناسين أو متناسين بأن النظام وحلفاءه هم من أنتجوا هذا الإرهاب ودعموه بكل الوسائل الممكنة حتى وصل الأمر إلى ما نحن عليه اليوم، كما لا يخفى بأن المعارضة السورية تتحمل جزءاً لايستهان به مما آل إليه الوضع، حيث لم تتمكن هذه المعارضة من استثمار التعاطف الدولي الكبير في السنوات السابقة، ولم تتمكن من التعامل مع القوى الدولية بموقف موحد ورؤية موحدة، وبقيت أسيرة خلافاتها الداخلية داخل الائتلاف، فانعكس ذلك على الأرض، إذ لم تتمكن من توحيد جميع الفصائل المقاتلة تحت مظلة واحدة (الجيش الحر)، ووفق تراتبية عسكرية منظمة، لا بل عملت على تبديد الطاقات وتشكيل تجمعات شللية ومناطقية موالية لها، وبذلك فقدت القدرة على السيطرة على المناطق المحررة، وأصبح لكل فصيل في كل منطقة حكمه الخاص به وآلياته الخاصة في إدارة تلك المنطقة بطريقته الخاصة به بعيداً عن أي قانون موحد بينهم، كما تم دعم فئات عسكرية لا تمت إلى الثورة السورية بصلة، وبعيدة عن كل شعارات الشعب السوري المطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية، كل ذلك انعكس سلباً على نظرة المجتمع الدولي للثورة السورية، فبدأ بطرح تساؤل مشروع: أي ثورة هذه؟ وماذا يريدون؟ وكيف لهذه القوى المففكة أن تحكم سورية؟ وبأي نظام يحكمون؟ كل هذه التساؤلات خلقت جواً من الريبة والشك لدى المجتمع الدولي في قدرة المعارضة على إدارة مرحلة ما بعد بشار الأسد، وبالتالي تقاطعت هذه التساؤلات مع نظرة النظام والقوى الحليفة معه، ومفادها أن لا بديل للنظام في هذه المرحلة، وأن المعارضة الحالية غير مؤهلة لاستلام السلطة في سورية، والبديل المهيأ حالياً هو التنظيمات الإرهابية من داعش وجبهة النصرة وغيرهم، وهذا ما يجب أن نتجنبه ونعمل على مواجهته أولاً، ومن ثم البحث في مصير النظام إلى مرحلة لاحقة ريثما تتهيأ الظروف والأجواء المناسبة لذلك.
ومن هنا يُفهم توجه موسكو إلى دعوة بعض شخصيات المعارضة للحوار بغية استخدامهم كديكور لهذا التأهيل، وتعيين البعض منهم كوزراء خدميين بغية إضفاء الطابع الشرعي على النظام تحت مسمى (حكومة الوحدة الوطنية)، بصورة توحي للمتابع بأن تغييراً ما قد حصل في لوحة النظام وبنيته التنظيمية، ويتقاطع هذا التوجه مع الموقف الأمريكي إلى حد ما، فأمريكا ليست في عجلة من أمرها في تغيير النظام، ومشروعها (الاستراتيجي) والقاضي بتدريب 15000 مقاتل فقط من المعارضة على مدى ثلاث سنوات يفسر ذلك بوضوح، ومفاده أن النظام باقٍ لما بعد الثلاث سنوات، وبالتالي لا مانع لديها من إرخاء الحبل لموسكو لتتصرف بالوضع السوري كما تريد ريثما تحضر أمريكا نفسها لبناء استراتيجية خاصة بها في المنطقة، والتي لا يعرف ملامحها ومداها أحد بعد.
والسؤال الكبير المطروح اليوم هو هل تدرك المعارضة المأزق الذي وصلت إليه؟ وهل تملك استراتيجية معينة لمواجهته أم سترضخ للأمر الواقع وتقبل ما يملى عليها من القوى الدولية، وتشارك في كرنفال احتفال عودة النظام إلى المجتمع الدولي سالماً غانماً وتذهب دماء الشهداء هدراً؟ أم أنها سوف تعيد ترتيب أوراقها من جديد وتواجه هذا المخطط بموقف موحد وتتعامل مع المرحلة برؤية جديدة تختلف كلياً عن ما مارسته في السابق وما ارتكبته من أخطاء؟.